39 ألف أسرة عربية عراقية هربت إلى المناطق الكردية بحثا عن الأمن

من بينهم أطباء ومهندسون وأساتذة جامعيون وأعضاء في حزب البعث المنحل وضباط مخابرات سابقون

TT

الى جانب العجلات الدائرية الضخمة ومحلات الآيس كريم، تضم حديقة الحرية في قلب مدينة السليمانية الكردية صرحا كتبت عليها أسماء عشرات الأكراد الذين قتلوا في معسكر للتعذيب كان يديره ضباط مخابرات نظام صدام حسين. كان يمشي على بعد ياردات فقط من هذا الصرح التذكاري ضابط المخابرات السابق صباح عبد الرحمن وأسرته. وصل عبد الرحمن الى السليمانية بعد ان اضطر وأسرته للفرار من تكريت، مسقط رأس صدام حسين، بسبب أعمال العنف والمرارة التي يشعرون بها تجاه القوات الاميركية. يقول عبد الرحمن، الذي وصل في نفس اليوم واستأجر شقة بما يعادل 30 دولارا لليلة الواحدة، ان هذه هو المكان الوحيد الآمن في العراق الآن، اما في المناطق الأخرى فينتشر الإرهاب وأفراد القوات الاميركية، على حد قوله. مع ازدياد أعمال العنف الطائفي في أجزاء واسعة من العراق، اضطرت عشرات الآلاف من الأسر العربية الى الانتقال الى مناطق أخرى أكثر أمنا. وعلى الرغم من عقود من حكم صدام القمعي للأقلية الكردية واستمرار التوتر العرقي، آثر كثيرون، مثل عبد الرحمن، الاستقرار في محافظات كردستان العراق التي تتمتع بالاستقرار الأمني. تدفق العرب على المناطق الكردية أثار توتر الكثير من الأكراد الى حد جعل القادة المحليين يناقشون ما اذا يجب تجميع العرب في مساكن منفصلة او معسكرات. يقول آسوس هردي، رئيس تحرير مطبوعة «آوين» الكردية التي تنشر اعمدة مؤيدة للفصل بين العرب والأكراد، ان هذه القضية حساسة للغاية بالنسبة للأكراد. وأضاف قائلا إن الكل يقف الى جانب اولئك الذين وقفوا الى جانب الذين تركوا أراضيهم وديارهم بسبب العنف، لكنه قال في نفس الوقت ان الأكراد لا يريدون ان يحدث ذلك على حساب التخلي عن أراضيهم او التغيير الديموغرافي لأراضيهم. جدير بالذكر ان أعدادا متزايدة من العراقيين اضطرت للفرار من بعض المدن هربا من أعمال العنف وبحثا عن مناطق آمنة. وخارج المنطقة الكردية وصل عدد الأسر التي اضطرت للنزوح بسبب أعمال العنف الطائفية بين السنة والشيعة الى 39000 أسرة؛ وهو عدد يفوق بكثير العدد الذي صرح به مسؤولون عراقيون في وقت سابق قالوا إن عدد الأسر التي اضطرت للنزوح بسبب أعمال العنف يقدر بـ27000. ويلاحظ ان البعض فضل التوجه الى كردستان على الرغم من وجود مناطق وأحياء ذات تركيبة سكانية طائفية في بغداد، وعلى الرغم من وجود مدن ذات تجانس طائفي مثل الفلوجة بالنسبة للسنة والنجف بالنسبة للشيعة. والى جانب توفر الأمن والاستقرار، تروق كردستان للعرب السنة الأكثر علمانية، ذلك ان الأكراد، الذين يشكلون حوالي 20 في المائة من سكان العراق، ليسوا متشددين من الناحية الدينية. ويطلب من العرب المتوجهين الى كردستان هربا من أعمال العنف، التسجيل لدى الجهات الأمنية التي تحاول الوقوف على عدد الواصلين الى هذه المناطق وأماكن سكنهم. وقال سركوت حسن جلال، كبير ضباط الأجهزة الأمنية في السليمانية، كبرى مدن شرق كردستان، ان حوالي 1000 أسرة عربية انتقلت الى المنطقة وأن آلاف الأسر الأخرى استقرت بالفعل في مناطق أخرى شمال كردستان. بعض النازحين هنا من العمال الفقراء، ويلاحظ أن عشرات ينامون كل ليلة خارج أحد المساجد الرئيسية وسط المدينة، إلا أن كثيرا من النازحين من أصحاب المهن مثل الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات. ومن بين النازحين ايضا أعضاء في حزب البعث المنحل وضباط مخابرات سابقون ربما يكون قد فر بعضهم هربا من الاضطهاد بواسطة عراقيين آخرين او خشية الاعتقال بواسطة القوات الاميركية. ويخشى بعض الأكراد من أن يجلب بعض العرب انتحاريين معهم الى المنطقة. يضاف الى ذلك أن وصول عدد من العرب المنتمين الى الطبقة الوسطى، قد أدى الى ارتفاع تكلفة استئجار المنازل بنسبة 50 في المائة تقريبا، حسبما أشار بعض المسؤولين الأكراد. ويقول بعض الأكراد إن موجة الهجرة أعادت الى الأذهان سياسة «التعريب» لصدام حسين، التي أمر بموجبها بانتقال العرب الى الأراضي الكردية وترحيل ما يزيد على 100 ألف كردي بغرض تغيير التركيبة السكانية في المنطقة، خصوصا حول حقول نفط كركوك. ويقول هردي إن ما سيحدث سيكون نوعا آخر من «التعريب». ويقول أنور أبو بكر محمد، الذي يعمل معلما بإحدى مدارس المنطقة، إنه إذا جرى فصل العرب عن الأكراد، فإن ذلك لن يؤدي الى أي مشاكل، وأضاف قائلا إنهم لا يريدون أن تتكرر نفس أعمال العنف التى تحدث في أماكن أخرى من العراق. ويرى جلال من جانبه، ان هذه المخاوف لا أساس لها لدى البعض، وأجاب قائلا لدى سؤاله عن امكانية حدوث هجمات انتحارية وأعمال عنف أخرى انه لم تكن هناك مشاكل تؤدي الى ذلك. كثير من العرب يشيدون بحسن ضيافة الأكراد. يقول عبد الرحمن، ضابط الاستخبارات السابق، ان الأكراد ظلوا يعاملونهم بصورة ودية، وأضاف قائلا انهم يتمتعون بالحرية هنا، كما علق ايضا بقوله: «ليس هناك أميركان. تكريت سيئة للغاية، هناك اعتقالات جماعية وحظر للتجول ولا توجد خدمات ولا تيار كهربائي». احضر عبد الرحمن، وهو متزوج من سيدة نصفها كردي، طفليه وطفلة اخرى قال ان والدها اعتقلته القوات الاميركية عقب الغزو، ولا أحد يعرف مصيره، وتوفيت شقيقة هذه الطفلة بسبب البكاء المستمر والاكتئاب، حسبما ذكر عبد الرحمن.