جاتوه وسراويل أفغانية وعيون زرق وعمامات طالبانية تزين عرس ابنة إسلامي مصري

الزغاريد والأغاني غُيبت وقادة الحركة الأصولية شاركوا بكلمات تحرض على الزواج

TT

لم تكن هناك زغاريد أو فرقة موسيقية أو أغاني أفراح كالتي تعودنا على سماعها مثل «اتمخطري يا حلوة يا زينة»، و«عريسي جاي ياخذني بالسلامة يا ماما»، «والنهاردة الخميس ليلتنا ليلة عيد»، بل كان الحاضر الدائم أناشيد اسلامية وقرآن كريم وخطب من العيار الثقيل ألقاها رموز وقادة الحركة الأصولية في بريطانيا تحث وتحرض الشباب على الزواج وبناء الأسرة كنواة للمجتمع المسلم، في حفل عقد قران ابنة الإسلامي المصري الدكتور هاني السباعي، مدير مركز المقريزي للدراسات بلندن. وأقيم حفل عقد القران في المنتدى الإسلامي، وهو مسجد كبير به قاعات للمحاضرات بغرب لندن، مساء أول من أمس وحضره عشرات من قيادات الحركة الأصولية، وكان بينهم وجوه غير معروفة وأخرى معروفة بنشاطها العام مثل الشيخ محمد مصطفى المقرئ «أبو إيثار» ابرز قيادات «الجماعة الإسلامية» في أوروبا، وهو عالم فقيه، حلو اللسان، له كتب مهمة من أبرزها «حكم قتل المدنيين في الإسلام»، الذي ألقى كلمة جامعة في حكم الزواج في الإسلام، وكان في الحفل ايضا الدكتور كمال الهلباوي، المتحدث الأسبق باسم «التنظيم العالمي للإخوان في الغرب»، وهو ناشط إسلامي معروف، والدكتور خالد فكرى من مؤيدي «الجماعة الإسلامية»، وكذلك المهندس حسن الحسن نائب ممثل «حزب التحرير» في بريطانيا، والناشر والإسلامي المصري عبد المجيد حزين، والشيخ عبد الفتاح أبو أيوب، مدير المنتدي الإسلامي، والشيخ صلاح طيفور السوداني، الفقيه الشرعي للمنتدى الإسلامي. وافتتح الحفل الشيخ احمد بن عوض الله الشارقي بآيات من الذكر الحكيم من سورتي «الأحزاب» و«النساء». وظهر الإسلاميون في ابهى حللهم بملابس حديثة وسراويل افغانية وجلاليب ناصعة البياض، ووسط القاعة كان شباب يرتدون عمامات أفغانية، احدهم عربي الأصل يترجم للأعاجم من الباكستانيين وشباب انجليز دخلوا الاسلام حديثا بعيون زرق ما يدور في حفل العرس من احداث وكلمات. وكان دينامو الفرح محمود رسمي أبو ريدة، الإسلامي الفلسطيني الذي اعتقلته السلطات البريطانية في سجن بيل مارش ومستشفى برودمور قبل نحو أربعة أعوام، بزعم شبهة الارتباط بالإرهاب العالمي، والذي كان مراقبا بحلقة إلكترونية حتى اسابيع قليلة، من قبل شرطة اسكوتلنديارد، بناء على أوامر الداخلية البريطانية، وكان أبو ريدة يرتدي بدلة سوداء مقلمة بخطوط بيضاء، وفي منتهى الأناقة وكأنه احد مديري البنوك او العاملين في بورصة لندن، وكان ابو ريدة الذراع الأيمن لوالد العروس وهو يستجيب لطلبات المدعوين بابتسامة رقيقة في يسر وسهولة. وكان ضمن الحضور عدد من جماعة «أنصار الشريعة» بقيادة أبو عبد الله التركي، خليفة أبو حمزة المصري، لكن «الشرق الأوسط» علمت أن التركي وعددا من أتباعه غابوا عن الحفل لأنهم اعتقلوا في مداهمات لندن الأخيرة بالمطعم الصيني الحلال نهاية الأسبوع الماضي. وحضر الحفل محسن ابن زوجة أبو حمزة المصري الذي اعتقل في اليمن نهاية عام 1999، قبل ان يفرج عنه بعد قضائه مدة العقوبة. وكان ضمن الحضور عدد كبير من الأكراد وأبناء الجاليات العراقية والبنغالية والموريتانية والصومالية وشباب سعودي، وعدد من السوريين بعوائلهم من اتباع «حزب التحرير». وقال السباعي وهو يوجه الدعوة لي هاتفيا مساء أول من أمس لحضور حفل عرس ابنته تسنيم الى عريسها المهندس مصطفى محمد، وهو شاب في العشرينات من العمر غير ملتح، يمكن ان تحضر كاميرا او مصور، ولكن رجاء لا تلتقط صورا الا للجالسين على المنصة في القاعة الرئيسية، حتى لا تفسد علينا الفرحة، لأن هناك كثيرا من المدعوين لا يفضلون التقاط صور لهم، بل يعتبرونه «مسا شيطانيا». وعندما سألته عن تصوير العروس والسيدات في الجانب الآخر من الحفل، قال بيقين وثيات: «لا تفكر في هذا الأمر، انه من رابع المستحيلات». وكان يبدو على العريس قليل من الملل، بسبب الكرنفال الخطابي الأصولي وكأنه يستعجل عقد القران، لطول كلمات المتحدثين. وكان من الحضور ايضا عدد كبير من الإسلاميين المغاربة والجزائريين والتوانسة، من بينهم شاب مغربي اتهم زورا بقيادة جماعة سلفية جهادية قبل ان تثب براءته. وكان هناك عدد من الشباب الانجليز المسلمين الشقر بعيون خضر وزرقاء يرتدون سراويل فضفاضة، حديثي العهد بالإسلام، يستمعون الى ترجمات لما يدور في الحفل من كلمات وخطب اسلامية. ووسط الحفل كان يجلس الإسلامي المغربي طارق درغول خريج معسكر غوانتانامو، وكأنه شارد الذهن لا يتحدث الى احد من الإخوة بل كان صامتا معظم ساعات الحفل، وفقد دارغول احدى ذراعيه في حرب تورا بورا قبل ان تعتقله السلطات الأميركية وترسله الى قاعدة باغرام ومنها الى قاعدة غوانتامامو التي يحتجز فيها اسرى القاعدة وطالبان لأكثر من ثلاث سنوات قبل ان يعود الى بريطانيا ضمن خمسة بريطانيين افرجت عنهم السلطات البريطانية. وطغت الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة والسراويل الأفغانية وعمائم سوداء لبسها شباب من الإسلاميين الى حفل عرس ابنة الدكتور السباعي، وكان من ابرز الأحاديث والآيات التي ترددت: «تنكح المرأة لأربع لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»، و«قلب شاكر ولسان ذاكر وزوجة صالحة تعينك على دينك ودنياك خير ما اكتنز الناس»، و«انكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم»، و«تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم يوم القيامة». وتحدث الشيخ أبو إيثار عن العفة والطهارة في المجتمع المسلم، وركز على قصة سيدنا موسى في مدين، وفسر آيات كريمة من «سورة النور»، ووصفها بأنها سورة لطيفة ذات وقع كريم على النفس، وركز على توصية الدين الحنيف بالنساء خيرا. وتحدث الدكتور كمال الهلباوي عن فضائل الزواج، وضرب أمثلة بفتاة انجليزية اعتنقت الإسلام، وعندما سأل الإمام أمها عن سبب تشجيع ابنتها نحو الإسلام، قالت إن جيرانها من الباكستانيين بناتهم يتزوجن، ويقبلن على زيارة ذويهم، وهي تريد ابنتها أن تفعل نفس الشيء، وتعيش حياة مستقرة. كما تحدث الدكتور خالد فكري وهو محسوب على «الجماعة الإسلامية». وألقى الدكتور السباعي كلمة تحدث فيها عن قيمة المرأة في الإسلام، واحترام الرجل للمرأة، وذكر حديثا عن الرسول الكريم أشار فيه الى أن أفضل ما يكتنزه الإنسان في دنياه هو الزوجة الصالحة. ثم استعرض من التاريخ قصة القاضي شريح مع زوجته من القرن الأول الهجري، التي أثنى عليها، وكان يقول لأمها: «لقد أحسنت تربية ابنتك، وروضت فأحسنت الرياضة، ونعم الزوجة ونعم الرفيق». وكنت أمني نفسي وأنا في طريقي الى العرس أن أسمع أغاني لعبد الحليم حافظ أو فريد الأطرش أو موسيقى راقصة من ألحان سالف الذكر احمد فؤاد حسن أو ألحان الأفراح التي شاعت مثل «ماتزوقيني يا ماما»، و«اتمختري ياحلوة يازينة» و«قولوا لمأذون البلد». وهي أغان لا ينفي الشيخ السباعي انه كان لا يسد أذنيه عند سماعها لدى مروره بأحد الأفراح. وعندما سألت جاري في قاعة الفرح: «حتى ولا زغرودة واحدة »، قال لي« لقد أخطات العنوان ياخي». لكن احد أقارب العروس نقل لـ«الشرق الأوسط» صورة تقريبية عما دار في قاعة النساء وهي صالة الجمنازيوم أسفل المسجد، فقال كانت العروس تجلس على كرسي عال غير منقبة، لأن الحضور جميعه كان من السيدات والفتيات من أقارب العروسين، ولم تكن السيدات يجلسن على الأرض بل على كراسي وأمامهن اطباق من الحلويات الشرقية والتورتات وأصناف من الجاتوه، ولم يكن هناك زغاريد أو أغان بل كانت هناك أناشيد اسلامية تحث على اختيار الزوجة الصالحة، مثل: «أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم». وقبل دخولي الى المسجد كانت سيارة نصف نقل تقف أمام المسجد، وانشغل الشباب من أبناء الحضور في نقل كميات هائلة من صناديق الحلويات والجاتوهات والتورتات وعشرات الكيلوجرمات من الموز، ولا أعرف سببا لحب الإسلاميين للموز، وليس البطيخ او التفاح مثلا، ربما لان شجرة التفاح هي التي أخرجت سيدنا آدم من الجنة.

وبعد عقد القران الذي وقعه الشيخ المقرئ ( أبو إيثار)، وشارك فيه والد العروس الدكتور السباعي والعريس المهندس مصطفى بدون منديل يغطي يديهما كما في الأفلام السينمائية، ومن باب «أن المؤمنين حلويون» كانت الجاتوهات الفاخرة من كل صنف ولون والعصائر في انتظار المدعوين، أما أكوام الموز فحدث ولا حرج.

وعندما سالت الدكتور السباعي: أين الخراف المحشوة التي تعودنا أن نراها في أفراح الإسلاميين، قال لي« إنها لم تغب عن الخاطر، وستكون حاضرة إن شاء عند حفل الزفاف، لأنها سنة صحيحة».