كيف يبحث مسلمو أميركا وسائل دمج الإسلام بالحياة اليومية

سؤال يبدو أكثر إلحاحا في الذكرى الخامسة لهجمات سبتمبر

TT

أشار أمين الصراف، الواقف في غرفة غارقة بمصابيح النيون داخل جامعة جورج واشنطن مخصصة كمصلى للمسلمين، إلى الحاجز البلاستيكي الفاصل الذي يبلغ ارتفاعه ستة أقدام. وكان هذا الحاجز مصدر خلاف بين أعضاء «جمعية الطلبة المسلمين». وقال بعضهم إن الحاجز الذي يقسم الفراغ المخصص للصلاة هو من أجل فصل الرجال عن النساء أثناء صلاتهم، وهو ضروري كجزء من تعاليم دينهم بينما لا يوافق آخرون قائلين إن النساء سيجدن صعوبة في سماع الإمام. وقال الصراف «يراه بعضهم بأنه أشبه بسور الصين العظيم في وسط الحجرة».

ولا يريد الصراف خلق مشاعر نفور لدى أي شخص، وكان رئيسا حتى السنة الماضية لـ«الائتلاف الإسلامي للعدالة» وهي مجموعة سياسية تحت مظلة «جمعية الطلبة المسلمين». وسمع أن كل هناك بعض المنظمات في جامعات أخرى تسعى إلى جعل بعض الطلبة يشعرون بأنهم مقصورن لأنهم لا يرتدون بطريقة معينة ملابسهم على سبيل المثال. ولعله سيرضى لو أن جمعيته وافقت على حل وسط: جعل الحاجز أقل ارتفاعا. ويبلغ الصراف الثانية وعشرين عاما ودرس العلاقات الدولية، وتخرج في مايو الماضي. وبالنسبة له فإن النقاش الذي أثاره حاجز الفصل هو جزء من نقاش واسع يدور بين الاميركيين المسلمين خصوصا الشباب منهم. وموضوع النقاش الواسع هو كيف يمكن دمج الإسلام بالحياة اليومية. وأصبح السؤال أكثر إلحاحا منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، والتي ربطت الإسلام في أعين الكثير من الأميركيين بأفعال القتل والتعصب. وبعد الهجمات الإرهابية مباشرة بدأ المسلمون يشعرون بالضغط. فالنساء اللواتي يرتدين الحجاب أصبحن هدفا لملاحظات عدائية، وتعرض عدد من المساجد إلى رش شعارات معادية على جدرانها وبعضها الآخر تعرض للتخريب. وطُلب من بعض المغتربين المسلمين بالتسجيل مع الحكومة، وأصبحت العائلات تستقبل دقات على الباب حيث يأتي لزيارتهم بعض موظفي الهجرة و«اف بي آي». وفي بعض الأوساط حيث تعمق الازدياد مع اختفاء بعض الرجال المسلمين الذين تم إرسالهم قسرا إلى بلدانهم الأصلية أو تم امتصاصهم داخل نظام فرض النظام الذي يشعر الكثير من المسلمين أنه أدانهم بجرائم غير معرّفة بشكل واضح، والولايات المتحدة خاضت أولا حربا ضد بلد مسلم ثم أعقبتها ببلد مسلم آخر.

بالنسبة للكثير من المسلمين الأميركيين، فإن الولايات المتحدة تنوي شن حرب ضدهم. وقال إبراهيم هوبر المتحدث باسم مجلس العلاقات الإسلامية ـ الأميركية: «هذه السياسات تخلق انطباعا في أذهان الكثير من الناس... أن محاربة الإرهاب يتطلب خوض حرب ما على الإسلام».

وحتى هجمات سبتمبر، أن يكون المرء مسلما في الولايات المتحدة لا يعني بالضرورة أن يكون له موقف أو أن يشرح أفعال الآخرين. لكن في المناخ الاجتماعي الجديد كان على المسلمين أن يقرروا بشكل أكثر دقة ما يعنيه أن يكون المرء أميركيا ومسلما معا.

بالنسبة لمسلمين شابين من منطقة واشنطن كانت عملية تشكيل التوازن ما بين الدين والوطن قد انطلقت بعد الهجمات لتشكل ردود فعل مختلفة لكل منهما. فالصراف الذي ترعرع في عائلة متعددة الاثنيات كانت تناقش من وقت إلى آخر الكيفية التي يمكن جعل الإسلام وفقها متوافقا مع الأكثرية الأميركية. بينما دفعت تلك الهجمات باسم الحوا ابن احد الفلسطينيين المغتربين كي ينتقل من تجاهله للكثير من المتطلبات التي يفرضها دينه كي يفكر بشكل إيجابي حول ما تعنيه له، وأخيرا تخلى عن مكونات الحياة الأميركية التي لا تتوافق مع الإسلام.

وقال الصراف إن 11 سبتمبر «أعطتني دافعا إضافيا. أنا أظن أن كل المسلمين شعروا بضغط إضافي وأن يكون المرء منتميا للإسلام يعني أن عليه أن يدافع عنه». وقال الصراف «المسار الطبيعي هو أن الجيل الأول من المغتربين يأتي كي يؤسس نفسه أما أبناء الجيل اللاحق فيكونون مختلفين في مجمل قضايا فهم يسعون إلى تحديد من هم وكيف يمكنهم الاندماج مع المجتمع». أما بالنسبة للحوا فإنه انتمى بعد هجمات 11 سبتمبر إلى دار الهجرة، الجامع نفسه الذي انضم اليه بعض الرجال الذين ادينوا في «شبكة الجهاد في فرجينيا»، على الرغم من انه قال انه لم يعرفهم جيدا. وكان قد استمع الى محاضرات مسجلة على أشرطة لعلي التميمي الذي حكم عليه بالسجن المؤبد عام 2005 لتحريضه الشباب المسلمين على شن حرب ضد الولايات المتحدة. ورفض الحوا حجة المدعين من ان الرجال كانوا خطرين، مشيرا الى انه على الرغم من عدم معرفته بكل الحقائق فانه لا يعتقد ان الدليل كاف لادانتهم. وفي العام الذي اعقب الحادي عشر من سبتمبر بدأ اصدقاء وزملاء عمل يوجهون اسئلة الى الحوا من قبيل «ماذا يقول الاسلام عن المفجرين؟». وقال ان «الاسلام يتردد دائما في كل الأخبار. وفي ذهني الآن أكثر ترددا بسبب الأسئلة التي توجه لي». وقال انه يعتقد ان الهجمات كانت خاطئة 100 في المائة، ولكنه لا يعرف ما يكفي للاجابة على الأسئلة بالطريقة المناسبة.

وخلال شهر رمضان في نوفمبر 2002 وقع الحوا مع زعيم روحي محلي، هو الامام محمد ماجد من جمعية مسلمي من منطقة دولس، للذهاب الى مكة. كان يريد معرفة ما اذا كان قادرا على ان يعتنق الاسلام بصورة أشمل. وقد هز مشاعره ذلك النطاق الواسع للتجربة. فقد كان يسير في بحر من المؤمنين ويشعر انهم جزء من شيء اعظم منهم ومن بلدانهم. وقال «هناك ثلاثة ملايين شخص كلهم في المنطقة ذاتها يرتدون الزي ذاته. انه شيء يبعث على السلام، حيث يساعد الناس بعضهم بعضا. وكل شخص كان هناك للسبب ذاته».

وعاد متغيرا، وقال «لن اذهب ثانية الى ناد. ولن اذهب الى كازينو. ولن امس الكحول. ولن أتفق على موعد مع فتاة او أقربها».

وفي الشهر التالي وبينما كان يسير في مركز تايسونز كورنر التجاري عشية عيد الميلاد، اتجه راكضا الى تيفاني بالفي، التي كان يعرفها منذ أيام الدراسة كرياضية ترتدي التي شيرت والجينز. وقد جفل عندما رآها في السوق وقال «يا الهي انك ترتدين الحجاب»، فأجابت «أجل، لقد اصبحت مسلمة». وتزوجا بعد ثلاثة أشهر.

وفي العام الماضي وبعد أن وجه الصراف واصدقاؤه نداء الى المسلمين من اجل المشاركة، وعدت جماعات ومنظمات في 15 جامعة بالمساعدة على نشر افكار مبادرتهم التي حملت اسم «المشروع الأميركي الاسلامي».

وجاء في رسالة المشروع ان «الكثير من المسلمين الأميركيين الشباب، خصوصا اولئك الذين نشأوا وسط الجاليات الاسلامية المهاجرة يكافحون من اجل التكيف في اطار هوياتهم. وفي جوهر هذا الصراع يمكن السؤال: هل يمكن للمرء ان يكون مسلما واميركيا في الوقت ذاته؟ ان عزل انفسنا عبر البقاء داخل شبكات الأمان للجماعات المألوفة، أو السماح لأنفسنا بأن نصبح ضائعين في الحشود سيمنعنا من اقامة جالية مزدهرة في هذا البلد».

وقال الصراف انهم يواجهون الانتقاد في الناحيتين من جانب غير المسلمين ممن لا يثقون بهم ومن جانب المسلمين الذين يسألون: «ما الذي تفعلون؟ لماذا تساومون على دينكم وتتحدثون الى هؤلاء الناس في واشنطن؟».

وكان المسلمون قد تجنبوا خلال سنوات كثيرة القضايا السياسية. وقال الصراف انهم كانوا يوجهون أبناءهم لدراسة الهندسة والطب، مضيفا «انهم يقولون ان التوجه الى السياسة خطر، حيث انه يؤدي الى الفساد والى فقدان الدين».

وقال انه بينما تستمر الحرب في العراق وأفغانستان فان فكرة «نحن نقتل المسلمين» تثير مشاكل لدى الكثير من الطلاب.

وقال احمد يونس، مدير مجلس الشؤون العامة الاسلامي، وصديق الصراف، انه يجري جدال داخل الجاليات ايضا حول ما اذا كان دفع الضرائب أو الاقتراع يدعم نظاما «يضطهد المسلمين في الخارج».

ولكن يونس قال ان الصراف واصدقاءه يمثلون ارتقاء في ذلك الجدال، مشيرا الى ان «الحادي عشر من سبتمبر غير الحديث. فقد كان الناس في السابق يعتقدون ان بوسعهم اختيار العزلة السياسية. ولكن في اعقاب الحادي عشر من سبتمبر بات اندماجهم السياسي شرطا مسبقا لقدرتهم على احداث تغيير في السياسة الأميركية الداخلية والخارجية». وخلال عطلة الشتاء زار الصراف لندن وأذهله كيف ان الجيل الثاني من المسلمين يصورون انفسهم باعتبارهم مرتبطين ببلدانهم أو بلدان آبائهم الأصلية أكثر من ارتباطهم بانجلترا. وقال «لم اجد أن الاحساس بالهوية البريطانية يشكل أمرا هاما». وعادت العزلة في أوساط الجاليات الاسلامية في اوروبا الى السطح ثانية الشهر الماضي عندما القي القبض على مسلمين بريطانيين لاعدادهم خططا لتفجير رحلات جوية عبر الأطلسي. وقال بعض الخبراء ان العزلة زادت من احتمال انجذاب المسلمين الشباب الى مثل هذه الخطط.

ويحاول مركز آدامز وجمعية الطلاب المسلمين في جامعة جورج واشنطن مقاومة ذلك عبر اقامة فعاليات مع المنظمات اليهودية والمسيحية. فقد اقامت جمعية الطلاب المسلمين حفلات بمناسبة العيد مع منظمات يهودية ورعت حوارا بين الطلاب المسلمين واليهود. ووصف الصراف اللقاءات بانها «طريقة لأنسنة كل طرف للآخر».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»