الوجه الآخر لإيران: إعجاب بالثقافة والسينما الأميركية رغم قطع العلاقات مع واشنطن منذ 26 عاما

70 % من الإيرانيين ليس في ذاكرتهم شيء عن الشاه أو رهائن السفارة

TT

كصحافي قضيت وقتا طويلا خلال سنوات في أماكن حيث أميركا لا تتمتع دائما بشعبية. وفي الأيام القديمة السيئة كان ذلك يعني روسيا والصين وفيتنام. وفي الفترة الأخيرة كتبت تقارير من مناطق تنتهك فيها حقوق الانسان، مثل أوزبكستان وكوريا الشمالية، ثم كانت هناك أماكن فيها عناصر خطر: اسرائيل، جنوب الفلبين وآيرلندا الشمالية. وما من احد من هذه الأماكن منحني فرصة توقف.

ولكنني لن اكون صادقا ما لم أعترف بأنني شعرت بشيء من الضيق بشأن الذهاب الى ايران، عندما دعاني زميل من الأمم المتحدة الى الانضمام الى مجموعة من الصحافيين من دول مختلفة في رحلة في مايو (ايار) الماضي.

والعلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وجمهورية ايران الاسلامية مقطوعة منذ 26 عاما، عندما احتجز طلاب في طهران 66 رهينة أميركيين داخل سفارة الولايات المتحدة، وابقوا بعضا منهم لفترة 14 شهرا. ولا توجد سفارة لأي من البلدين في البلد الآخر. وتحذر وزارة الخارجية الأميركية رعاياها من السفر الى ايران. وفي غضون ذلك يمارس مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة ضغوطا على ايران لايقاف برنامجها في تخصيب اليورانيوم، وتتحدث ادارة بوش عن عقوبات.

قدمت طلبا للحصول على تأشيرة دخول في غرفة في الطابق الثاني من بناية في جورجتاون تحمل اسم «قسم المصالح الايرانية». وهذا القسم جزء من السفارة الباكستانية «التي ترعى الشؤون الايرانية في الولايات المتحدة»، ولكن السفارة الباكستانية تقع، في الواقع، على بعد ميلين من المبنى. وما رأيته هنا لم يهدئ روعي. فقد كان في الداخل 12 أميركيا ايرانيا ينتظرون تأشيرات دخولهم. وبينما كانوا ينتظرون كانوا يحدقون بأشرطة فيديو تعرض على شاشة تلفزيون كبيرة، يظهر فيها رجل دين ملتح محمر الوجه وهو يرفع اصبعه في ملعب يضم الشباب. ولم أعرف من أجل ماذا.

وبعد أربعة أيام تسلمت تأشيرة الدخول وكنت على متن طائرة للخطوط الجوية الفرنسية متوجهة من دالاس الى طهران. وهناك التقيت بزملائي القادمين من أماكن مختلفة. وكانوا من الألمان والبريطانيين والإسبان والروس والصينيين والكوريين. وكنت الأميركي الوحيد.

وما حدث خلال الأسبوعين التاليين أذهلني. ففي كل مكان ذهبت اليه، من شوارع طهران المليئة بالسيارات في الشمال، الى مدينة يزد الصحراوية في وسط ايران، حتى المراكز الثقافية الأنيقة في اصفهان وشيراز، كان يغمرني الدفء، بل وأتجرأ على القول ميل الناس الذين التقيتهم نحو أميركا.

تأملوا للحظة المفارقة في الجملة الأخيرة. فبينما تبدو بقية دول العالم متخذة موقفا سلبيا من الأميركيين، كان الناس في ايران يعبرون الشارع ليصافحوا يد أميركي ويرحبون به.

وفي البداية عندما سألني الايرانيون من أين أنا، كنت أرى انهم يخمنون. ولكن هذه اللعبة سرعان ما كشفت ان تخمينهم لم يكن صحيحا. وبدلا من ذلك كنت ببساطة أقول: أميركي. فتضيء، من ثم، وجوههم. وعلى اية حال فان الايرانيين معجبون بأميركا: الثقافة والسينما والطعام والموسيقى والمجتمع المنفتح.

وفي محل صغير في السوق باصفهان، على سبيل المثال، كنت انظر الى سجادة بينما كان التاجر الشاب ينظر الي بكسل، ولكن عندما اجبت على سؤاله حول هويتي، استعاد نشاطه مثل طفل يبلغ الثامنة من عمره ويقف عند سيارة تبيع الآيس كريم. وسرعان ما بدأ التعبير عن حبه الحقيقي لما تنتجه هوليوود.

وقال «هل تتفق معي في ان مارلون براندو هو أعظم ممثل في العالم؟».

أجبت، أجل انه لكذلك، وكنت أهم بالخروج من المحل، ولكنه أعادني وسحب من تحت منضدته كتابا عن سيرة حياة براندو بالفارسية، وكان يقلب الصفحات برفق، مشيرا الى صور معينة لرجل عظيم، ثم رفع يده في اشارة تدعوني الى عدم المغادرة، وبدأ يجسد جزءا من دور دون كورليون، الذي مثله براندو. كان التقليد سيئا لكنه كان يعبر عن مشاعر حارة.

وخلال زيارتي لم استطع التوقف في زاوية شارع أكثر من 30 ثانية من دون ان يتوجه الي احد ليسألني ما اذا كنت بحاجة الى مساعدة. وعندما كانوا يكتشفون ان هناك أميركيا وسطهم كانوا يصرون غالبا على مرافقتي في مسيري. وكان بعضهم يخبرني عن اصدقائهم وأقربائهم الذين يعيشون في الولايات المتحدة «من الصعب تحديد الأرقام الدقيقة ولكن منظمات المهاجرين الايرانيين تعتقد أن العدد يتراوح بين 1.5 مليون الى مليوني ايراني وأميركي ايراني يعيشون في الولايات المتحدة».

وحسب الإحصائيات الإيرانية الرسمية فإن أعمار 70% من سكان إيران البالغ عددهم 69 مليون نسمة أقل من الثلاثين. وليس في ذاكرتهم أي شيء عن الشاه محمد رضا بهلوي، آخر ملوك إيران؛ أو عن أخذ موظفي السفارة الأميركية رهائن؛ أو إطلاق النار غير المتعمد لطائرة ركاب إيرانية على يد سفينة حربية أميركية عام 1988. وبالنسبة لي، يبدو أن هناك عددا قليلا من الشبان الإيرانيين راضون على حكومتهم. ولو كانت هناك استطلاعات للرأي في إيران، فإنني أشك في أن تكون شعبية الرئيس محمود أحمدي نجادي أعلى من شعبية جورج بوش. وهذه مفارقة أخرى.

عبّر الكثير من الأشخاص الذين تحدثت معهم عن مخاوفهم مما قد يفعله الرئيس بوش لإيران. وبعضهم كان خائفا من هجوم الولايات المتحدة ضد بلده. لكن آخرين كانوا قلقين من تأثيرات أي عقوبات اقتصادية تفرضها الولايات المتحدة على الاقتصاد الإيراني الذي يدار بطريقة بائسة جدا بواسطة الملالي. مع ذلك فإنني لم أشعر بوجود أي كراهية شخصية لبوش.

ويبدو أن الإيرانيين قادرون الآن على التفريق في أذهانهم بين الشعب الأميركي وأميركا كأمة، وبين الحكومة الأميركية التي يعارضون بقوة سياساتها.

حينما قيل لبعض طلبة الثانوية إنني مراسل صحافي طلبوا مني أن أخبر الأميركيين: «رجاء اعرفوا هذا: نحن لسنا العراق. نحن لسنا اليمن. رجاءً أخبرهم أننا لسنا مثل هذه البلدان». والإسلام جاء متأخر إلى بلاد فارس. والإمبراطورية الفارسية كانت تفتخر بغنى حضارتها التي استمرت لعدة قرون قبل قدوم الغزاة العرب من الغرب. وخلال زيارتي تشكل لدي انطباع قوي حول حب الإيرانيين للإسلام، وهم يشعرون بالجميل للفن والعمارة التي هي من ضمن عطاياه. ما أدهشني أكثر من أي شيء آخر في إيران هو نساؤها. التقيت بعدد منهن في أجزاء مختلفة من البلد. وفي كل مكان كن رائعات.. مفعمات بالحيوية، جريئات، بارعات في التحدث بعدة لغات، ماكرات سياسيا ومنفتحات بشكل جريء على العالم الخارجي. وإذا كان بعض الرجال مترددين في التعبير عن أفكارهم فإن النساء لا يخفن من الإعلان عن آرائهن حول أي شيء تحت الشمس.

لكن من الناحية الاجتماعية فإن النساء ما زلن يعشن تحت الفتاوى الإسلامية: فعليهن أن يرتدين الحجاب حينما يتركن بيوتهن وهن لا يستطعن أن يكن مع أي رجل إلا إذا كان أخا أو ابا أو ابنا ولا يستطعن مصافحة أي رجل. وعلى الرغم من كل هذه القيود فإنهن تمكن من الحفاظ على انوثتهن بشكل كبير. وهن حريصات على وضع أحمر شفاه فاقع وأن يضعن الظلال حول أعينهن. ولديهن حب قوي لحقائب اليد المستوردة والأحذية.

*خدمة «واشنطن بوست» - خاص بـ «الشرق الأوسط»