شيراك: أزمات الشرق الأوسط تستصرخ الضمير العالمي والقوة لا تجدي

أطلق ثلاث مبادرات لتحاشي «طلاق الثقافات»

TT

اعتبر الرئيس الفرنسي جاك شيراك أن نزاعات الشرق الأوسط التي «تشتد وتتداخل أصبحت السبب لانعدام الاستقرار في العالم وهي تبث في الكون أجمع نتائجها التي تهدد الاستقرار كما تظهر من خلال الإرهاب». ودعا الى العمل معا على جبهة السياسة والدبلوماسية لتحقيق السلام من جهة وعلى جبهة حوار المجتمعات والثقافات لتغليب التفاهم بين الحضارات والأديان من جهة ثانية وكل ذلك لتحاشي «صراع الجهل».

وكان الرئيس الفرنسي يتحدث أمس في قصر الإليزيه لدى افتتاح المنتدى الأوروبي ـ المتوسطي ـ الخليجي الذي بدأ أعماله في العاصمة الفرنسية تحت عنوان «حوار الشعوب والثقافات» والذي تشارك فيه 250 شخصية من 30 بلدا متوسطيا وعربيا. وتحدثت في افتتاح المؤتمر السيدة سوزان مبارك، عقيلة الرئيس المصري، وعبدالله غول وزير خارجية تركيا، والأمير مولاي الرشيد، شقيق العاهل المغربي، والأمير غازي بن الحسين وأندريا ريكادري من مؤسسة سان أوجيديو الإيطالية لحوار الأديان. وفكرة المنتدى في الأساس فرنسية وأطلقها الرئيس شيراك خلال قمة برشلونة الأوروبية ـ المتوسطية في شهر نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي. وتتحمل الحكومة الفرنسية أعباء المؤتمر المالية، غير أن تنفيذ المنتدى يتم بالمساهمة والمشاركة مع تركيا واسبانيا وبدعم من مصر ومن مؤسسة آنا ليند الأوروبية ـ المتوسطية لحوار الثقافات ومن مكتبة الإسكندرية. ومن المقرر ان يعقد المنتدى القادم في مدينة إشبيلية الإسبانية في شهر فبراير(شباط) من العام القادم فيما يعقد المنتدى الثالث في مدينة الإسكندرية في شهر يونيو (حزيران) من العام نفسه. وفي كلمته أمس، حذر الرئيس الفرنسي من أن المتوسط أصبح «النقطة المركزية لإنعدام التفاهم بين الشعوب» في إشارة الى النزاعات التي تسوده كما حذر من «الطلاق» الحاصل بين الثقافات وبين الغرب والإسلام وبين الدين والعلمانية والشمال والجنوب داعيا الى تحويل المتوسط الى مكان للتلاقي والتضامن بدلا أن يكون فضاء للتقاتل ورفض الآخر. ودعا شيراك الى تبديد الأفكار المسبقة التي يحتضنها كل طرف عن الطرف الآخر والى التخلي عن الخوف من الآخر من أجل بناء مستقبل مشترك، غير أن الرئيس الفرنسي لم يغرق في العموميات إذ أنه ربط الدعوة الى الحوار والتفاهم بين الشعوب بحل المسائل الإقليمية العالقة في المنطقة عن طريق العمل السياسي والدبلوماسي، إذ أن هذه الأزمات «تستصرخ الضمير العالمي» ولأنه «لا يمكن حلها أحاديا أو عن طريق القوة». وقال شيراك: «وحده الحل السياسي الذي يجمع كل الأطراف وبدعم من المجموعة الدولية يمكن أن يوفر الحل الدائم». وأشار الرئيس الفرنسي الى النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي والى العراق ولبنان على اعتبار أنها «مصدر للشعور بالحرمان العميق الذي يضرب العالمين العربي والإسلامي». وشدد الرئيس الفرنسي على أهمية احترام الآخر والتعددية الثقافية والتنوع، إذ «لا يحتكر أي شعب القيم العالمية». وإذ شدد على نشر قيم الديمقراطية وثقافة احترام حقوق الإنسان، إلا أنه اعتبر أن المجتمعات «لا تسير كلها بالسرعة نفسها لكن كلا منها يتبع نسقه الخاص»، وحذر من التدخل في شؤون المجتمعات الأخرى لأن التدخل «يهز، وإعطاء التعليمات من الخارج يضعف هذه المجتمعات ولا يخدم القضايا التي تدافع عنها».

وأطلق الرئيس الفرنسي ثلاث مبادرات «لتحاشي طلاق الثقافات» هي: برنامج جامعي متوسطي طموح سماه «أيرسموس متوسطي» لتبادل الطلاب الجامعيين على غرار ما هو قائم حاليا بين البلدان الأوروبية وإقامة تعاون في ميدان إصلاح القوانين وأخيرا التوصل الى ميثاق لحوار الحضارات يحدد أسس التعايش معا في زمن العولمة. وحدد شيراك الهدف من المنتدى بالتوصل الى بلورة مشاريع يمكن تحقيقها سواء على صعيد الدول أو المنظمات الإقليمية والدولية وتهم الأطراف الفاعلة في الحقل الإعلامي المسموع والمرئي والعاملين في الحقول الاجتماعية. ومن المشاريع المحسوسة التي أشار اليها شيراك تجديد تعليم التاريخ والمناهج والكتب الدراسية وإنتاج أفلام وثائقية ومتنوعة تبثها التلفزيونات الكبرى في بلدان الشمال والجنوب.

وكان الرئيس الفرنسي قد كلف السفير الفرنسي السابق في إسرائيل جاك هاتزينغر قبل عام مهمة التحضير للمنتدى، وقال هذا الأخير إن المهم هو «بلورة مشاريع ملموسة ويمكن تطبيقها ومتابعتها». وأظهرت الجلسة الافتتاحية في القصر الرئاسي توافقا بين مختلف المتدخلين حول أهمية الحوار بين الثقافات الذي هو، كما قالت السيدة سوزان مبارك، «فرصة تاريخية ومشروع إنساني». وقالت مبارك: «إن الحضارة العربية مستمرة في المساهمة النشطة في الحضارة الغربية عن طريق آلاف العلميين والباحثين والأكاديميين الذين يعملون في أوروبا والولايات المتحدة» ما يعكس «التداخل بين الحضارات ويؤكد ان حوار الحضارات ليس تعبيرا عن موقف بل هو حقيقة تاريخية وواقع قائم ومشروع للمستقبل». وأشار أندريا ريكاردو إلى أن «النقص في معرفة الآخر في عصر العولمة» المتميز بتناقض رئيسي هو «تجاهل الآخر» وانتشار «ثقافة التنازع» والإنطواء على الهوية الخاصة. كما أشار الى أن النزاعات التي تقوم «تعكس خيارات سياسية وليس قدرا محتوما»، وفي رأيه أن حوض المتوسط هو «أكبر مختبر لمستقبل العالم لمعرفة ما إذا كان ممكنا العيش معا من غير هيمنة ثقافة على أخرى وإيجاد تخالط وابتداع فن الحوار».

وعقب الافتتاح بدأت فعاليات ورش العمل الست التي تركز كل منها على موضوع محدد، وهذه المواضيع هي: الانقسامات الثقافية وعمل الذاكرة والحفاظ على التراث والأديان والمجتمعات والتحديث الاجتماعي والتربية والقيم المشتركة، غير ان الموضوع الخلافي الأكبر الذي قد يثار يتناول تفحص المراحل التاريخية.

جدير بالذكر أن أزمة تقوم بين فرنسا والجزائر حول المرحلة الاستعمارية الفرنسية لهذا البلد وهي التي حالت حتى الآن دون التوصل الى توقيع اتفاقية صداقة بين البلدين. وتتناول إحدى الورش موضوع الأديان والمجتمعات والعلاقات القائمة بينها لدى الأديان الثلاثة المسيحية واليهودية والإسلام.