محاكمة صدام: الادعاء يتهم القاضي بـ«التهاون» مع المتهمين ويطالبه بالتنحي

رئيس هيئة الادعاء لـ«الشرق الأوسط»: الرئيس المخلوع هددني من داخل قفص الاتهام ورئيس المحكمة لم يتخذ أي إجراء

TT

اتهم رئيس هيئة الادعاء في محاكمة صدام حسين، أمس، رئيس المحكمة القاضي عبد الله العامري بـ«التهاون الشديد» مع الرئيس العراقي المخلوع ومساعديه الستة المتهمين معه في اطار قضية «حملة الأنفال» ضد الاكراد، وطالبه بالتنحي.

وقال منقذ الفرعون للمحكمة «اصبح المشتكي متهما أمامهم (المتهمين) بالخيانة والعمالة، وقد تجاوز المتهمون على المحكمة اكثر من مرة بألفاظ نابية وكذلك على وكلاء المدعين بالحق الشخصي، وكذلك صدر من احد المتهمين تهديد صريح مرة للمحكمة ومرة أخرى للادعاء العام... لهذه الاسباب فان الادعاء العام يطلب من المحكمة الموقرة التنحي عن النظر في القضية المنظورة امام المحكمة»، حسبما افادت وكالة رويترز.

ورفض العامري على الفور طلب الادعاء ودافع عن أسلوبه، مستشهدا بخبرته التي تبلغ مدتها 25 عاما. ورد القاضي قبل أن يستدعي أول المدعين الذين من المنتظر أن يدلوا بشهاداتهم في الجلسة الثالثة لنظر القضية هذا الاسبوع «من ضمن شروط تولى القضاء يجب على القاضي ان يؤاسي بين الناس في مجلسه وعدله، لكي لا يطمع شريف في حيفه ولا ييأس ضعيف من عدله».

وكان الفرعون قد هدد بالانسحاب من جلسة أول من امس بعد أن رفض القاضي اكثر من مرة منحه الاذن بالحديث. وفي تلك الجلسة توعد صدام المحامين المدنيين الذين وصفوا دولته بأنها كانت دولة «دكتاتورية وطغيان» قائلا «سنسحق رؤوسكم». وتجنب العامري الحريص على أن تمضي المحاكمة قدما، المواجهات مع المتهمين ومحاميهم في محاولة لتجنب التأجيلات التي شهدتها محاكمة صدام الاولى. ونسبت اليه وكالة الصحافة الفرنسية، قوله ان «المتهم صدام كان يغتبط عندما كان محامي الدفاع يناديه بالسيد الرئيس. لقد وجهت تنبيها الى المحامي مرتين او اكثر، وشخصيا لا قضية لي مع المتهم». ووجه انتقادات لاذعة الى «الفضائيات، حيث يتكلم كل واحد كما يشاء ويتصور نفسه وكأنه هو الذي وضع القانون او كأنه (عبد الرزاق) السنهوري» أحد أبرز المشرعين العرب «او يتخيل كأنه رؤوف عبيد». وتساءل «لماذا لما اقول لهذا الطرف اخي لا يعترض احد ولما اقولها لطرف آخر يتم الاعتراض؟ نحن كلنا اخوة أمام القانون والله».

وفي اتصال هاتفي لـ «الشرق الأوسط» معه أمس قال الفرعون إن من حقه المطالبة بتنحي القاضي، العامري، بسبب ان «هناك احساس رأي بميله الى جانب المتهمين ووكلائهم وانه، القاضي، لا يعطي المجال للمشتكين بالحق الشخصي ووكلائهم والادعاء العام الوقت الكافي بالحديث، بينما يسمح للمتهمين بإلقاء خطب سياسية بعيدة عن صلب الموضوع»، مشيرا الى انه لا يمانع لو تحدث المتهم عدة ساعات «شرط ان يكون في صلب الموضوع».

وأكد الفرعون أنه لا يطعن بأهلية القاضي او يشكك بكفاءته، بل لأن هناك «ربما اجتهادا من القاضي بأن يميل الى جانب المتهمين، وهذا احساس رأي»، مشيرا الى ان «من حق أي طرف في المحكمة المطالبة بتنحي القاضي، اذا رأينا ان هناك أسبابا تؤثر على سير الدعوة».

وأوضح المدعي العام أنه لم يقرر حتى الآن تمييز طلبه بتنحية القاضي وقال «لي مراجع يجب ان أعود اليها قبل اتخاذ أي قرار»، منوها بأنه «ليس من حق القاضي إخراجي من المحكمة، حيث لا تستمر المحكمة من دون الادعاء العام كونه «الادعاء العام» مراقب شرعي على المحكمة». مؤكدا شرعية المحكمة «بالرغم من وجود أخطاء من القاضي الذي يدير الجلسة وليس كل هيئة المحكمة التي تتكون من خمسة قضاة بضمنهم الرئيس».

وقال الفرعون الذي كان يعمل محاميا في محاكم الجنايات منذ عام 1979، إن «صدام حسين اعتدى على المشتكين وشتمهم، كما هددني بقوله: سأطاردك من داخل المحكمة ومن خارجها، ورغم ذلك لم يتخذ القاضي رئيس المحكمة أي اجراءات ضده، والإجراء المناسب كان يجب ان يتخذه هو اخراجه «صدام» من صالة المحكمة او تنبيهه، لكن أي شيء من هذا لم يحدث».

واعتبر المدعي العام الفرعون انه «من المبكر الحديث حاليا عن مصير المتهمين، فهناك مشوار طويل من الاستماع للشهادات والتأكد من الأدلة حتى نتوصل الى القرار العادل، والمتهم بريء حتى تثبت إدانته»، مشيرا الى ان «صدام حسين ومعاونيه في قضية الانفال محالون وفق المواد 11، تهمة الإبادة الجماعية، و12، جرائم ضد الانسانية، والمادة 13 اقتراف جرائم حرب».

الى ذلك أكد القاضي رائد جوحي رئيس الهيئة التحقيقية لمحكمة الجنايات العليا الخاصة, عدم أحقية الادعاء العام بمطالبة رئيس محكمة الجنايات الثانية التي تنظر في قضية الأنفال بالتنحي.

وقال القاضي جوحي إن «القانون العراقي يجيز حالتين في تنحي القاضي، الأولى وحسب قانون المرافعات، المادة 83 لسنة 1969، فهناك تنحي وجوبي وآخر جائزي، والقاعدة 7 من قانون المرافعات فان التنحي من مهام القاضي فقط واختصاصاته، أي ان من حقه ان يطلب التنحي إذا وجد أي سبب من الأسباب التي تعيق اتخاذه للقرار العادل، فيما من حق الخصوم طلب تنحي القاضي اذا طعن في أهليته وشكك في استقلاليته وحياده، وعلى الخصوم تقديم طلب خلال 3 ايام والنظر بها من قبل الهيئة التمييزية، وهي الوحيدة التي من حقها ان تنظر في مثل هذه القضايا، كما ان من حق القاضي وحده أن يطلب التنحي»، مشيرا الى انها «المرة الأولى نجد فيها مدعيا عام يطالب فيها بتنحية القاضي».

وبين القاضي جوحي أنه «ليس من حق القاضي كذلك أن يطلب تنحية المدعي العام، فالقاضي والادعاء العام «القضاء الجالس» لكل منهما واجباته داخل المحكمة، ولكن لا سلطان ولا رقابة على قرارات القاضي إلا محكمة التمييز، وليس للادعاء العام إلا الطعن في قرارات القاضي أمام محكمة التمييز، كما لا يجوز للقاضي ان يتدخل في عمل الادعاء العام».

وأوضح رئيس الهيئة التحقيقية لمحكمة الجنايات العليا، ان «هناك حالات نادرة ومحدودة، ولا يجوز التوسع بها، هي التي يتنحى بها القاضي بإرادته، وهذه الحالات حصرا هي انه لا يجوز للقاضي النظر بقضية فيها الزوج او الصهر او الابناء او الاقرباء من الدرجة الرابعة او هو شخصيا طرف بها، وكذلك لا يجوز له ان ينظر بقضية طرفها خصوم لعائلته او سبق له وان كان وصيا فيها او كانت له مصلحة في القضية، هذه حالات التنحي الوجوبي، حسب المادة 91 من قانون المرافعات، أما المادة 93 من نفس القانون، التنحي الجوازي، فللقاضي ان يتنحى اذا تبين ان احد أطراف القضية صديق له او مستخدم عنده، وإذا شعر القاضي بالحرج وانه لا يستطيع ان يحقق العدالة في القضية فله ان يطلب التنحي».

وأشاد القاضي جوحي بسير إجراءات المحكمة ووصفها بالعادلة والقانونية، وانها تسير وفق «تسلسل زمني يتعلق في ما قبل الأنفال وخلالها وما بعدها، وان إجراءات الاستماع للمشتكين والشهود والمتهمين والادعاء العام والمحامين تسير بشكل جيد جدا».

وكشف القاضي جوحي أن الأوراق التحقيقية أوشكت على الانتهاء في إحالة صدام حسين الى المحكمة بقضيتين هما قمعه لأحداث 1991، انتفاضة مارس (آذار)، والقضية الاخرى اعدام 44 تاجرا وقطع ايادي 11 من الآخرين، وقال ان صدام حسين موقوف بذمة عدة قضايا سيحاكم فيها».

ويواجه صدام، 69 عاما، وابن عمه علي حسن المجيد المعروف بعلي (كيمياوي) وخمسة من القيادات السابقة أيضا، تهم ارتكاب جرائم ضد الانسانية بسبب دورهم في حملة الانفال عام 1988 التي قال الادعاء انها تسببت في مقتل وفقدان 182 ألف كردي. ورفع رئيس المحكمة الجلسة بعد ان استمعت الى اربعة من شهود الاثبات.