الفاتيكان يحاول احتواء الجدل بشأن تصريحات البابا عن العنف والإسلام

زعماء جاليات إسلامية ينتقدون التصريحات وخبراء يعتبرونها محاولة لفرض شروط قبل زيارة تركيا

TT

سعى الفاتيكان أمس الى احتواء الجدل الذي أثاره حديث لبابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر، خلال زيارته الى المانيا حول التطرف والاسلام. وناشد مدير الإعلام في الفاتيكان فديركو لومباردي الصحافيين أن يلاحظوا أن المحاضرة التي ألقاها البابا يوم الثلاثاء الماضي، في جامعة رجنسبرغ في المانيا، لم تكن هجوما على الإسلام.

وقال لومباردي، إن هناك مواقف كثيرة في العالم الاسلامي، بما في ذلك معارضة العنف، وأوضح انه عندما تحدث الباب عن أن العنف يتناقض مع الدين، فلم يكن ينتقد الاسلام، والرسالة المهمة التي اراد البابا توجيهها، هي الربط بين الدين والعقل. وتابع المتحدث قائلا إن البابا لم يكن يريد ان يفسر الاسلام بشكل يربطه بالعنف، ولكن التأكيد على أنه عندما يكون هناك تفسير يتضمن عنفا للدين، فإن ذلك يتناقض مع ارادة الله، وعندما تحدث عن الجهاد، فكان يريد استخدام تحليل منطقي لانتقاد استغلال الدين في التحريض على العنف.

وكانت تصريحات البابا، أثارت ردود فعل في دول اسلامية وبين قادة جاليات اسلامية، ففي باريس طالب دليل أبو بكر رئيس مسجد باريس، البابا بنديكت السادس عشر بتوضيح تصريحاته بشأن الإسلام، التي أدلى بها خلال زيارته لألمانيا.

وقال أبو بكر في اتصال اجرته معه وكالة الصحافة الفرنسية في المانيا، حيث كان يشارك في منتدى «نرغب ان تعطينا الكنيسة سريعا جدا، رأيها وأن توضح موقفها حتى لا تخلط بين الاسلام وهو دين منزل، والتيار الإسلامي، الذي هو ليس ديانة بل أيديولوجية سياسية».

وتابع يقول «نؤمن بالله نفسه رب السلام والمحبة والرحمة. فالاسلام اولا هو دين التسامح والاخوة». واكد «نريد علاقات صداقة مع المسيحية اكبر ديانة في اوروبا».

وتابع يقول «حبرية بنديكت السادس عشر، يجب ان تؤتي ثمار جهود يوحنا بولس الثاني في الحوار بين الديانات، والصداقة في وجه كل المخاطر المشتركة، التي تهدد المؤمنين ولا سيما التطرف والراديكالية والتعصب والعنف». وانتقد اعجاز أحمد عميد الجالية الباكستانية في ايطاليا، التصريحات قائلا انه يأمل الا يستغل المتطرفون هذه التصريحات، داعيا البابا الى سحب كلامه.

وفي الكويت حث الأمين العام لحزب الأمة الكويتي حاكم المطيري، البابا على تقديم «اعتذار فوري صريح للعالم الإسلامي». وحذر المطيري من «خطورة مثل هذا الخطاب البابوي غير المعهود وغير المسبوق»، وربط بينه وبين ما سماه «الحروب الغربية الجديدة على العالم الإسلامي، كما في العراق وافغانستان ولبنان»، معتبرا انها «حروب صليبية تغذيها أحقاد تاريخية ودينية».

من جهته، رفض وكيل المراجع الشيعية في الكويت السيد محمد باقر الموسوي المهري كلام البابا، معتبرا انه «مخالف للحقيقة والواقع»، داعيا بنديكت السادس عشر الى الاعتذار.

وقال متحدثا لوكالة الصحافة الفرنسية ان «هجوم (البابا) غير المبرر على الاسلام وعلى النبي محمد تناقض واضح وصريح مع الدعوة لحوار الحضارات، بل تصريح يفتح باب العداء بين اصحاب الديانات السماوية». واضاف «نطلب من البابا الاعتذار رسميا امام العالم، حتى نستطيع ان نغلق باب العداء ويسود الأمن والأمان والمحبة في جميع ارجاء العالم».

وفي محاضرته اعتبر البابا ان المنطق يجب ان يكون القاعدة المشتركة لحوار صريح بين الحضارات والاديان.

وكان السبب الأكبر في اثارة الجدل والانتقادات، أن البابا ذكر في محاضرته مقطعا من حوار دار في القرن الرابع عشر، بين امبراطور بيزنطي و«مثقف فارسي»، وقال فيه الامبراطور للمثقف «أرني ما الجديد الذي جاء به محمد. لن تجد إلا أشياء شريرة وغير إنسانية، مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف». ونقل البابا عن أكاديمي يدعى تيودور، كان قد تولى كتابة الحوار بين الامبراطور البيزنطي والمثقف الفارسي قوله «إن الله في الاسلام ليس كمثله شيء. ومشيئته ليست مرتبطة بأي من مقولاتنا، ولا حتى بالعقل». ثم انتقل بنديكت بعد ذلك للحديث عن عقيدته المسيحية التي تقرر أن «العمل بما لا ينسجم مع العقل، يشكل أمرا مخالفا للطبيعة الالهية».

وأشار بنديكت الذي سيزور تركيا في غضون شهور قلائل إلى آية «لا إكراه في الدين»، معلنا اتفاقه معها، لكنه قال إنها تتناقض مع آية أخرى تحض على الجهاد.

ورغم أن حديثه عن الإسلام هو الذي اثار الجدل، الا انه لم يكن سوى 3 فقرات من محاضرته أمام 1500 من الدراسين والتي خصصها لشرح كيف انفصلت العلوم والفلسفة الغربية عن الدين، بما أدى الى مجتمعات علمانية، وهو ما بدا انه سبب القلق الاكبر عند البابا.

وقال منتقدا العلمانية، انها أدت الى اغلاق الغرب امام فهم كامل للحقيقة، وبما جعل الحوار مع الحضارات الأخرى التي يكون فيها الدين اساسيا مستحيلا.

وقال خبراء في الكنيسة الكاثوليكية والاسلام، إن المحاضرة التي قال فيها البابا انه ينقل حديث مصادر أخرى عن الاسلام، لا تعتبر هجوما على الاسلام، لكنهم ابدوا قلقهم من ان الكلمات التي استخدمت، حتى لو كانت من القرن الـ14 تحمل معها خطر أن تؤخذ على انها هجوم.

ونقلت «نيويورك تايمز» عن رنزو غولو بروفيسور الأديان في جامعة بادوا، ويكتب عن الكنيسة والاسلام، قوله انه فوجئ بحديث البابا عن العقل والاسلام، مشيرا الى انه لم يتحدث عن التطرف في الاسلام، ولكن عن الاسلام عامة، في حين انه ليس كل المسلمين متطرفين.

من جانبه قال ماركو بوليتو الخبير في شؤون الفاتيكان لصحيفة لاريبوبليكا الايطالية، ان حديث البابا يعني اغلاق الباب أمام فكرة كانت عزيزة على سلفه البابا يوحنا بولس ان المسلمين والمسيحيين واليهود لديهم رب مشترك يصلون له.

وقالت الصحيفة الايطالية، ان هذه التصريحات ستؤدي على الارجح إلى إغضاب العالم الاسلامي.

ورأى بعض خبراء الفاتيكان، ان البابا اراد على ما يبدو وضع شروط للحوار مع المسلمين قبل زيارته المقبلة الى تركيا في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وكان الكاردينال لاسابق يوزف راتسينغر عارض انضمامها الى الاتحاد الاوروبي.