الملك محمد السادس يعين الشرقي اضريس مديرا عاما للأمن

بعد إعفاء الجنرال لعنيكري

TT

عين العاهل المغربي الملك محمد السادس مديرا عاما جديدا للأمن الوطني، هو الشرقي اضريس، والي العيون، كبرى محافظات الصحراء المغربية، وذلك خلفا للجنرال حميدو لعنيكري الذي عين مفتشا عاما للقوات المساعدة «قوات شبه عسكرية تابعة لوزارة الداخلية».

واضريس هو ثالث مدير عام للأمن الوطني في عهد الملك محمد السادس، وسبق له ان عمل الى جانب فؤاد عالي الهمة، الوزير المنتدب في الداخلية، وياسين المنصوري، ايام كان واليا للشؤون الداخلية في الوزارة ذاتها، قبل ان يعين على رأس مكتب الدراسات والمستندات المعروف اختصارا باسم «دجيد» (مخابرات عسكرية)، ويحظى بثقتهما. ويأتي تعيين اضريس ايضا لترسيخ الطابع المدني لمناصب المسؤولية على راس الأجهزة الامنية.

ومدير الامن الوطني الجديد من مواليد عام 1955 في قرية بني عمير القريبة من بلدة الفقيه بن صالح في محافظة بني ملال (جنوب شرقي الدار البيضاء) ودرس سنة واحدة في كلية الحقوق في تونس قبل ان يلتحق بكلية الحقوق بالرباط حيث حصل على اجازة في العلوم السياسية، ليلتحق عام 1977 بوزارة الداخلية كمجند في اطار الخدمة المدنية، قبل ان يعين متصرفا مساعدا عام 1979.

وفي اول يناير (كانون الثاني) 1988 عين في منصب قائد (حاكم) ملحق بالادارة المركزية بوزارة الداخلية ليرقى في اول مارس (اذار) 1995 الى منصب كاتب عام محافظة (وكيل محافظة) ملحق بالادارة المركزية. وفي 27 سبتمبر (ايلول) 1998 عين عاملا «محافظا» على اقليم الحوز، ثم محافظا مديرا للشؤون العامة بوزارة الداخلية في ديسمبر (كانون الاول) 1999، ثم محافظا مديرا للولاة في 25 يوليو (تموز) 2003، فواليا بالنيابة لتطوان في 29 ابريل (نيسان) 2005.

وعين اضريس واليا للعيون في فترة حرجة، ويقال انه عرف كيف يتعامل بحكمة مع القضايا الحساسة هناك، كما انه كان من اكثر الولاة اتصالا مع الصحافة ويتحدث معها بجرأة وبدون لغة خشب.

ويقول مقربون من اضريس ان مساره المهني في وزارة الداخلية اتسم بمعرفة دقيقة للملفات وحسن تدبيرها، اضافة الى حرصه على العمل في الظل بعيدا عن اي ضوضاء اعلامي، كما انه يهوى القراءة، وهو متزوج واب لثلاثة ابناء. وينتمي اضريس الى اسرة مغربية متواضعة معروفة بالعصامية، اذ له اخ مهاجر في ايطاليا، واخ اخر يعمل صحافيا في مراكش، وشقيقان اخران يعملان في سلك وزارة الداخلية. وبإبعاد الجنرال لعنيكري عن ادارة الامن تنتهي مرحلة من حكم الملك محمد السادس وتبدأ اخرى، تستقر المعادلة الامنية فيها على الثلاثي المتكون من فؤاد عالي الهمة، الوزير المنتدب في الداخلية، ومحمد ياسين المنصوري، مدير مكتب الدراسات والمستندات، والجنرال حسني بن سليمان، قائد الدرك الملكي.

لم يكن الجنرال لعنيكري الطامح الى تجميع الاجهزة الامنية المغربية، ووضعها في سلة واحدة، وهو الذي سبق له ان عمل في «الدرك» و«دجيد»، ان يؤول به الامر الى الاشراف على القوات المساعدة.

ويذكر انه حينما عين الملك محمد السادس، بعد اشهر قليلة من توليه مقاليد الحكم صيف 1999، لعنيكري، مديرا عاما للادارة العامة لمراقبة التراب (مخابرات مدنية)، كان اختياره مؤشرا على نهاية عهد وزير الداخلية القوي الاسبق، ادريس البصري، ووقتذاك قيل ان البصري فقد عيونه واذانه، وان وقت الرحيل حان. انذاك، بدأ نجم الجنرال يسطع في سماء العهد الجديد، ولم تكن تفجيرات الدار البيضاء في 16 مايو (ايار) 2003 قادرة على ان تزحزحه من موقعه قيد انملة، على اعتبار ان الجهاز الذي يشرف عليه يتحمل مسؤولية التقصير في استباق ما حدث في الدار البيضاء من تفجيرات دامية، والحؤول دون وقوعها، اذ سرعان ما تمت ترقيته وعين على رأس الادارة العامة للأمن الوطني، وخلفه في موقعه المخابراتي، احمد الحراري، احد المقربين اليه، ومسؤول الجهاز ذاته في الدار البيضاء حين وقوع التفجيرات فيها. وبدا صعود الجنرال وقتذاك صاروخيا، واصبح مخاطب جهاز المخابرات المركزية الاميركية «سي اي ايه»، ورئيسه السابق جورج تنيت، بخصوص قضايا الارهاب. وعقب تفجيرات الدار البيضاء، وبينما كان يتباحث مع تنيت في واشنطن، شوهد الجنرال احمد حرشي، المدير السابق لـ«دجيد»، قبل اشهر من اعفائه، يتجول مع صديق له بعد ظهر يوم قائظ في شارع محمد الخامس في الرباط، وكان ذلك مؤشرا على ان لعنيكري لبس جلباب «دجيد»، واصبح قاب قوسين او ادنى من ان يصير المتحكم في هذا الجهاز. وبالفعل استطاع لعنيكري ان يزيح الجنرال حرشي، بيد انه بقي امامه جنرال اخر من طينة فريدة، هو حسني بن سليمان، قائد الدرك الملكي.

كان الصراع بين الرجلين جليا في بعض وسائل الاعلام التي بلغ بها الامر حد إعلان وفاة الجنرال بن سليمان الذي كان يعالج انذاك في فرنسا من آلام في الظهر والركبتين، وهو ما اعتبره المراقبون بانه يدخل في خانة «تفكير الاماني» كما يقول الانجليز. بيد ان الرياح جرت بما لا تشتهيه سفن الجنرال لعنيكري، اذ جاءته الضربة الاولى بإبعاد رجله في جهاز «ديستي» احمد الحراري، وتعيين اخر غير محسوب عليه هو عبد اللطيف حموشي، وقبلها عين العاهل المغربي لاول مرة مدنيا، هو محمد ياسين المنصوري، على رأس جهاز «دجيد»، وبذلك بدأت احلام الجنرال تتبخر، وفي يوليو (تموز) الماضي تلقى ضربة اخرى تمثلت في اعفاء رجل ثقته، عبد الجليل عبدون، من مديرية الاستعلامات العامة في الادارة العامة للامن الوطني. لكن الضربة القاضية جاءت من تاجر المخدرات محمد الخراز الذي كشف خلال التحقيق معه عن تواطؤ مجموعة من المسؤولين الامنيين مع شبكات الاتجار في المخدرات.