الاقتصاديون متخوفون من أن تكرس السجالات السياسية «مرحلة رمادية» تطيل عودة الحياة للبنان

النمو صفر .. والخسائر تجاوزت 10 مليارات دولار

TT

تصاعدت موجة القلق في الاوساط الاقتصادية والمالية اللبنانية جراء تصاعد التشنجات السياسية وارتفاع حدة الخطابات والاتهامات المتبادلة التي طاولت الحكومة ورئيسها فؤاد السنيورة مباشرة والمطالبة بتأليف حكومة جديدة.

وحذر خبراء واقتصاديون من تراجع فرص استعادة النهوض الاقتصادي بعد الخسائر الهائلة الناجمة عن العدوان الاسرائيلي المدمر على مدى 33 يوما، وفقدان كامل مقومات النمو الاقتصادي لهذا العام، فيما ترزح المالية العامة للدولة تحت مديونية تتجاوز 40 مليار دولار وتقترب سريعا من معادلة 200 في المائة من الناتج المحلي.

ويؤكد الخبراء ان الحاجات الاغاثية والاعمارية الملحة تطغى حاليا على برامج العمل. وتتطلع الحكومة لجذب المزيد من المساعدات وبرامج التمويل من مؤسسات ودول خارجية في ضوء اجماع تقارير احصائية متعددة المصادر على ضرورة ضخ ما لا يقل عن 3 مليارات دولار لتغطية تكلفة الاضرار التي لحقت بالمساكن والجسور والطرق الرئيسية ومحطات الكهرباء وسوى ذلك من ضرورات استعادة الحياة الطبيعية للسكان، فيما تصل تقديرات الخسائر الحقيقية للاقتصاد الى 10 مليارات دولار، موزعة بن اضرار مباشرة وتعطيل اعمال ومداخيل وارباح فائتة يتركز الجزء الاكبر منها في القطاع السياحي.

ويجمع الاقتصاديون على «اهمية اعادة بناء الثقة الداخلية والخارجية كمفتاح اساسي لاعادة الاعمار وتأمين وسائل نهوض الاقتصاد. وهذا يستلزم حملة وطنية شاملة تستقطب جهود جميع الاطراف وامكاناتهم، وتحييد الخلافات السابقة او المستجدة حتى اشعار آخر يكون في حينه الاقتصاد الوطني قادراً على تحمل صدمات جديدة».

ويتخوف الاقتصاديون من تكريس مرحلة رمادية تفصل بين انتهاء الحرب واستعادة الهدوء والحياة الطبيعية، وخصوصاً ان السجالات السياسية المتصاعدة تنذر بامتداد هذه المرحلة لفترة اطول. وهذا لا يصب في مسار الجهود المستمرة لاجتذاب المزيد من الدعم العربي والدولي لمصلحة الاعمار والتأسيس لاستعادة النمو الاقتصادي.

والى جانب الخسائر الفادحة، تظهر الاحصاءات المنجزة الاولى لشهر يوليو (تموز) مدى الانعكاسات الكارثية التي لحقت بالاقتصاد الوطني في 19 يوماً من اصل 33 من العدوان الاسرائيلي. ومنها التراجع الحاد في ميزان المدفوعات بما قيمته 1200 مليون دولار والذي كاد ان يستهلك كامل الفائض المحقق منذ بداية العام لولا البادرة السعودية التي ضخت 1500 مليون دولار (مساعدة اعمارية ووديعة لدى البنك المركزي) وتاليتها الكويتية بمبلغ 800 مليون دولار.

كما تراجعت المؤشرات المصرفية الاساسية بعد خروج نحو 4 في المائة من كتلة الودائع البالغة 60.6 مليار دولار في نهاية النصف الاول من السنة الحالية، ما ادى الى خفض مواز في اجمالي الموجودات من 75 الى نحو 73 مليار دولار. وهذا ما بدد تطلعات القطاع المصرفي الى تحقيق نمو مرتفع هذه السنة يزيد متوسطه على 13 في المائة واضطره الى خفض اهدافه لحفظ ايجابية النمو والسعي لاستعادة الاموال الخارجة.

ولم تفلح اسواق المال، حتى الساعة في استعادة حيويتها على رغم التصحيح الجزئي في اسعار الاسهم والسندات المتداولة، ومنها الاسهم المدرجة في بورصة بيروت حيث لا تزال اسهم شركة «سوليدير» تحت عتبة 20 دولاراً بعد مضي شهر على انتهاء الاعمال العسكرية. كذلك الامر بالنسبة الى الاسهم والاوراق المصرفية التي تشكل مع «سوليدير» معظم القيمة السوقية للبورصة المترددة عند عتبة 7 مليارات دولار.

ومن الثابت ان العامل السياسي يشكل عامل ضغط سلبي على جهود الاعمار وتنشيط الاقتصاد واستعادة الثقة في الاوراق المالية الحكومية والخاصة. وثمة مخاوف جدية في الاوساط الاقتصادية والمالية من تصعيد اضافي في الخلافات والمواقف السياسية من شأنه تحويل مشاعر القلق الى مخاوف جدية من تعثر ادارة المرحلة الصعبة الحالية وتراجع حماسة المجتمعين العربي والدولي لدعم اعادة نهوض لبنان واقتصاده.