طالبات عراقيات يحلمن بالسفر .. هربا من الواقع المؤلم

طموحاتهن تتراوح بين فرصة عمل لمساعدة الأهل والعثور على شريك حياة

TT

تبدأ الفتاة العراقية اكثر صفحات حياتها غرابة، مروراً بمراحل دراستها التي دأبت على خوضها، رغم الظروف التي تحيطها، وهي ترزح تحت سنوات اربع من احتلال بلادها، تبعته اوضاع امنية سيئة، ناهيك من الاجتماعية، التي باتت تأخذ معها مسارات لم تعهدها سابقاً، فتراها مع الايام الاولى لدخولها الحياة الجامعية ترسخ في اعماقها فكرة باتت تغزو افكار الشابات العراقيات أسوة بالشباب من زملائهم، الا وهي اكمال دراستهن والسفر الى خارج البلاد، للهرب من الاوضاع السائدة، وبحثاً عن فرص العمل او الزواج المناسب.

رغد سامي، طالبة تستعد للتقديم الى كلية الاداب قسم (التاريخ)، قالت لـ«الشرق الأوسط»: «لقد هيأت نفسي للحياة الجامعية واغلب ما احلم به هو الانتهاء من سنين الدراسة سريعاً، لا سيما ان الوضع الامني بات يعيق تحركات اغلب الناس، فكيف يكون حالنا نحن (البنات)». وتضيف «منذ فترة وانا ارى حلم الاستقرار في البلاد اصبح بعيد المنال، ويوماً بعد يوم الحال ينحدر الى الاسوأ، ما دفع اهلي بالسفر الى خارج البلاد تاركين لي الخيار بين البقاء عند عمتي لانهاء دراستي الجامعية أو الرحيل معهم». وتتابع، «ولكنني اصررت على متابعة دراستي الجامعية في بلدي، لاني اعلم بحال العراقيين في الغربة وان فرص الدراسة ضئيلة قياسا بغيرهم، وها انا اقدم اوراقي لاستعد للدراسة والانتهاء منها باسرع ما يمكن واللحاق بعائلتي التي هربت خوفاً من الوضع الامني المتردي». وعن نظرتها الى الاستقرار داخل البلد تؤكد رغد «ليس بيدنا ما يحصل واصدقك القول لا انا ولا عائلتي نريد الرحيل عن البلد، ولكننا بتنا نعيش حالة من الخوف المستمر، حتى انني في حال ان فكرت بالاستقرار فلن يكون بلدي هو المكان الامثل لي، ولكني اتمنى ان يعود العراق الى سابق عهده».

هبة محمد، طالبة اكملت دراستها الجامعية وهي تقدم للدراسات العليا في كلية اللغات قسم اللغة الانجليزية، تقول «لقد تلقيت الصدمات منذ تخرجي ولحد الان، كنت من المجتهدات في كليتي وانا اتابع جميع ما يقوم به زملائي من السفر عن طريق حصولهم على عقود عمل خارج البلاد ما حفزني الى المغامرة». وتتابع «قرأت عن طريق الانترنت عن فرص عمل في الخليج، تطلب فتيات ممن يجيدون اللغة الانجليزية والعمل على الكومبيوتر، وبعد الاتصال وجدت للشركة الام مقراً في بغداد، راجعته مع والدي وبعد عدة اختبارات قدمتها بمعية مجموعة من المتقدمين، الذين وجدت اعدادهم فاقت ما تصورت، وبعد فترة تم اختياري وذهبت لتوقيع العقد، الذي ينص على ان اذهب الى دولة خليجية واتابع العمل في شركة للمقاولات الهندسية». وتزيد «في بادئ الامر عارض والدي الفكرة ولكني اصررت على خوض التجربة، لا سيما انني كنت قد خرجت حديثاً من تجربة خطوبة فاشلة، فلم يستطع والدي رفض طلبي بسبب حالتي النفسية الصعبة، سافرت مع شقيقي الى عمان للمكوث بها ومن ثم السفر الى مقر عملي في الخليج»، مشيرة «مكثت عند شقيقتي مدة شهرين متتاليين وصرفت اموالاً طائلة وكل يوم اتصل بالشركة لتنفذ بنود عقدها باعطائي (الفيزا) والشروع بالسفر، فلم اجد منهم الا الوعود وبعد هذه الفترة رجعت بخفي حنين الى العراق، والان انا اسعى للتقديم الى الدراسات العليا، لا سيما انني اسعى للسفر بعدها لاكمال دراستي خارج البلاد، ان سنحت لي الفرصة».

اما (ن.ع) فتقول «لقد سئمت من الدراسة ومن كل شيء في البلاد، قبل فترة ليست بالقصيرة قتلت صديقتي في الدراسة ما افقدني ذلك طعم كل شيء ما جعلني اذهب الى الكلية بتكاسل غير راغبة بالحديث مع احد، مشيرة الى «انها الان قررت ترك الدراسة، بعد خطوبتها من رجل يعيش خارج البلاد وهذا جل ما احلم به، الهرب من هنا لقد اكتفيت من الكم الهائل من الاحزان التي باتت تصيبنا نحن العراقيين» وعن مدى رغبتها بفكرة الزواج تقول «لم اكن ارغب بالزواج بهكذا طريقة، خصوصاً اني لا اعرف المتقدم لي بالزواج الا عن طريق الصور ووجدته حسن الشكل وسوف اذهب بعد شهر من الان الى سورية، لاتمام الزواج هناك والسفر بعدها الى السويد وهناك سوف اقرر فيما اذا ساكمل دراستي او اقفل عائدة الى اهلي!».

الدكتور كريم محمد حمزة، استاذ علم الاجتماع، يقول ان احدى المنظمات التابعة للامم المتحدة، التي تعنى بحماية المراة عكفت على دراسة واقع المرأة العراقية بعد سقوط النظام 2003 «وخرجت بمؤشرات تتلخص بشعورهن المتنامي بعدم الأمان لا سيما ان اغلب العراقيين يشعرون بان امنهم مفقود». ويضيف ان «المرأة اقل قدرة على مواجهة هكذا نوع من التحديات التي باتت تعصف بالمجتمع العراقي». وتابع «هناك خوف عام على مستوى الذات وعلى مستوى الاسرة، الهروب بأي مستوى دراسي كان، هدفه الخروج من العراق لتحقيق اعلى درجات الامن» مشيراً «الامر الان لا يخص المرأة الطالبة بل يتعداه للاسرة هناك (هجرة عراقية اسرية) بدل ان يسافر فرد من العائلة بغرض مساعدة اسرته مادياً الان باتت الاسرة باكملها تنوي السفر والخروج من الوضع الامني المتردي».

وترى هناء ادوارد، رئيسة منظمة الامل النسائية، وناشطة نسوية ان اهم ما يواجه المرأة الان هو موضوع الاستقرار داخل البلد وعدم الاغتراب والتعايش مع محيطه، وقالت «ان الشعور بالاقصاء دائماً اصبح هاجس المرأة لا سيما انها تعيش وضعاً سياسياً وامنياً صعباً ولا نستطيع ان نلومهم الان عما يفكرون به من السفر خارج البلد، وتحديداً المرأة ولان الفرصة غير متوفرة واسلوب التعليم مترد، ناهيك من الوضع النفسي الذي تعيشه الفتاة، فمثلاً قبل ايام وصلتني رسالة الكترونية من احدى الطالبات بانها غير قادرة على الدراسة وذلك لمقتل استاذها في الجامعة وهو صاحب كفاءة واخلاق كما ذكرت لي، طيب كيف يكون للطالب او الطالبة تقبل الوضع الذي يعيشه مع الكم الهائل من القتل والارهاب».

وعن دور الحكومة في هذا الامر ذكرت ادوارد ان «المشكلة ان السياسيين يرون ان الشباب ليست لديهم أي توجهات ولا الخبرة ولا الامكانيات وانا لا اؤيدهم في هذا، الشباب هم المستقبل ومعاناتهم هي التي جعلتهم يفكرون بالخروج من البلاد لمواكبة التطور وللحصول على الامان». وتزيد «نحن (المنظمات) نشد من ازر الشباب ونحاول ان نأخذ بيدهم وانا اعتقد بان المشكلة الاساسية هي مشكلة سياسية، متى ما استقر الوضع السياسي والامني سوف تتبدل الامور الى الافضل».