بوش يدعو الكونغرس لإقرار قانون يسمح بالاستجوابات السرية

TT

عقد الرئيس الأميركي جورج بوش مؤتمرا صحافيا مفاجئا في البيت الأبيض بدا فيه منزعجا من معارضة رموز جمهوريين بارزين، من بينهم وزير الخارجية السابق كولن باول لمقترحاته الأخيرة حول سن تشريع قانوني يسمح رسميا بالاستجوابات السرية التي تتولاها وكالة الاستخبارات المركزية «الأميركية» ضد إرهابيين مفترضين ويسمح كذلك ببرنامج التصنت الذي تتولاه وكالات استخبارية أخرى.

وجاء مؤتمر بوش الصحافي بعد يوم واحد من تصويت لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الأميركي على قانون بديل لمشروع بوش يوفر حماية أوسع للمتهمين، في حين يسعى مشروع بوش إلى توفير حماية قانونية واضحة لعناصر وكالة الاستخبارات المركزية من ملاحقات محتملة بتهمة ارتكاب جرائم حرب يمكن ان تنسب اليهم بسبب الطرق المبتكرة في الاستجوابات السرية.

ويأتي هذا الجدل في وقت يتوقع فيه الأميركيون وأقارب ضحايا هجمات سبتمبر، أن يفي الرئيس بوش بوعده في تقديم خالد شيخ محمد، ورمزي بن الشيبة، وأبو زبيده، إلى محاكم عسكرية كأول دفعة من زعماء تنظيم القاعدة المسؤولين عن هجمات سبتمبر ممن تم إلقاء القبض عليهم واستجوابهم سريا في أماكن مجهولة من العالم.

وحاول بوش خلال مؤتمره الصحافي على مخاطبة عواطف الأميركيين، مذكرا إياهم بالدمار الذي ألحقه الإرهاب بهم خلال هجمات سبتمبر وقال «إن أقارب الضحايا ما زالو يوجهون له سؤالا دائما، وهو هل ما زلنا مصممين ومقتنعين بعمل كل ما في وسعنا لحماية شعبنا».

وقال بوش إن على الكونغرس أن يقر مشاريع القوانين التي طرحها البيت الأبيض لتوفير حماية قانوية واضحة لضباط المخابرات ومسؤولي وكالات التنصت ملمحا إلى أن الوكالات الأمنية قد ترفض الاستمرار في العمل في هذه البرامج «الحيوية» إن لم يكن الكونغرس واضحا في جعلها شرعية.

وانتقد بوش موقفي وزير الخارجية الأميركية السابق كولن باول والسيناتور الجمهوري جون ماكين المرشح المحتمل للرئاسة في الانتخابات المقبلة بسبب المخاوف التي أبدياها من إقرار قانون يثير شكوك العالم من الدوافع الأخلاقية وراء الحرب الدائرة على الإرهاب.

وقال بوش «أنا لا أستطيع أن أقبل المقارنة بين ما تقوم به الولايات المتحدة وما يقوم به الإرهابيون وواجبي هنا هو حماية بلادي من الأخطار المحدقة بها».

من ناحية اخرى تبنت لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الأميركي مشروع قانون حول معاملة المتهمين بالإرهاب يختلف في نصوصه عن مشروع قدمه البيت الأبيض الأسبوع الماضي، الأمر الذي يشير إلى احتمال مواجهة بين المشرعين المؤيدين للمشروع وآخرين ينسقون مع البيت الأبيض في طروحاته.‏ ويأتي هذا الخلاف في وقت ينتظر فيه الأميركيون إحالة خالد شيخ محمد ورمزي بن الشيبة وأبو زبيدة للمحاكمة في محاكم عسكرية كأول رموز لـ«القاعدة» مسؤولين عن هجمات 11 سبتمبر يحالون للمحاكمة بعد أكثر من خمس سنوات على وقوع الهجمات.

ويوفر مشروع القانون الذي تبنته لجنة الدفاع حماية أوسع للمتهمين بدعم من الأعضاء الديمقراطيين، الا أن معظم الأعضاء الجمهوريين في اللجنة صوتوا ضد مشروع القانون لأنهم‏ يعتبرون انه لا يوفر حماية كافية لعناصر وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية من ملاحقات محتملة بتهمة ارتكاب جرائم حرب يمكن ان تنسب اليهم بسبب الأساليب المبتكرة في عمليات الاستجواب.‏ ‏وجاء التصويت على مشروع القانون في اللجنة بعد ساعات من اعلان الرئيس بوش معارضته لإعادة صياغة مشروع قانون يفسر الواجبات الدولية للولايات المتحدة للتمكن من مساءلة ومحاكمة المشبوهين في قضايا الإرهاب.‏ ‏وقال بوش في زيارة قام بها للكونغرس «سأقاوم اي مشروع قانون لا يسمح لوكالة الاستخبارات المركزية بالاستمرار في الاستجوابات السرية للمشتبهين».

‏وأعلن المتحدث باسم البيت الابيض، توني سنو، بعد التصويت في اللجنة، ان بوش‏ «متمسك بتصريحاته».‏ وحمل ثلاثة من اعضاء مجلس الشيوخ النافذين من أكثريته الجمهورية يتزعمهم السناتور جون ماكين اللجنة على تبني مشروع القانون الذي رفضه الرئيس.‏ وتمحور النقاش حول ضرورة او عدم ضرورة «توضيح» المادة الثالثة من اتفاقية جنيف، كما يطالب البيت الابيض لتوفير حماية افضل لعملائه.‏ ويرى البيت الأبيض أن بنود هذه المادة التي تحظر الممارسات المهينة ضد السجناء «غامضة».‏ وأكد المتحدث باسم البيت الأبيض «اذا لم نحدد في القانون الأميركي ما يستطيع القيام به الذين يقومون بالاستجواب، سنضطر الى العودة الى هيئة قانونية دولية، والى الآراء المتقلبة والمتناقضة احيانا للمدعين والقضاة والمحاكم الاجنبية. ولن نحصل على اليقين حول ما هي القواعد الأساسية».‏ ‏وقد رفض هذا التفسير السناتور جون ماكين الذي يناضل ضد التعذيب والذي أمضى‏ خمس سنوات في معسكر للأسرى في فيتنام، ومن المحتمل أن يرشح نفسه للرئاسة عن الحزب الجمهوري في انتخابات 2008. وحصل ماكاين على دعم وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول في موقفه هذا. وقال باول في رسالة دعم لمساعي ماكين «لقد بدأ العالم في التشكيك في القواعد الأخلاقية لقتالنا ضد الارهاب. واعادة تعريف المادة الثالثة ستزيد من هذه الشكوك».‏ ومن المتوقع ان يستمر النقاش العلني في مجلس الشيوخ الأسبوع المقبل.‏ وقد طلب البيت الابيض من الكونغرس في يونيو (حزيران) الماضي الإسراع في تبني مشروع القانون، اذا كان ذلك ممكنا قبل تعليق الأعمال النيابية في نهاية الشهر الجاري، بسبب الانتخابات، لملء الفراغ القانوني الذي نجم عن قرار المحكمة العليا في نهاية يونيو.‏ وقد اعتبرت المحكمة العليا ان ادارة بوش قد تجاوزت صلاحياتها بإنشاء المحاكم العسكرية الاستثنائية لمحاكمة «المقاتلين الأعداء» المعتقلين في غوانتانامو، من دون الوقوف على رأي الكونغرس.‏ في هذه الأثناء أعرب مركز «الحقوق الدستورية» الذي يضم محامين يمثلون نحو450 معتقلا في غوانتانامو عن قلقه من مشاريع قوانين تدرس حاليا في الكونغرس حول الإطار القانوني الذي سيسمح بمحاكمة المعتقلين. واعتبر المركز ان مشاريع القوانين التي تناقش حاليا قد «تمنع اي موقوف في سجن أميركي من المثول أمام محكمة مدنية اميركية». وشددت المنظمة على ان «تصنيف الشخص على انه «مقاتل عدو» سيكون كافيا لتبرير اعتقاله الى ما لا نهاية»، مشددة على ان ذلك يعتبر «مخالفا للمبادئ المؤسسة لهذا البلد». وعلى الكونغرس ان يقر اجراءات مخصصة لمعتقلي غوانتانامو الذين القي القبض عليهم في اطار «الحرب على الارهاب»، منذ اصدرت المحكمة الاميركية العليا قرارا في نهاية يونيو. وكانت المحكمة العليا اعتبرت ان ادارة بوش تجاوزت صلاحياتها بتشكيلها محاكم خاصة من دون اجراء اي مشاورات مع الكونغرس. وعرض البيت الأبيض الأسبوع الماضي على الكونغرس مشروع قانون يوضح الاطار القانوني المخصص لمعتقلي غوانتانامو، وقد اقرته مساء الاربعاء لجنة الدفاع في مجلس النواب. وناقشت لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الخميس صيغة بديلة يدعمها ثلاثة أعضاء جمهوريين نافذين في مجلس الشيوخ تؤكد انها تأخذ في الاعتبار المخاوف التي عبر عنها محامون عسكريون رفيعو المستوى.