الفاتيكان يصدر بيان اعتذار عن البابا وردود فعل متباينة في العالم الإسلامي

إسلاميون يعتبرونه غير كاف أو خطوة تحتاج استكمالا ودول عربية تتخذ خطوات احتجاجية

TT

تباينت ردود الفعل في العالم الإسلامي امس على البيان الذي أصدرته وزارة خارجية الفاتيكان أمس عن البابا والذي يحمل اعتذارا عن تصريحاته التي أثارت غضبا في الدول الإسلامية وبين الجاليات الإسلامية في العالم. فبينما اعتبرت بعض ردود الفعل البيان غير كاف، اعتبرها آخرون مثل الإخوان المسلمين في الأردن خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكنهم طالبوا بضمانات إضافية، بينما اعتبر آخرون الاعتذار كافيا.

وقد أعلن البابا بنديكت السادس عشر للمسلمين أمس انه يشعر بالأسف بعد أن رأوا أن كلمته عن الإسلام كانت مسيئة، مبديا احترامه لعقيدتهم. وقال وزير خارجية الفاتيكان الجديد، تارتشيتسيو برتوني، أمس إن البابا بنديكت السادس عشر «آسف للغاية لكون بعض مقاطع خطابه بدت مهينة لمشاعر المؤمنين المسلمين».

وقال برتوني في تصريح أول له بعد تعيينه على رأس حكومة الفاتيكان أول من أمس «إن البابا يأسف بشدة لكون بعض مقاطع خطابه بدت مهينة لمشاعر المؤمنين المسلمين وفسرت بطريقة لا تتوافق اطلاقا ونواياه».

وأضاف أن «رأي البابا المؤيد للحوار بين الديانات والثقافات لا لبس فيه إطلاقا».

وكان البابا بنديكت السادس عشر قد أدلى خلال محاضرة ألقاها الثلاثاء في المانيا، بتصريحات حول الإسلام والجهاد تحدث فيها عن علاقة بين الإسلام والعنف وأثارت موجة استنكار وغضب شديدين في العالم الإسلامي.

وقال برتوني إن البابا «يعيد تأكيد احترامه وتقديره للمسلمين ويأمل أن يفهموا كلامه ضمن سياقه الصحيح حتى تصبح الشهادة «بإله واحد حي حاضر» أكثر قوة فور انتهاء هذه الأوقات العصيبة».

ونشرت الوثيقة «أمام ردود فعل المسلمين بشأن مقاطع من كلمة ألقاها البابا في جامعة راتيسبون «بحسب بيان وزعه الفاتيكان مذكرا بأن «موقف البابا من الإسلام لا يقبل الشك وقد نشر في الوثيقة «نوسترا ايتاتي» (الصادرة عن المجمع الفاتيكاني الثاني حول الكنيسة والأديان غير المسيحية)».

وبحسب هذه الوثيقة «تنظر الكنيسة بعين الاحترام الى المسلمين الذين يعبدون الله الواحد الحي الحاضر خالق السماوات والأرض الذي خاطب البشر» كما ذكر برتوني. وأضاف مساعد البابا أن الحبر الأعظم لم يقصد في كلمته التي استشهد فيها بامبراطور بيزنطي «ان ينسب هذه الأقوال الى نفسه وإنما انتهزها مناسبة ليتوسع في افكار تتناول علاقة الدين بالعنف في إطار أكاديمي».

وكان بنديكت السادس عشر يسعى الى التوصل الى «خلاصة ترفض رفضا قاطعا وواضحا ربط العنف بالدين مهما كانت مصادره» بحسب الاعلان الذي ذكر بالتزام البابا «متابعة حوار الاديان الذي كان اطلقه سلفه يوحنا بولس الثاني في لقاءات اسيزي (وسط ايطاليا) والتي يحتفل الفاتيكان بعيدها العشرين» بحسب البيان الفاتيكاني.

ودافعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وغيرها من السياسيين الألمان عن تصريحات البابا قائلين إنه أسيء فهمها.

وقالت ميركل لصحيفة «بيلد» الألمانية في مقابلة لقد كانت مبادرة للحوار بين الأديان وقد تحدث البابا لصالح لهذا الحوار وهو شيء أؤيده وأعتبره ملحا وضروريا. ما أكد عليه بنديكت السادس عشر كان نبذا حاسما ومطلقا لكل أشكال العنف باسم الدين. وكان رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، أيوب أكسل كولر، قد قال لصحيفة «نيو بريشه» في وقت سابق أمس يتعين عليه البابا الاعتذار. سيسهم بذلك في تهدئة التوترات وإزالة اللبس وعلى صعيد ردود الفعل اتخذت عدة دول عربية خطوات احتجاجية تجاه الفاتيكان، إذ قالت وكالة أنباء المغرب العربي ان الملك محمد السادس عاهل المغرب استدعى سفير المغرب لدى الفاتيكان للتشاور بعد التصريحات المسيئة للإسلام التي وردت في محاضرة ألقاها البابا بنديكت السادس عشر.

ونقلت الوكالة عن بيان لوزارة الخارجية قوله انه جرى استدعاء علي عاشور للتشاور. من جانبه طالب الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بابا الفاتيكان بالاعتذار للأمة الإسلامية على الإساءة التي جاءت على لسانه، وإذا لم يتم هذا الاعتذار فإن اليمن سيعيد النظر في علاقاته مع دولة الفاتيكان.

كما استدعت وزارة الخارجية المصرية رئيس بعثة الفاتيكان بالقاهرة أمس للإعراب عن أسف مصر البالغ ازاء محتوى محاضرة ألقاها البابا بنديكت السادس عشر أثار غضبا واستياء شديدين في العالم الإسلامي.

وفي بيان أصدرته وزارة الخارجية المصرية قالت السفيرة وفاء بسيم، مساعدة وزير الخارجية التي استدعت رئيس بعثة الفاتيكان بناء على تعليمات وزير الخارجية المصري، إن هناك ضرورة لقيام البابا شخصيا بالتحرك سريعا لاحتواء الموقف وتدارك تداعياته الخطيرة، خاصة أن رسالة البابا هي في المقام الأول رسالة سلام وحوار واحترام لكافة الاديان.

وأضافت أن الاشارات السلبية تجاه الإسلام الواردة بالمحاضرة لا يمكن تفسيرها أو تبريرها.

كما أدان المجلس الإسلامي الأعلى للجمهورية التونسية، أعلى هيئة حكومية إسلامية، أمس السبت تصريحات البابا ودعاه الى «ضرورة الإسراع بتدارك الأوضاع بحكمة وتبصر بما يخدم الأهداف النبيلة للتفاهم والحوار بين الحضارات والأديان».

ووصفت وزارة الخارجية العراقية أمس تصريحات البابا بنديكت السادس عشر بأنها موضع استغراب وأسف كبير وطالبت الوزارة الفاتيكان بإصدار توضيحات حول التصريحات.

وأضافت الوزارة أنها تجد هذه التصريحات غير موفقة.

ومضى البيان يقول إن الحكومة العراقية تأمل «أن تصدر توضيحات بشأن ذلك من الفاتيكان لتبديد ردود الأفعال السلبية إزاء هذه التصريحات».

من جانبها اكدت الكنيسة الأرثوذكسية القبطية المصرية رفضها لتصريحات بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر ولأي مساس «برموز الإسلام».

وقال الأنبا مرقس، المتحدث الرسمي باسم البطريركية المرقسية، ان الكنيسة «ترفض تماما تصريحات بابا الفاتيكان».

وأضاف «ان الديانة المسيحية تأمرنا بحب الأخر مهما كانت عقيدته، وكما أنني احب من يمتدح السيد المسيح ينبغي ان نحترم نبي الإسلام ومن يتبعونه ولا يجوز ان تمس مشاعر الآخرين».

وتابع «اننا نرفض الإساءة لنبي الإسلام وصحابته ونرفض تماما المساس بالرموز الإسلامية». من جانبه اعتبر الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية للإخوان المسلمين في الاردن، زكي بني ارشيد، امس ان اعراب البابا بنديكت السادس عشر عن أسفه عن تصريحات اعتبرت «مهينة» للإسلام هو «خطوة في الاتجاه الصحيح» إلا أنها «غير كافية».

وقال بني ارشيد «الاعتذار هو خطوة في الاتجاه الصحيح لكنها غير كافية، نحتاج الى تطمينات اخرى». وشدد على انه «لا بد من رسائل تطمينية أخرى مرافقة للاعتذار».

وأضاف بني ارشيد «نود تأكيد اننا نعتبر ان الاعتذار الواضح الصريح ربما يكون كافيا في حال كانت التصريحات مجرد زلة لسان، ونتمنى ألا يكون ذلك التصريح تعبيرا عن الموقف الحقيقي للبابا أو للكنيسة الكاثوليكية».

وشدد بني ارشيد على ان «المشكلة كبيرة جدا» إذا كان الأمر كذلك، و«لا يمكن معالجتها باعتذار، بمعنى انه لا بد أن يرافق الاعتذار إعلان تصريح آخر بأن الكنيسة الكاثوليكية ليست مع الإساءة الى المشاعر المقدسة والأديان الاخرى وليست مع صراع الحضارات».