مدير عام الحديقة لـ«الشرق الأوسط»: جميع الحيوانات الموجودة الآن تم جلبها من القصور الرئاسية

حديقة الحيوانات في بغداد من 516 حيوانا إلى مجموعة صغيرة

TT

«حدائق العشاق» تسمية كان يطلقها العراقيون على حدائق الزوراء، التي تعد الوحيدة، من حيث حجم المساحات الخضراء وتنوع موجوداتها بين ملاعب الأطفال ومرافق خدمية متنوعة، أهملت لعقود طويلة لتضمحل تدريجيا، وانتهت مأساتها بمأساة اكبر، عندما تحولت الى ساحة معركة اثناء دخول القوات الاميركية، التي اتخذتها قاعدة لها لولا اصرار العاملين فيها على العودة اليها بعد اربعة ايام فقط من سقوط بغداد، ليبدأوا مهام اشبه بالمستحيلة لاعادة الحياة لهذه المساحة الخضراء التي تتوسط بغداد، وليعيدوا اليها عشاقها من جديد، وبحسب وصف العاملين فيها، ان هؤلاء العشاق هم عصافير الحديقة. وعن المعاناة التي واجهت ادارتها، زارت «الشرق الأوسط» حديقة الزوراء، والتقت بمدير حديقة الحيوانات الدكتور عادل سلمان، الذي فضل في بداية حديثه، سرد بعض التفاصيل عن الزوراء، وقال «ان حديقة الزوراء تأسست عام 1973، وكان عقد السبعينات هو عصرها الذهبي، حيث كانت تستقبل الاف العوائل يوميا، وتحقق ارباحا لا يستهان بها لصالح خزينة الدولة، وتميزت بكونها احد اكبر الحدائق في المنطقة حينها، وتحوي من الحيوانات ما لا تحويه حدائق اخرى، فكان فيها اكثر من 516 حيوانا مختلفا، اضافة الى الحيوانات المحلية والاسماك المتنوعة والطيور وغيرها، ورغم الاهمال الذي لحق بها خلال الثمانينات الا انها حافظت على موقعها لحين فترة الحصار، فخلال هذه الفترة بدأت حيواناتنا تتناقص شيئا فشيئا، لعدم امكانية التعويض عن طريق الاستيراد، وايضا لعدم توفر الرعاية اللازمة من ادوية ومعدات وخبرات وغيرها، وفقدنا انواعا صعبة التعويض. وبعد دخول القوات الاميركية كانت المأساة الحقيقية، فكما هو معروف ان الحديقة تقع بجانب المنطقة الخضراء، التي اصبحت ساحة معركة وتعرضت للقصف المباشر، بعد ان تركزت فيها بعض القطعات العسكرية لتنتهي بعملية سلب ونهب طالت كافة المنشآت، بما فيها الحيوانات الاليفة، فيما تركت المفترسة من دون ماء وطعام لمدة ثلاثة ايام، وايضا قتل بعض منها على ايدي الجنود الاميركيين، بعد ان وجدوها خارج اقفاصها التي تحررت منها، بعد تعرضها للقصف والتدمير، ووجدنا ثلاثة أسود مقتولة وحيوانات مفترسة اخرى، كما ان هذه القوات دخلت بآلياتها ومعداتها ودمرت ما تبقى من الحديقة، وفي اليوم الرابع حضرت الى الحديقة وكان بصحبتي بعض الزملاء في العمل، وأقنعنا القوات، بصعوبة، بضرورة الدخول للحديقة لانقاذ بعض الحيوانات المتبقية، وفعلا دخلنا ووجدناها أشبه بالميتة، نتيجة الجوع والعطش، وقمنا بقتل بعض الخنازير التي كانت في اقفاصها، واطعام المفترسة، وهي نمران وثلاثة اسود واثنان من الدببة وذئب بري وقط بري، كما تمكنا من جلب الماء لها من مناطق اخرى او من البحيرات القريبة، وأعدنا تسييج بعض الاقفاص وإصلاح المتضرر. أما الشيء، الذي يجب ذكره، هو ان احد الصحافيين تمكن من عبور السياج لان المنطقة كانت محظورة لوجود القوات العسكرية فيها ووصل الينا وبعد ان وجدنا محتاجين الى كل مساعدة قام باعطائنا مبلغا من المال لشراء الطعام للحيوانات وبعض المستلزمات، اضافة الى انه قام بنشر مناشدة دولية نجحت بان تكون اول شحنة مساعدات تصل الينا من دولة الكويت الشقيقة، تحوي اطعمة وادوية وغيرها، بعدها توالت المساعدات وايضا حضر خبراء حدائق من بعض الدول لتقديم المساعدة.

وحول صحة المعلومات، التي تناقلت حينها عن وجود حيوانات في حدائق ابن الرئيس المخلوع عدي صدام حسين وايضا في بعض القصور الرئاسية، بين الدكتور عادل ان هذه المعلومات صحيحة فقد علمنا وبعد ايام من وجودنا في الحديقة وعن طريق مواطنين بوجود حيوانات مفترسة في القصور الرئاسية، وايضا حدائق بعض المواطنين الذين سرقوها من تلك القصور ولم يتمكنوا من إطعامها او التصرف بها، خاصة مع وجود قانون دولي يمنع المتاجرة بالحيوانات، فلو لم يكن هناك مثل هذا القانون لوجدت معظم الحيوانات طريقها الى دول اخرى، لكن المشكلة هنا تكمن بكيفية احضار تلك الحيوانات فلم نكن نملك اي معدات لهذا الغرض، فقد وجدنا في احد القصور لبوتين واسدا وستة اشبال، تم الابقاء عليها بعهدة القوات الاميركية لحين انتهاء فترة حضانة اشبال الاسد، بعدها تم نقلها بمساعدة القوات الاميركية، كما وجدنا في موقع اخر فهدا واحدا وثلاثة نعامات افريقية وقردا نادرا، تم جلبها بعد تجهيز اقفاص لنقلها، كما وصل الينا خبر عن وجود حيوانات في جانب الرصافة في احد البيوت، وحصلنا على موافقة لنقلها، وكانت قطا بريا ومجموعة قردة وثعالب وذئبا وبجعا وطيورا منوعة وجمالا تم نقلها، عدا الدب والضبع والذئب فنقلها تطلب وجود بندقية مخدرة كانت غير متوفرة لدينا قدمت لنا هدية فيما بعد من قبل احدى المنظمات البريطانية. وبعد أكمال كافة النواقص بمساعدة منظمات من جنوب افريقيا وكندا وبريطانيا ودول عربية، قمنا بفتح الحديقة بعد اشهر طويلة، وبعد نقل السلطة الى العراقيين تولت امانة بغداد العناية بهذا المرفق، وخلال تولي الدكتور صابر العيساوي مهام امانة بغداد، قام بدعم الحديقة بشكل لافت للنظر، فقد خصص لها مبالغ جيدة لترميمها، وايضا تجهيزها ببعض الحيوانات والطيور، كما قام وبمجهود شخصي، يحمد عليه، بالاتصال ببعض الدول والمنظمات والادارات المماثلة وايضا السفارات كي يجهزونا ببعض الحيوانات، وخلال اسبوعين من الآن ستصل بغداد اول شحنة من الحيوانات التي اهديت للعراق بدون مقابل لعدم جواز المتاجرة بها. وعن حجم الاقبال عليها ذكر الدكتور عادل ان هناك مواسم يزيد فيها الاقبال على الحديقة وايضا في ايام العطل وخلال موسم الدراسة ايضا، لكن خلال موسم الصيف يقل الاقبال بشكل كبير، خاصة مع سوء الاوضاع الامنية في بغداد، رغم ان هذه المنطقة التي تمتد لاكثر من 720 دونما مؤمنة بشكل كامل ومن كافة الجهات ولم يحدث فيها لحد الان اي شيء يثير القلق.

اما بخصوص الاستفادة من قانون الاستثمار لتطوير عمل الحديقة، فاكد انه بعد صدور قانون الاستثمار الجديد، سيتم شمول الحديقة بجانب كبير من المشاريع الاستثمارية، فالزوراء بحاجة ماسة الى الاستثمار لمواكبة التطور العالمي، وهناك شركات عربية قدمت فعلا لاستثمار في بغداد بانشاء غابات بغداد وسفاري للحيوانات تطلق فيه بشكل حر، وايضا قدمت شركة اماراتية لانشاء مدن ألعاب عالمية في الزوراء وانشاء حدائق استوائية تطلق فيها طيور من نفس بيئتها، ولدى امين بغداد صابر العيساوي خطط كثيرة وكبيرة بنفس الوقت للنهوض بالواقع الترفيهي للعاصمة بغداد، وايضا زيادة الرقعة الخضراء فيها، ونأمل تحقيق جميع هذه الخطط قريبا، لان البلد بحاجة لها وايضا هي فرصة لكافة المستثمرين لاستغلال خلو بغداد والعراق عامة من هذه المرافق.