كتاب جديد لبوب وودوارد: بوش تجاهل التحذيرات العاجلة حول العراق

بوش الأب كان لا ينام ورامسفيلد يعامل رايس بعدائية .. وتشيني كان مصرا على إثبات وجود أسلحة دمار بالعراق

TT

تجاهل البيت الابيض تحذيرا عاجلا في سبتمبر (ايلول) 2003 من مستشار كبير في الشؤون العراقية الذي ذكر ان هناك حاجة ملحة لآلاف من القوات الاميركية لصد التمرد هناك، طبقا لكتاب جديد لبوب وودوارد الصحافي في واشنطن بوست والكاتب. ويشير الكتاب الى ان البيت الابيض مليء بالاختلال الوظيفي والانقسامات حول العراق.

وقد ظهر التحذير في كتاب حالة الانكار (STATE OF DENIAL) المقرر نشره يوم الاثنين لدار نشر سايمون اندر شوستر. وذكر الكتاب ان كبار مستشاري الرئيس بوش كانوا مختلفين فيما بينهم، وفي بعض الاحيان لا يتحدثون مع بعضهم البعض، ولكنهم كانوا يشاركون ذلك الاحساس برفض تلك التصورات من القادة العسكريين واخرين بخصوص الوضع في العراق بأنها متشائمة.

ونقل عن الرئيس بوش وصفه، في نوفمبر 2003، للموقف في العراق: لا اريد من احد في مجلس الوزراء القول بأنه تمرد. لا اعتقد اننا وصلنا الى تلك النقطة بعد».

ويصف الكتاب دونالد رامسفلد وزير الدفاع بأنه كان بعيدا عن الاعمال اليومية لاحتلال واعادة بناء العراق ـ وهي المهمة التي كان من المفروض في البداية ان تصبح تحت ادارة البنتاغون ـ وانه كان عدائيا للغاية تجاه كوندوليزا رايس مستشارة شؤون الامن القومي انذاك، الى درجة ان الرئيس بوش اضطر لابلاغه بضرورة الرد على اتصالاتها الهاتفية. وتردد ان القائد الاميركي في الشرق الاوسط الجنرال جون ابي زيد ابلغ زوارا لمقره في قطر في خريف 2005 انه «لم يعد لرامسفلد اية مصداقية بعد» فيما يتعلق بقضية مثل الاستراتيجية الاميركية للنصر في العراق.

والكتاب، الذي اشتراه مندوب للصحيفة بسعر السوق قبل تاريخ نشره الرسمي، هو ثالث كتاب لوودوارد يتابع فيه النقاشات الداخلية للبيت الابيض بعد هجمات 11 سبتمبر، وغزو افغانستان والقرار التالي بغزو العراق. ومثل مؤلفات وودوارد السابقة، فإن الكتاب الجديد يشتمل على اقتباسات حرفية مطولة من احاديث ويصف الطريق التي يفكر بها كبار المسؤولين في اوقات متعددة، بدون تحديد مصدر المعلومات.

وكتب وودوارد ان كتابه يعتمد على «مقابلات مع فريق الامن القومي للرئيس بوش، ونوابهم وغيرهم من كبار المسؤولين واللاعبين الاساسيين في الادارة، المسؤولين عن الشؤون العسكرية والدبلوماسية والاستخبارية في العراق». وبعض هذه المقابلات، بما فيها المقابلة مع رامسفيلد محددة بالاسم. غير ان الكتاب ذكر ان بوش ونائب الرئيس ديك تشيني لم يوافقا على اجراء مقابلات معهما، طبقا للكتاب.

ويقول وودوارد ان روبرت بلاكويل، مستشار شؤون العراق، انذاك، في مجلس الامن القومي، اصدر التحذير بخصوص الحاجة الى مزيد من القوات، في مذكرة مطولة بعث بها الى كوندوليزا رايس. وذكر الكتاب ان مذكرة بلاكويل توصلت الى تقدير بالحاجة الملحة الى مزيد من القوات البرية، ربما الى 40 الف جندي.

واضاف الكتاب ان بلاكويل وبول بريمر كبير المسؤولين في العراق، ابلغا كوندوليزا رايس وستفن هادلي نائبها، بخصوص الحاجة الملحة لمزيد من القوات خلال حديث هاتفي مؤمن من العراق. واوضح الكتاب ان البيت الابيض لم يفعل شيئا ردا على ذلك الطلب.

ويصف الكتاب خلافا عميقا بين كولين باول اول وزير خارجية في عهد بوش ورامسفلد: وعندما ترك باول منصبه بعد انتخابات 2004، ذكر لاندرو كارد رئيس هيئة موظفي البيت الابيض «اذا ما تركت يجب ان يترك دون ايضا»، في اشارة الى رامسفلد.

وطبقا للكتاب فإن كارد بذل جهدا منسقا للاطاحة برامسفلد في نهاية عام 2005، ولكن الرئيس بوش رفض، خشية ان يؤدي ذلك الى اشاعة الاضطراب في الانتخابات العراقية والعمليات في البنتاغون.

اما نائب الرئيس ديك تشيني فقد وصف في الكتاب بأن تصميمه على العثور على دليل على ادعائه بخصوص اسلحة الدمار الشامل في العراق دقيق، لدرجة انه، في صيف 2003، اتصل مساعدوه بكبير مفتشي الاسلحة دافيد كاي وقدموا له خرائط ومعلومات التقطتها الاقمار الصناعية حول المواقع المحتملة لتلك الاسلحة. الا انه لم يتم العثور على أي اسلحة.

ويصف الكتاب اثنان من اعضاء الدائرة الداخلية لبوش وهما باول ومدير وكالة الاستخبارات المركزية انذاك جورج تينيت بأنهما كانا متقلبين بخصوص قرار غزو العراق. فعندما اقر باول غزو العراق في يناير 2003، قال له بوش في اجتماع في البيت الابيض ان «الوقت قد حان لارتداء الزي العسكري»، في اشارة الى السنوات الطويلة التي قضاها في الجيش.

ومن الواضح ان تينيت، الذي ذكر ذات مرة لبوش ان وجود اسلحة دمار شامل في العراق امر يصعب تصديقه، لم يكشف عن قلقه بخصوص غزو العراق مباشرة مع بوش، طبقا لرواية وودوارد.

ويصور اول كتابان لوودوارد عن ادارة بوش (بوش في الحرب وخطة الهجوم) BUSH AT WAR و PLAN OF ATTACK رئيسا حازما وفريقا مخلصا يرد على الهجمات المفاجئة ويدير الرد الذي تبعه. وكما يشير عنوان الكتاب «حالة الانكار» فإنه يتبع خطا مختلفا تماما، لادارة تبدو ان لديها فكرة مشوشة من ان النجاح العسكري الاولي في العراق قد تحول الى مقاومة للمحتل.

ويصف الكتاب الواقع في 537 التوتر بين كبار المسؤولين من بدايات الادارة. وكتب وودوارد قائلا انه في الاسابيع التي سبقت 11 سبتمبر، كان تينيت يعتقد ان رامسفيلد يعرقل الجهود الهادفة الى تطوير استراتيجية متماسكة للقبض على او قتل اسامة بن لادن. وشكك رامسفيلد في الاشارات الالكترونية القادمة من الارهابيين المشتبه فيهم التي تعترضها وكالة الامن القومي، وتساءل عما اذا كانت خطة خداع من القاعدة.

ورد في الكتاب ان تينيت ومدير قسم مكافحة الارهاب بوكالة الاستخبارات المركزية التقوا في 10 يوليو 2001 رايس في البيت الابيض بغرض إطلاعها على اهمية المعلومات الاستخباراتية التي جمعتها الوكالة حول الهجوم الوشيك. إلا ان كلا منهما خرج من اللقاء وهو يشعر بأن كوندوليزا رايس لم تأخذ التحذير من الهجوم مأخذ الجد.

وحسب الكتاب فان بوش الأب وزوجته لم يوافقا بوش الابن الرأي حول ان غزو العراق هو الخطوة الصحيحة، وكتب وودوارد ايضا حول مكاتبات خاصة في يناير 2003 بين والدة بوش، باربرا بوش، وديفيد بورين، الرئيس السابق للجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ وصديق اسرة بوش. يصف الكتاب ايضا لقاء مطلع عام 2003 بغرفة الطوارئ والتخطيط في البيت الأبيض بين الجنرال جي غارنر، العسكري المتقاعد الذي عينه بوش لإدارة العراق خلال فترة ما بعد الحرب، والرئيس وآخرين. ووصف وودوارد كيف ان كبار مخططي الحرب لم تكن لديهم أي رغبة في معرفة تفاصيل مهام ما بعد الحرب. وبعد ان فرغ غارنر من العرض الذي قدمه ببرنامج «باواربوينت» لم تكن هناك اسئلة من أي من الحضور في الغرفة، فيما أشاد بوش بمجهوده. وكانت خطة غارنر تقوم على اساس الاستعانة بقوات قوامها 300000 جندي وضابط من الجيش العراقي لتأمين الاستقرار في العراق. إلا ان غارنر ازيح من موقعه ليحل محله بول بريمر، الذي أثار قراره بحل الجيش العراقي وطرد البعثيين انتقادات داخل الحكومة. ويشير الكتاب الى ان كبار مسؤولي الاستخبارات تفاجأوا خلال الايام الاولى للحرب عندما نفذ مقاتلون عراقيون هجمات انتحارية ضد القوات المدرعة الاميركية، وكانت تلك اول اشارة الى هجمات التمرد الدموية المقبلة. وفي لقاء مع تينيت تحدث عدد من مسؤولي البنتاغون حول هذه الهجمات، وأورد وودوارد ايضا ان تينيت اعترف بأنه لم يكن يعرف ما يمكن ان يفعل تجاه ذلك. يقول الكتاب ايضا ان رامسفيلد تدخل في مسائل بعيدة عن مسؤولياته الاساسية. فعلى سبيل المثال سافر بوش الى اوهايو، حيث تصنع دبابات أبرامز، وفي وقت لاحق اتصل رامسفيلد هاتفيا بكارد شاكيا وقال ان بوش ما كان يجب ان يقوم بتلك الزيارة لأن رامسفيلد يعتقد ان دبابات أبرامز لا تتوافق مع رؤيته ونظرته المستقبلية لجيش خفيف وسريع الحركة. وكتب وودوارد ان كارد يعتقد ان رامسفيلد شخص «خارج عن السيطرة». تسبب البحث غير المثمر عن اسلحة الدمار الشامل في توتر بين مكتب نائب الرئيس الاميركي، ديك تشيني، ومسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية في العراق. وأورد وودوارد: ان كاي، كبير مفتشي الاسلحة في العراق، بعث رسائل بريد الكتروني ابلغ من خلالها مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية مباشرة صيف عام 2003 بالنتائج المهمة التي توصل اليها. جاء في كتاب وودوارد انه عندما حذر كاي من ان العراقيين ربما كانت لديهم الامكانيات في السابق لصنع اسلحة دمار شامل لكنهم لم يستطيعوا انتاجها قال جون ماكلوخلين من نائب مدير وكالة الاستخبارات: «لا تقل هذا الحديث لأي شخص لأنه ربما يتسبب في إثارة الضيق. كن حذرا للغاية. لا يمكن ان نقول مثل هذا الحديث إلا بعد ان نتأكد تماما». كان تشيني ايضا، حسبما ورد في الكتاب، جزءا مع عملية التفتيش عن الاسلحة ومدركا لتفاصيلها. فقد استيقظ كاي الساعة الثالثة فجرا بواسطة واحد من مساعديه مبلغا اياه ان هناك مكالمة هاتفية من مكتب تشيني. ابلغ كاي بأن تشيني يريد ان يتأكد من انه (كاي) أطلع على اتصالات جرى اعتراضها في سوريا تتعلق بمواقع محتملة لأسلحة كيماوية. يذكر ان وودوارد وزميله كارل بيرنشتاين اشتهرا خلال تغطية «واشنطن بوست» بفضيحة ووترغيت، وبدأ وودوارد منذ ذلك الوقت في كتابة عدد من الكتب التي اصبحت من الأكثر مبيعا. وكانت هوية مصدر وودوارد في ووترغيت قد كشف النقاب عنها في الآونة الاخيرة واتضح ان الشخص المعني هو «و. مارك فيلت»، الذي كان ضابطا كبيرا بمكتب المباحث الفيدرالي (اف بي آي).

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الاوسط« شارك في إعداد هذا التقرير مارك مازيتي وديفيد جونستون من واشنطن وجولي بوسمان من نيويورك.