وزير المال اللبناني: سنسدد المبالغ المستحقة تسهيلاً لانتشار اليونيفيل مع أننا غير مسؤولين

أهالي الجنوب يرفضون تأجير أراضيهم بعد «تجربة مُرّة» ومستمرة منذ 1978

TT

يواجه تمركز قوات للأمم المتحدة، في الجنوب اللبناني مشكلة لوجستية سببها رفض اصحاب الاراضي تأجير هذه القوات أملاكهم في ظل لغط حول الجهة المسؤولة عن دفع تكاليف استئجار الاراضي والمنشآت اللازمة لانتشار قوات اليونيفيل، التي تشير الى أن الامر من مسؤولية الحكومة اللبنانية. والحكومة تنفي ليؤكد وزير المال الدكتور جهاد أزعور أن هناك خلافا موروثا منذ 1978 في وجهات النظر حول تحديد المسؤولية. ولأن تجربة ملاكي الاراضي الجنوبيين في هذا المجال لم تكن جيدة، تواجه الحكومة حاليا بعض العقبات في استئجار اراض جديدة، بسبب المبالغ التي لم تسدد الى بعض الملاكين والمتراكمة منذ العام 1978، أي عندما قدمت قوات الامم المتحدة للمرة الاولى الى لبنان بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 425. ويقول الناطق باسم الامم المتحدة في لبنان خالد منصور لـ«الشرق الاوسط»: يجب أن تحل قضية توفير أماكن إقامة قوات اليونيفيل لانتشارها في الجنوب اللبناني وتمكينها من القيام بمهامها لتنفيذ القرار 1701. وحل هذه القضية مرتبط بالحكومة اللبنانية وملاكي الاراضي. ونحن كأمم متحدة نعمل بكل ما نستطيع لحلها وتسهيل عمل قواتنا». لكن أزعور قال لـ«الشرق الاوسط» إن «مستحقات أصحاب الاراضي في جنوب لبنان تبلغ 4 مليارات ليرة لبنانية، اي ما يعادل مليونين و500 الف دولار». وأضاف «الموضوع لا يتعلق بعقبات مالية وانما هو موضوع خلاف تعاقدي مستمر منذ العام 1978. فالمفروض أن تدفع ادارة اليونيفيل بدلات ايجار الاراضي من ضمن ميزانيتها التي تسدد قسما منها الحكومة اللبنانية. لكن الامم المتحدة تعتبر أن تسديد هذه البدلات هو من مسؤولية الحكومة اللبنانية. ففي هذا الملف اختلاف في وجهات النظر ما أدى الى تراكم مستحقات أصحاب الاراضي منذ العام 1978». وأضاف: «في الوضع الراهن الذي نحن فيه ورغم أن الموضوع ليس واضحا بالنسبة الينا عقديا سحبنا الملف الذي كانت قد جرت آخر مراجعة بشأنه في فبراير (شباط) 2005، وقالت الحكومة السابقة انه ليس على عهدة الدولة وانما اليونيفيل. لكننا الآن بصدد انهائه، ليس بسبب عقدي وانما لتسهيل انتشار قوات اليونيفيل وتجنب وقوع مشكلة تعيق الانتشار». لكن أهالي الجنوب لا يزالون حائرين بين المسؤول الفعلي عن تسديد بدلات الايجار لهم. ويقول يوسف حيدر أحد أصحاب الاراضي في منطقة صور أنه لن يعيد تجربة العام 1978. «آنذاك فرحنا كثيرا لأننا تمكنا من تأجير أراضينا للدولة. لم نسأل كثيرا عن أجرة المتر التي لم تكن تتجاوز ثلاثة دولارات. فقد حسبنا أن اشغال الارض لفترة طويلة وبشكل منتظم سيعود علينا بايرادات ثابتة. لكننا اكتشفنا ان الدولة لا تدفع الا كل عشر سنوات».

وقال حيدر إن أصحاب الاراضي كانوا يملأون استمارات توافق عليها القوات الدولية ويقدمونها الى مجلس الجنوب بحضور مختار البلدة أو المنطقة. ولم يكن للمجلس ميزانية خاصة تتعلق بدفع بدلات الايجار للاراضي المشغولة من القوات الدولية. لكن صندوقه كان يسدد بعض البدلات عندما يتلقى الاعتمادات. وهذا الاسلوب لم يحل المشاكل التي بدأت تزداد بعد سنوات ولم تعد الاعتمادات تصل الى مجلس الجنوب ليحصر أمر دفع المبالغ المتراكمة بوزارة المال دون غيرها».

الوزير أزعور أوضح أن الحكومة اللبنانية سددت مرتين بعض المبالغ المتراكمة وذلك عام 1996 وبعد التحرير عام 2000. لكنه لم يوضح الأسباب، اذا لم تكن الحكومة اللبنانية هي الجهة الملزمة تسديد بدلات الايجار للاراضي التي تقيم فيها قوات الامم المتحدة. وكان الامين العام للأمم المتحدة كوفي أنان قد ذكر هذه المشكلة في تقاريره، داعيا الدولة اللبنانية الى تنفيذ التزاماتها وتأمين الاراضي المطلوبة لاقامة القوات الدولية التي بلغ عديدها الآن خمسة آلاف جندي. ولأن أهالي الجنوب لا يريدون تكرار التجربة السابقة، يرفضون حاليا تأجير أراضيهم لتتمركز فيها قوات اليونيفيل، لا سيما في مدينة صور والساحل الممتد حتى الناقورة، ذلك أن هذه الاراضي تعتبر سياحية وتدر ارباحا كبيرة على اصحابها عندما يعمدون الى استثمارها في المشاريع السياحية. وتشير مصادر في الامم المتحدة الى أن السلطات الاسرائيلية تبرر عدم استكمال الانسحاب الاسرائيلي الكامل من المواقع العشرة التي لا تزال تحتلها في الجنوب اللبناني، بعدم تمركز القوات الدولية الحالية حيث يجب، ليتم تنفيذ الانسحاب على ضوء هذا التمركز. وكانت مصادر الامم المتحدة على لسان قائدها الان بلليغريني ونائبه فيليب لوبرا قد أكدت أن المواقع الاسرائيلية تمتد على أكثر من نصف الشريط الحدودي بعمق كيلومتر الى ثلاثة كيلومترات داخل الاراضي اللبنانية. وفي حين كان الاسرائيليون قد وعدوا بتنفيذ انسحابهم الكامل اواخر الاسبوع الحالي، كان لوبرا قد صرح أن الجيش اللبناني يفتقر الى التجهيزات و«غير قادر على السيطرة على الاراضي التي كان يسيطر عليها حزب الله». وقد تردد أن الجيش يفتقر الى الخيم وذخائر الاسلحة الخفيفة ومياه الشرب، كذلك يفتقر الى أماكن الاقامة والانتشار.

مدير التوجيه في الجيش اللبناني العميد صالح الحاج سليمان أوضح لـ«الشرق الاوسط» أن «الجنوب اللبناني يضم ثلاث ثكنات فقط، في النبطية ومرجعيون وراشيا. ويجب أن نستأجر مباني وأراضي من قبل الدولة».

وشدد على أن «عقود استئجار الاراضي الصالحة للتمركز تستوجب اجراء دراسة خاصة. وما يناسبنا قد لا يناسب صاحب الارض فلا يؤجرنا إياها. الا اننا لا نواجه مشكلة بالمعنى الحقيقي للكلمة. لكن هذه المسائل تحتاج الى تحديد الاطر القانونية لابرام عقود الايجار وتحديد الجهة التي ستدفع لأصحاب الاراضي بعد اجراء التخمينات اللازمة».

وأشار الى أنه بعد غياب الجيش اللبناني 40 عاما عن الجنوب عاد ليجد أن اراضي المشاع باتت شبه نادرة، «فالقرى اصبحت متلاصقة ولم تعد فراغات الاراضي الخالية من السكان متوفرة كما كانت سابقا. وحجم القوات الدولية وعديد الجيش اللبناني كبير. لكن لا نقص لدينا. هناك فقط مرحلة ترقب بانتظار استكمال الانسحاب وتسلم الاراضي التي سيخليها الجيش الاسرائيلي». عن العقبات الناتجة عن عدم تسديد الحكومة اللبنانية بدلات الايجار لأصحاب الاراضي قال سليمان: «هناك اتجاه لتسديد المبالغ المتراكمة. وهناك منشآت تركتها القوات الدولية للأهالي وهم يستفيدون منها. المهم وضع الاطر القانونية لتحل المشاكل المتعلقة بالعقود». ولفت الى أن «هناك أراضي غير مستثمرة ووجود قوات اليونيفيل يمنح أصحابها فرصة للاستفادة كما يحرك العجلة الاقتصادية في الجنوب اللبناني ويقدم فرص عمل لعدد كبير من الجنوبيين ويفتح مجالات تجارية واسعة». وأشار الى أن «موضوع الجيش اللبناني يختلف عن موضوع قوات اليونيفيل. لأن حالة الجيش اللبناني لا تتجاوز تحديد الالية القانونية والادارية وتخصيص الموازنة اللازمة لتنفيذ هذه الآلية».