عشائر الرمادي تطارد الجماعات المسلحة بدعم من الحكومة

محققون جنائيون: العراقيون يبحثون عن الحقيقة في ميدان المعركة

TT

بدأت قوات عراقية وأميركية بدعم من زعماء القبائل والعشائر عمليات عسكرية لملاحقة الجماعات المسلحة وتضييق الخناق عليها في مدينة الرمادي (118 كم غرب بغداد).

وقال مأمون العلواني، محافظ الرمادي، في تصريح صحافي «إن عشائر الانبار لن تتراجع عن انتفاضتها ضد الارهابيين وسوف تمضي لمطاردتهم في كل مكان»، حسب تقرير لوكالة الانباء الالمانية.

وتعد مدينة الرمادي التي يقطنها نحو مليون شخص من العرب السنة أكبر مدن العراق مساحة ولها حدود برية صحراوية واسعة مع كل من سورية والاردن والسعودية وتشهد أعمال عنف متواصلة منذ الاطاحة بالرئيس العراقي السابق صدام حسين في ابريل (نيسان) 2003.

وتشكل المدينة وكذلك بلداتها، الفلوجة والقائم وهيت وعانه وحديثة والخالدية والكرمة، إزعاجا ومصدر قلق للجيش الأميركي الذي قتل 2711 من عسكرييه منذ الاطاحة بصدام وحتى نهاية الشهر الماضي في العراق غالبيتهم في هذه المناطق، فضلا عن تدمير عشرات الآليات العسكرية وعدد من المروحيات.

وقال العلواني «لقد قطعنا العهد لرئيس الوزراء نوري المالكي الاسبوع الماضي على ملاحقة الارهابيين».

وشكل اجتماع المالكي مع زعماء القبائل في الرمادي الاسبوع الماضي حدثا مهما فشلت الحكومات التي تشكلت بعد الاطاحة بصدام في عقده حيث استهدف إعادة الثقة مع زعماء قبائل المدينة ومد جسور التعاون معهم في ملاحقة الجماعات المسلحة التي تفد عبر الحدود الصحراوية مع بلدان الجوار. وأعلن التلفزيون العراقي الحكومي امس عن مقتل «30 إرهابيا» في عملية عسكرية مشتركة بين القوات الأميركية والشرطة العراقية في منطقة الطرح في الرمادي.

وأعلن العلواني عن تشكيل قوة عسكرية حكومية «لحماية الطريق الخارجي وتأمين الحماية لمنفذ طريبيل الحدودي مع الاردن والوليد الحدودي مع سورية» اللذين يشهدان باستمرار عمليات قتل وخطف لمطاردة الجماعات المسلحة قائلا إن هذه القوة «ستجهز بأحدث الاسلحة».

ومن جانبه، أكد رئيس المجلس المحلي في مدينة الرمادي عبد السلام عبد الله في تصريح صحافي ضرورة «رد الاعتبار إلى أهالي مدينة الرمادي.. نحن عازمون على مقاتلة الارهابيين وتصفيتهم».

وتقوم قوات أميركية بتنفيذ هجمات ومداهمات وغارات جوية متواصلة على معاقل الجماعات المسلحة في الرمادي كان آخرها في منطقتي الحميرة وهيت. ونجحت بعض العشائر بالتعاون مع قوات الشرطة في قتل أربعة مسلحين واعتقال ثمانية آخرين الاسبوع الماضي.

وقال مستشار الامن القومي العراقي موفق الربيعي إن «شيوخ العشائر في الرمادي أصبحوا يدا واحدة مع الحكومة وبدأوا يحاربون الارهابيين ويطردونهم من المدينة».

وأضاف أن «شيوخ الرمادي يناقشون أولاً بأول مع المالكي أمور الجيش والشرطة واعادة الاعمار وتقديم الدعم الحكومي لهم في حربهم ضد القاعدة بالتعاون مع القوات العراقية» متعهدا بمواصلة دعم الحكومة لشيوخ العشائر في الرمادي «بالمال والرجال والعتاد وكل ما أوتينا من قوة».

ومن جهة اخرى، فمن شأن ارتفاع معدل جرائم القتل بنسبة 30 بالمائة ان يفوق قدرات أفضل المحققين تجهيزا لكن المقدم أمير من وحدة التحقيق الميداني يرفض اليأس.

وفي حين يودي العنف بحياة نحو مائة شخص كل يوم في العراق يعتقد المقدم، الذي عمل 23 عاما في الشرطة في عهد الرئيس المخلوع صدام حسين، ان اكاديمية جديدة للطب الشرعي تفتتح اليوم قد تحدث فرقا كبيرا. لكن ذلك يحتاج لمزيد من التجهيزات.

وابلغ رويترز وهو يستعد للافتتاح مع مستشارين بريطانيين وأميركيين «اذا توفرت لنا الادوات الصحيحة يكون لدينا خبراء بما يكفي. يمكننا عمل الكثير»، لكن ما زال يتعين عليه اقناع أغلب زملائه بأن يفكروا على الاقل في استدعاء وحدة التحقيق الميداني قبل ان يردموا الادلة في أحدث انفجار او اغتيال. وهو يقر كذلك بأن فرق قتل طائفية تعمل من خلال الشرطة نفسها لا ترحب بجهوده.

وقال أمير «قبل الحرب كان معدل جرائم القتل منخفضا للغاية، يصل الى نحو عشرة في الشهر... والان بلغ نحو ألف في الشهر وفي الاشهر الثلاثة الماضية زاد على ثلاثة الاف».

ويقول أمير، 45 عاما، الذي يستخدم اسمه الاول فقط لتأمين نفسه، انه نادرا ما تحل جرائم القتل فهي تقع في اطار حرب اكثر منها موجة جرائم، وفي نحو خمسة بالمائة فقط من الجرائم تعاين وحدة التحقيق الميداني الموقع.

ويضيف أمير ان لديه الآن 28 خبيرا في التحقيق الميداني في بغداد بالمقارنة مع 12 قبل الحرب، ويدعمهم 300 عامل فني استفادوا من برامج تدريب ومعدات من مستشارين أميركيين وبريطانيين تكلفت ملايين الدولارات.

وعلى الرغم من بعدها التام عن التحليلات عالية التقنية التي تظهرها أفلام هوليوود وغيرها من العروض التي تمجد عمل وحدات التحقيق الميداني فان هذه الوحدة في بغداد وخمس وحدات أخرى في مختلف ارجاء البلاد تستخدم المعدات الاساسية المستخدمة في مكتب التحقيقات الاتحادي الأميركي او سكوتلانديارد (الشرطة البريطانية).

ويستعرض أمير بفخر معدات رفع البصمات التي تستخدم لتدريب الضباط ومصابيح أشعة فوق البنفسجية وعدسات مكبرة.

وعلى الجانب على طاولة عمل من الصلب يرقد جهاز لضبط الوقت خاص بغسالة أطباق وموصل بهاتف محمول وهو أداة تفجير بسيطة لكن فعالة جلبت من قنبلة على جانب طريق تم ابطال مفعولها في بغداد الشهر الماضي. وبدت بصمة ظاهرة على الجهاز.

ولكن هل أوصلت هذه البصمة الى حل لغز الجريمة.. أشاح أمير بوجهه قائلا «لا». ويقول مسؤولون ان اثنين بالمائة فقط من الادانات تنتج عن أدلة جنائية، غير ان خبراء الادلة الجنائية يساعدون كذلك في التعرف على المشتبه فيهم والحصول على الاعترافات، وهي أقوى عنصر في القضايا التي تنظر في المحاكم العراقية. واقامة الاكاديمية الجنائية الجديدة التي تكلفت ثلاثة ملايين دولار داخل موقع التدريب الرئيسي للشرطة في بغداد يهدف جزئيا الى اقناع بقية افراد الشرطة في العراق بتقدير قيمة الخبراء في هذا المجال.

ويعترف أمير، ومستشاروه البريطانيون والأميركيون، بأن الشرطة نفسها كثيرا ما تمنع فرق التحقيق الميداني من النزول الى موقع الجريمة، كما ان افراد هذه الفرق يتعرضون في بعض الاحيان لهجمات ببنادق أو قنابل.

ويقول أمير «لكن يتعين علينا القيام بذلك... اذا امكننا رفع البصمات قد نتمكن من حماية حياة آلاف العراقيين».

ويتحدث مستشاروه بتقدير كبير عن مهارات وحدة التحقيق الميداني في بغداد التي تعمل في منطقة حرب وتجمع الادلة على عجل في حين يحتاج نظراؤهم في الخارج لايام أو اسابيع لجمع العينات.

ويقول بوب لامبورن، وهو رجل شرطة سابق بريطاني عمل في كوسوفو وشهد ضد سلوبودان ميلوشيفيتش في محكمة لاهاي قبل أن يحضر لتدريب العراقيين، «يشهدون في شهر واحد مواقع جرائم تبلغ في المتوسط ما يشهده شرطي بريطاني في حياته العملية كلها» وأضاف «يمكنهم تعليمنا شيئا أو أكثر». وتدليلا على قدرات الفريق أشاروا الى دوره في فحص انقاض مسجد في سامراء القيت مسؤولية تدميره في فبراير (شباط) الماضي على تنظيم «القاعدة»، وأثار تدميره أعنف موجة عنف في الاشهر القليلة الماضية. ولكن أمير وفريقه يشعرون بالتجاهل على أفضل تقدير وبمعارضة اخرين من رجال الشرطة لعملهم على أسوأ تقدير.

ويقول «لم نتلق أي مساعدة من وزارة الداخلية... لا اعتقد انهم يقدرون علمي».

ويقول لامبورن، ومايكل هولمارك نظيره الأميركي، ان الفريق ينأى بنفسه عن السياسة. لكن أحد مساعدي أمير لم يستطع منع نفسه من انتقاد قوة يهيمن عليها الشيعة فقال «لديهم مهمة أخرى... القتل».

ويقر قادة أميركيون وعراقيون بمشكلة تسلل ميليشيات شيعية في الاساس داخل قوات الشرطة ويقولون انهم يعتزمون معالجة هذه المشكلة. وقال هولمارك ان فرق التحقيق الميداني «تلقى معارضة كبيرة بسبب هذه الميليشيات» التي لا ترغب في كشف الجناة في جرائم القتل.

وقال لامبورن «تحقيقاتنا هي مجرد بحث عن الحقيقة... ماذا يفعل الناس بالحقيقة هذا أمر آخر».