الأوضاع الاقتصادية وتزايد عدد العازبات يفرض تغييرا في عادات وتكاليف الزواج الفلسطينية

TT

من بين المشاكل الكثيرة، التي خلقها الهبوط الاقتصادي لهذه البلدة، التي تقع على طرف صحراء يهودا، لا يرى جهاد مناصرة شيئا اكثر من تهديد العدد المتزايد للنساء العازبات، اللواتي يرتدين ملابس أنيقة وهن يمشين في الشوارع الضيقة. واصبح الزواج، الذي كان تعبيرا مبهجا عن الحب والمكانة الاجتماعية هنا، تقليدا لم يعد كثيرون قادرون على توفير متطلباته.

ولهذا فان مناصرة، إمام الجامع المحلي، قدم الشهر الماضي عقدا اجتماعيا غير مألوف لمئات عدة من الرجال المجتمعين من أجل ندوة عامة نادرة، اذ وضع هذا العقد سقفا لكلفة الاعراس والمهور، التي تضخمت الى حد كبير في هذه المدينة، التي كانت تنعم بالرخاء ذات يوم، وهي تضم التجار والعمال اليوميين والموظفين، الذين يتكيفون شأنهم شأن الكثير غيرهم في الضفة الغربية الآن، مع الظروف الصعبة.

ويعتبر انخفاض معدل الزواج هنا مثالا واحدا على التحول الاجتماعي، وسط ما يسميه البنك الدولي «انكماشا اقتصاديا غير مسبوق» في الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد ادت القيود المالية بطرق مختلفة كبيرة، يحتمل ان تدوم لفترة أطول من الأزمة ذاتها، الى تحول في السلطة السياسية وديموغرافية الاراضي الفلسطينية، وكذلك التركيبة الاسرية والعادات فيها.

واذ تواجه الحكومة الفلسطينية صعوبات من دون المساعدة الأجنبية ودفعات الضرائب الاسرائيلية، فإن العشائر الكبيرة تعيد تأكيد سلطتها، باعتبارها فارضة الطقوس المحافظة، التي تحكمت بالحياة في بلدات مثل هذه عبر أجيال. ولكنها غالبا ما تقوم بهذا بناء على طلب الزعماء الاسلاميين، الذين يصورون الهبوط الاقتصادي، فرصة لكبح جماح التطرف العلماني وتعزيز النظرة الى الزواج، باعتباره شيئا يجب ان يتم مبكرا وغالبا.

وقال مناصرة، 37 عاما، الذي انتخب للمجلس البلدي العام الماضي، مرشحا اسلاميا مستقلا «هذه فرصة لاستخدام هذا الحصار لتخليص انفسنا من هذه العادات القديمة التي لا نحتاجها. سيكون هذا تقليدا جديدا ننقله الى الجيل المقبل». وعبر الضفة وغزة يغادر الشباب البلدات والقرى بحثا عن عمل في المدن الفلسطينية الكبيرة، تاركين تجمعات مثل هذه تعاني من نسبة عالية من النساء العازبات. وفي الوقت نفسه فان عددا متزايدا من النساء الفلسطينيات يسعين الى درجات عالية في العلم ومهن اعلى لهن، من اجل مساعدة الأزواج على تلبية المتطلبات، ويقول مسؤولون في الجامعات يتابعون الموضوع، انه اتجاه تسارع خلال الأشهر السبعة، التي تسلمت فيها حركة حماس السلطة.

وفي بني نعيم، البلدة التي تضم 20 ألفا شرق الخليل، بدأت هجرة الرجال الشباب قبل سنوات قليلة، ويقول وجهاء البلدة، انها تسارعت في العام الحالي. وقد انعكس هذا الاتجاه في موسم الزواج الصيفي، الذي كان وفق كل الحسابات الأدنى في التاريخ الذي يتذكره أهلها.

والنساء هنا يتزوجن، على العموم، في سن تتراوح بين التاسعة عشرة والثانية والعشرين، ولكن كثيرات منهن ما زلن عازبات لفترة أطول.

وقال يوسف مناصرة، 50 عاما، وهو زعيم عشائري يعمل وسيطا في «جرائم الشرف»، انه «اذا كن عازبات في هذه السن، فان هناك فرصة أكبر في ان ينحرفن عن الطريق القويم».

وأضاف، «نحن نقوم بهذا من أجل ان يتزوجن جميعهن. نريد حمايتهن».

كما يشعر الزعماء الاسلاميون بقلق من تزايد أعداد الرجال المعارضين للزواج بامرأة ثانية، غالبا ما تكون ارملة بحاجة الى المساعدة المالية، بسبب التكاليف المرتبطة بحفل الزفاف.

وفي هذه البلدة، حيث تطل البيوت الحجرية على وديان بساتين الزيتون، ارتفع معدل كلفة الزواج الى 15 الف دولار في سنوات الرخاء بين الانتفاضتين. ولكن كثيرا من البيوت الجديدة تبقى نصف مشيدة، وهو دليل على اسلوب حياة اصبح شيئا من الماضي.

ويتضمن العرس الفلسطيني عددا من الحفلات وزيارات لصالون التجميل وغالبا ما يستخدم مهر العروس كمقياس للموقع الاجتماعي. والعروس تتوقع هنا أن يزودها العريس بـ300 غرام من الذهب وأثاث لغرفة النوم وخزانة ملابس جديدة، وكل هذه العناصر تعتبرها العوائل نوعا من بوليصة التأمين ضد الطلاق.

كذلك هناك احتفال بعقد القران، الذي يتطلب ذبح خروف مع عدة زيارات للعروس لصالون التجميل قبل العرس. كذلك تتطلب العادات أن يؤجر العريس قافلة من السيارات لأخذ العروس في يوم الزفاف، الذي يتوج بحفلة عشاء يذبح من أجلها أكثر من عشرة خراف مع عرض لألعاب نارية باهظة الثمن.

وقال يوسف غانم، 35 سنة، الذي ما زال أعزب، ولم يستلم سوى جزء صغير من راتبه من الحكومة الفلسطينية من عمله مدرسا: «حتى الراتب الكامل غير كاف لتغطية نفقات عرس. على المرء أن ينتظر ست أو سبع سنوات كي يتمكن من تغطية التكاليف».

وبعد سماعه للشكاوى في مسجده من عدد من الرجال، جمع جهاد مناصرة زعماء أربع عوائل كبيرة، تشكل 95% من سكان البلدة. وقال إن مقاومتهم للتغيير كانت نابعة من مخاوفهم من أن يؤدي تخفيض المهر إلى «تهديد حقوق النساء عن طريق جعل الزوج يفكر بأن زوجته غير غالية الثمن وهذا ما يجعل الطلاق بالنسبة له أسهل».

لكن مناصرة قال: «نحن أخبرناهم بأن الناس الذين يتزوجون بهذه الطريقة الباهظة الثمن يطلقون أيضا».

وبعد عشرة لقاءات خلال الصيف الماضي، تم التوصل إلى اتفاق في سبتمبر (ايلول) الماضي يخطط المناصرة لنشر تفاصيله عبر الضفة الغربية. وسمي الاتفاق بـ«وثيقة اللياقة»، وهي تضع حدودا حتى للتفاصيل الصغيرة المتعلقة بالزواج.

وانخفضت قيمة المهر إلى 150 غراما من الذهب وملابس وأثاث قيمتها تصل إلى 1000 دولار. وحلت الكنافة محل الخروف عند عقد القرآن. وستكون هناك زيارة واحدة للصالون في يوم العرس نفسه ومن دون قافلة سيارات الاجرة. وتكون مأدبة العشاء صغيرة ومن دون ألعاب نارية. وتحمل الاتفاقية تواقيع واختام رؤساء العوائل، وجمعيات إسلامية ومراكز رياضية واتحادات زراعية، بل حتى شركة سيارات الاجرة المحلية التي ستخسر في عملها أيضا. وبعد أن سئلت عن رأيها وقعت جمعية نساء بني نعيم الخيرية على الاتفاق. وقالت ليلى المناصرة، 19 سنة، العضو في مجلس إدارة هذه الجمعية وتدرس الزراعة في جامعة الخليل «الكثير من الرجال يتركون هذا المكان بحثا عن زوجة أقل تكلفة في مكان آخر».

واضافت ان «الاتفاق هو علامة على التغير. فالكثير من النساء يسعين إلى الحصول على وظائف خارج المجالات التقليدية، مثل التمريض والخياطة لمساعدة أزواجهن في دفع الفواتير، بدلا من زيادة الديون على أسرهن» واستطردت وهي تبتسم «إذا كان الزوج جيدا فإن المهر لا أهمية له بأي حال من الأحوال».

* خدمة «واشنطن بوست» - خاص بـ «الشرق الأوسط»