بيريس يدعو الأسد لزيارة القدس لإثبات جديته بالسلام.. ويتراجع بعد توبيخ من أولمرت

أوساط سورية تعتبر التصريحات موقفا قديما للتهرب من استحقاقات السلام

TT

تراجع القائم بأعمال رئيس الحكومة الاسرائيلية، شيمعون بيريس، عن دعوة وجهها الى الرئيس السوري، بشار الأسد، بالقدوم الى القدس في «زيارة سلام مثل زيارة الرئيس المصري أنور السادات في العام 1977»، وقال مفسرا تراجعه انه أراد فقط جس النبض لدى الرئيس السوري مع انه واثق من انه لم يكن ليلبي الدعوة. وجاءت دعوة بيريس ردا على حديث ادلى به الرئيس السوري الى التلفزيون البريطاني وأكد فيه ان دمشق تسعى للسلام.

وفي دمشق رأت أوساط سياسية سورية أن تصريحات بيريس الأخيرة ليست جديدة بل إنها قديمة ومنذ بدء المفاوضات على المسار السوري الإسرائيلي قبل ستة عشر عاماً، وأنها تشكل جزءاً من موقف الحكومة الإسرائيلية الهدف منه التهرب من استحقاقات السلام.

وكانت دعوة بيريس للأسد قد جوبهت برد فعل غاضب من رئيس الحكومة الاسرائيلية، ايهود أولمرت، الذي نقل على لسانه انه وبخ بيريس عليها، وابلغه بأنه يورط اسرائيل مع الإدارة الأميركية، التي لم تعد تحتمل تصريحات الوزراء الاسرائيليين في الغزل مع دمشق. وقال له «ان هناك موقفا دوليا واضحا ضد النظام السوري بسبب دعمه للإرهاب في العراق وفي لبنان وفي المناطق الفلسطينية، ولا يجوز أن تظهر اسرائيل في موقف مخالف». وسأله: ماذا كنت ستفعل لو ان الأسد رد على دعوتك بالايجاب؟! وفي الحال نشر بيريس تراجعه عن هذه الدعوة، ولمّح بأنه لم يكن جادا في اطلاقها، انما أراد وضع الأسد في حالة حرج مع الغرب، «الذي يكثر الرئيس السوري من مخاطبته في الآونة الأخيرة بالتظاهر في الرغبة بالسلام، فيما هو في الواقع يحدث أكبر الضرر لعملية السلام ويتحالف مع اسوأ القوى التخريبية في عملية السلام».

المعروف ان بيريس يتخذ موقفا عدائيا مثابرا من سورية منذ العام 1996. فهو يتهمها بالتسبب في خسارته الانتخابات لرئاسة الحكومة في حينه، أمام مرشح اليمين بنيامين نتنياهو. ففي تلك السنة تولى بيريس رئاسة الحكومة اثر مقتل اسحق رابين (نوفمبر 1995)، وأعلن انه سيكمل طريق السلام الذي بدأه رابين. ثم وقعت سلسلة من عمليات تفجير فلسطينية في المدن الاسرائيلية أسفرت عن مقتل عشرات الاسرائيليين. وقد عزا بيريس في حينه خسارته في انتخابات 1996 الى هذه العمليات التي حمل سورية مسؤولية دعمها وتشجيعها. ومنذ ذلك الوقت لا يفوت فرصة لمهاجمة الأسد الأب والابن وقيادتهما السياسية والأمنية. وساهم في تعزيز مواقف الحكومات الاسرائيلية التي شارك فيها ضد أي تفاهم مع سورية.

بيد ان هذا الموقف يواجه بمعارضة شديدة من أوساط عديدة في اسرائيل. وفي الشهر الماضي توجه 68 شخصية سياسية وعسكرية بارزة في اسرائيل برسالة الى رئيس الوزراء، أولمرت، يطالبونه بإحداث انعطاف في الموقف الاسرائيلي من سورية. وانضم الى هذا الموقف عدد من الوزراء الكبار في الحكومة، أمثال وزير الدفاع، عمير بيرتس، ووزير الأمن الداخلي رئيس المخابرات العامة السابق، آفي ديختر، ورئيسة الكنيست، داليا ايتسيك، ورئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق، الجنرال أوري ساغي. وأبدى هؤلاء ادراكا للموقف الأميركي الرافض لأية اتصالات اسرائيلية سورية، فقالوا انهم لا يقترحون التصادم مع الموقف الأميركي، بل يقترحون التوجه الى الرئيس جورج بوش بشكل ودي وتقديم الشرح له بأن السلام مع سورية يفيد المصالح المشتركة لاسرائيل والولايات المتحدة، حيث انه يؤدي الى عزل ايران وحزب الله ويضعف الموقف الفلسطيني ويحاصر قيادة «حماس» في الخارج التي تتغذى من العداء الاسرائيلي ـ الأميركي لسورية.

ولكن أولمرت رفض هذا التوجه ووبخ وزراءه الذين يتحدثون عن تفاهم مع سورية ويبدون الاستعداد للانسحاب من الجولان مقابل هذا السلام، وقال بشكل قاطع: «لن تنسحب اسرائيل من الجولان طالما أنا رئيس حكومة».

وفي سورية رأت الأوساط السياسية إن بيريس يتكلم ضمن ما يخدم حكومة أولمرت الرافضة أصلاً للسلام في ضوء أسبابها الداخلية وذهاب الصحافة الإسرائيلية نحو انتقاد مواقف الحكومة الإسرائيلية الحالية.

ولفتت الأوساط السياسية إلى أنه سبق للإسرائيليين أن رددوا كلام بيريس نفسه خلال المفاوضات التي جرت على المسار السوري عقب مؤتمر مدريد وفي أيام إسحق شامير، معتبرة أن هذا الكلام لا يخرج عن كونه مجرد ذرائع مختلفة ومكشوفة يطلقها الإسرائيليون تهرباً من مواجهتهم لاستحقاق السلام الذي لا يمتلكون القدرة على مواجهته.

وأعربت الأوساط السياسية السورية عن اعتقادها بأن بيريس المختلف أصلاً عن أولمرت يسعى من أجل أن يبدو منسجماً مع موقف حكومته ويريد خدمتها من خلال طروحاته الأخيرة، وخاصة في المرحلة الراهنة التي تشهد تجاذبات للتعاون بين أولمرت وحزب «كاديما» على حساب حزب العمل، الأمر الذي ربما دفع بيريس للعمل على خدمة أولمرت بهدف الحفاظ على تحالفه معه، وبالتالي الظهور بمظهر الحريص على السلام، وهو الذي عرف من خلال تاريخه السياسي بالعمل على عرقلة العملية السلمية وخاصة يوم كان رئيساً للحكومة الإسرائيلية.