الحكومة السودانية وجبهة الشرق توقعان في أسمرة اتفاق قسمة السلطة

مستشار الرئيس الإريتري لـ«الشرق الأوسط»: الاتفاق تاريخي ويعالج تهميش أهل الشرق

TT

وصفت الحكومة الاريترية امس اتفاق السلام الذي تم التوصل اليه بين الحكومة السودانية وجبهة الشرق من خلال المفاوضات التي استضافتها أسمرة منذ منتصف يونيو (حزيران) الماضي والتي قاربت الاربعة شهور، بأنه اتفاق تاريخي قابل للتنفيذ ويعالج التهميش السياسي والثقافي والاقتصادي ويخاطب مصالح أهل شرق السودان أولا.

وقال مستشار الرئيس الاريتري مسؤول الشؤون التنظيمية في الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة (الحزب الحاكم) وأحد الوسطاء الاريتريين «انه اتفاق سوداني ـ سوداني يتميز عن الاتفاقيات الاخرى لأنه تم بحثه دون أي ضغوطات خارجية وتراضى عليه الطرفان في مناقشاته ومبادئه وإطاره العام وتفاصيله وعبر عن ارادة صادقة من كلا الطرفين للوصول الى حل سياسي متفاوض عليه واضعين في المقام الأول مصلحة أهل الشرق والسودان عامة».

وأضاف عبد الله جابر في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «في تقديري ان الروح التي سادت المفاوضات منذ بدايتها وحتى آخر لحظة توقيع اتفاق السلطة وضعت اساسا متينا لتنفيذ هذا الاتفاق بصورة سلسلة وعادلة مقارنة بالاتفاقات التي شهدتها نيفاشا وأبوجا».

وعن أهم العقبات التي واجهت الوسطاء اشار جابر إلى أن العقبات كانت عديدة وفي كل الملفات «الثروة، والسلطة، والترتيبات الأمنية»، لكنه قال ان كل هذه العقبات استطعنا تجاوزها نتيجة حرص الطرفين ومرونتهم ولم نجد أي طرف يتمترس في موقعه بل كان يبحث مع الوسيط عن حلول ومخارج وتقديم خيارات منطقية لإقناع الطرف الآخر وبحكمة الاطراف واتباعهم لهذا النهج استطعنا تجاوز العقبات»، نافيا في ذات الوقت ان تكون هنالك أي عقبة استدعت تدخل الرئيس الاريتري اسياس افورقي.

وعما اذا كانت المفاوضات قد وصلت الى مرحلة النسف في احد مراحلها قال المسؤول الاريتري «بعض العقبات أخرت المفاوضات وأطالتها لحد ما لكننا لم نصل الى مرحلة تهدد بنسف الاتفاق». وعما اذا كان بامكان الوسيط الاريتري ان يطبق نجاحه في الشرق في القضايا المتبقية مثل دارفور وصولا الى سلام شامل قال جابر «دارفور تختلف عن الشرق ولكن اذا توفرت الارادة بين الطرفين مثل ما توفرت في قضية الشرق فبالامكان محاولة ذلك لأن القضايا هي قضايا سودانية والحل دائما بأيدي السودانيين وأن دور الوسيط ما هو الا مساع حميدة لتقريب وجهات النظر وردم الفجوة فما المانع».

وأكد جابر ان بلاده تنظر الى هذه الاتفاقية على انها اتفاق تاريخي سوداني ـ سوداني وقال «انه اتفاق قابل للتنفيذ واتفاق يعالج التهميش السياسي والثقافي والاقتصادي وأيضا يخاطب مصالح أهل الشرق أولا وقبل كل شيء».

ويعتبر المسؤول عبد الله جابر احد الوسطاء الاريتريين الثلاثة الذين اداروا المفاوضات الى جانب رئيس الوساطة الاريترية يماني قبرآب ورجل الدبلوماسية الاريترية مسؤول دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا بوزارة الخارجية السفير محمد عمر محمود اضافة الى قائد منطقة العمليات العسكرية الاولى العميد تخلي منجوس وحظيت مراحل المفاوضات باهتمام رجل الشارع الاريتري العادي رغم التكتم الاعلامي الشديد وإجماع وطني نظرا للتداخلات بين البلدين ووشائج القربى والتاريخ.

وكان عبد الله جابر قد اطلق عبارته المشهورة في اجتماع تأسيسي لجبهة الشرق قبل عامين حضره الراحل وزير الخارجية الاريتري علي سيد عبد الله قائلا «ما يؤثر على شرق السودان سلبا كان أم ايجابا يؤثر على اريتريا».

وكان الرئيس الاريتري قد التقى الاسبوع الماضي الادارات الاهلية من عمد ونظار قبائل والفعاليات السياسية في شرق السودان، مؤكدا ان ما تقوم به بلاده تجاه شرق السودان ما هو الا واجب تمليه وشائج العلاقات والتاريخ المشترك.

ومرت المفاوضات منذ انطلاقتها في اسمرة في يونيو (حزيران) الماضي بعدة محطات منها توقيع اعلان المبادئ ووقف العدائيات في يوليو الماضي ثم توقيع بروتوكولي الملف الأمني وملف الثروة نهاية الشهر الماضي وصولا الى توقيع اخر الملفات وهو ملف تقاسم السلطة أول أمس.

ويعتقد المراقبون ان التوصل الى سلام دائم في شرق السودان سيقود الى تحولات جديدة في المنطقة، وسيقود ايضا الى افاق جديدة في العلاقات الاريترية السودانية وسيؤدي الى الايذان بفتح كافة المنافذ بين البلدين. ويؤكد الرئيس الاريتري باستمرار ان بلاده تنظر الى شرق السودان على انه معبر الى كافة انحاء ومناطق السودان الأخرى.

ويعتقد المراقبون ايضا ان تحقيق السلام في شرق السودان في فترة وجيزة سيفتح أمام اريتريا وهي الأقل مساحة وتعدادا بين دول المنطقة الباب على مصراعيه لحلحلة اشكالات دول القرن الافريقي المستعصية للواقع الى مرحلة جديدة.

وتعاني المنطقة في الوقت ذاته اضافة للأوضاع الصومالية والتدخلات الاثيوبية فيه والمشكلة السودانية في دارفور ومشكلة عدم ترسيم الحدود الاريترية الاثيوبية والأوضاع الداخلية الاثيوبية، من مشاكل الفقر والمرض والجفاف وسوء التنمية والإدارة.

وكانت الحكومة السودانية وجبهة الشرق وقعتا في وقت متأخر اول امس على اتفاق قسمة السلطة آخر ملفات التفاوض الثلاثة. وأعلن الوسيط الاريتري ان توقيع اتفاق السلام النهائي سيجري يوم السبت المقبل وذلك بحضور الرئيس الاريتري اسياس افورقي والرئيس السوداني عمر البشير. ووجهت الدعوات لعدد من رؤساء وزعماء الدول العربية والدول المجاورة والأمين العام للجامعة العربية والأمين العام لتجمع الساحل والصحراء والاتحاد الأوروبي وسكرتير الايقاد وبعض الدول الافريقية العربية لحضور حفل التوقيع النهائي ومن المقرر ايضا مشاركة نائب الرئيس السوداني علي عثمان محمد طه والفريق سيلفا كبير. ووقع اتفاق قسمة السلطة كل من محمد صالح عن جبهة الشرق ومحمد حامد عن الحكومة السودانية بحضور رئيس وفد التفاوض موسى محمد احمد والدكتور مصطفى عثمان اسماعيل مستشار الرئيس السوداني والوسيط يماني قبرآب وعدد من القادة الاريتريين.

وينص اتفاق السلطة على منح جبهة الشرق منصب مساعد رئيس الجمهورية ومستشار في رئاسة الجمهورية ووزير دولة و8 مقاعد في المجلس الوطني «البرلمان» اضافة الى نائبي والى في كل من ولاية كسلا وولاية البحر الاحمر اضافة الى 10 مقاعد في المجالس التشريعية في كل ولاية في ولايات الشرق الثلاث و5 مقاعد في المجالس المحلية و3 وزراء في الولايات الثلاث و3 مستشارين والمشاركة في المفوضيات القومية التسع والمشاركة في مجلس التنسيق الأعلى لولايات الشرق الذي يتكون من 15 عضوا و9 معتمدين ومستشارين في العاصمة القومية.

ووصف رئيس الوفد الحكومي الدكتور مصطفى عثمان الاتفاق بأنه يأتي في شهر رمضان المبارك وتحديدا في ليلة غزوة بدر الكبرى التي سميت بالفرقان وقال «نأمل انزال ما توصلنا اليه اليوم في الحق وبسط العدل» مضيفا بأن بلاده لم تبحث اثناء هذه المفاوضات عن منتصر او غالب ومغلوب وإنما عن اتفاق مرض لأهل الشرق».