غازي صلاح الدين: القرار 1706 يضع السودان تحت الوصاية الدولية

مستشار الرئيس السوداني نفى وجود خلاف بين البشير ونائبه طه حول المشكلة

TT

نفى مستشار الرئيس السوداني لشؤون السلام، الدكتور غازي صلاح الدين العتباني، وجود أي خلاف بين الرئيس السوداني، عمر البشير، ونائبه، علي عثمان محمد طه، في ما يتعلق بكيفية التعامل مع مسألة القوات الأممية في دارفور. وجدد رفض حكومته للقرار 1706، معتبرا أن الجزء المتكون من الفصل السابع في هذا القرار خطير للغاية ويمكن فهمه على أنه يضع السودان تحت الوصاية في مسائل كثيرة ويعطي القوات الدولية صلاحيات وسلطات استخدام ما تراه مناسبا في ما يخص حفظ الأمن الى درجة أن تستخدم القوة ضد الحكومة السودانية أو ضد المجموعات المسلحة.

وأشار المسؤول السوداني في حوار مع "الشرق الاوسط" عقب اجتماعه بوزير الخارجية الفرنسي، فيليب دوست بلازي، في باريس وبمستشار الرئيس شيراك للشؤون الأفريقية، إلى أن فرنسا «ملتزمة بموقفها في الأمم المتحدة حيث صوتت لصالح القرار 1706 وباعتبارها عضوا دائما في مجلس الأمن. لكن في لقاءاتنا في الجلسات المغلقة مع الفرنسيين ومع غيرهم، وعندما نشرح موقفنا بهذه الصورة نجد تفهما ولكن من غير أن يترجم هذا التفهم الى موقف جديد. ولذا فنحن نسعى لتليين المواقف والوصول من خلال موقف أفريقي ـ عربي ـ إسلامي وربما أوروبي الى التصدي لمحاولة تسييس وتأزيم مسألة دارفور.

وفي ما يلي نص الحديث:

> ما حقيقة الخلاف بين الرئيس السوداني ونائبه علي طه؟

ـ السؤال قديم. وأنا لا أرى أساسا لهذا الخبر وأظنه ناشئ عن انطباع خاطئ بأن هناك خلافا حول كيفية التعامل مع مسألة القوة الأممية في دارفور. وأؤكد لك أن لا خلاف حول هذه المسألة.. موقف السودان مؤسس على قواعد قانونية والأخ نائب الرئيس رجل قانون أصلا ويعلم أن التدخل الدولي لا أساس قانونيا له لأن اتفاقية أبوجا للسلام (حول دارفور) تتحدث عن دور لقوات الاتحاد الأفريقي وتتحدث عن دور لقوات أممية. أما الأمر الثاني (الاعتراضي) فهو أن هذه القوات (الدولية) يمكن أن تصبح طرفا في الصراع في دارفور. وكل هذه الأسباب موضع إجماع، وبالتالي فلا أساس للحديث عن خلاف.

> هل تريد أن تقول إن موقف الحكومة السودانية واحد من مسألة القوات الدولية في دارفور؟

ـ إذا عنيت شريكنا الآخر في الحكومة أي الحركة الشعبية، فإنها بداية قالت إنها ترفض القوات الدولية ولكنها ما لبثت أن غيرت موقفها وهي تقول اليوم إنه لا مانع لديها من دخول القوات الأممية الى دارفور. غير أنني أريد أن أذكر بأن البرلمان أقر بالإجماع قرارا يرفض القوات الأممية. وداخل الحكومة، هناك اتفاق على هذا الموقف باستثناء الوزراء الجنوبيين.

> ألا يضعف الخلاف داخل الحكومة موقفكم تجاه المجموعة الدولية؟ وهل يمكن أن يفضي الخلاف الى استقالة الوزراء الجنوبيين؟

ـ لا أعتقد ذلك. الخلاف يجب أن ينظر اليه في حجمه الحقيقي. الحركة شريك رئيسي في ما يتعلق باتفاقية السلام في الجنوب وهي تعنى أساسا بجنوب السودان. أما دارفور فهي منطقة غربية. ولا تمثل الحركة داخل الحكومة المركزية إلا 28 في المائة، وعلينا أن نقوّم موقفها آخذين بعين الاعتبار هذا المعطى. وعلى أي حال، نرى أنها لو استقرت على موقفها السابق لكان ذلك قوّى موقفنا. ونحن متأكدون أن قرار رفض القوات الأممية يحظى بدعم شعبي وسياسي واسع.

> هل تعتبر أن الحركة خضعت لضغوط خارجية، وأميركية على وجه الخصوص؟

ـ لا أستطيع أن أجزم بذلك. ما أستطيع قوله هو أنه إذا قامت الحركة بتغيير موقفها فربما لأن دعمها قرار الرفض يضعها في موقف صعب. لا أستطيع الحديث عن تدخلات خارجية.

> هل صحيح أنكم سحبتم الرسالة التي أرسلتموها الى الدول الأفريقية والعربية التي اجتمعت أواخر سبتمبر (أيلول) للنظر في تشكيل قوة دولية ترسل الى دارفور بموجب القرار 1706؟

ـ نحن نقدر أن هذه الرسالة أسيء فهمها وأن الولايات المتحدة سعت الى استغلالها. هي مجرد رسالة توضح رؤية الحكومة السودانية تجاه التعجيل في الموافقة على إرسال قوات في إطار قرار لم نوافق عليه. هذا هو المضمون الحقيقي ونحن اعتبرنا أن هذا النوع من التصرف عمل عدائي تجاهنا. قد تكون الرسالة التي أرسلتها بعثة السودان لدى الأمم المتحدة قد احتوت بعض العبارات الحادة ولكن المضمون هو كما وصفته لك.

> لكن هل تم سحب الرسالة؟

ـ سحبت أم لم تسحب، هذا جدل لا يهمنا. قمنا بالتأكيد على أن المطلوب من الرسالة هو ما شرحته لك. وبغير هذا المقتضى، ما ورد يمكن أن نعتبره ملغيا أو مسحوبا. لم تتقدم البعثة (في نيويورك) برسالة أخرى مقابلة وقالت إن الرسالة الأولى مسحوبة. لقد تم شرح موقف السودان على حقيقته من قبل مندوبنا، وما زلنا عند هذا الموقف. نحن لا نهدد أحدا. نحن نقول فقط: لم نوافق على القرار 1706 وبالتالي لا معنى للبدء في عملية استدعاء القوات وتعيين الدول التي يمكن أن تساهم فيها.

> لكن ثمة فقرة في القرار 1706 تربط إرسال القوات الأممية بموافقة الحكومة السودانية؟

ـ هذا ما قاله مجلس الأمن والسلم الأفريقي. لكن تفسير واشنطن للقرار 1706هو أنه لا يشترط موافقة الحكومة السودانية بل «يدعوها للموافقة». وثمة فرق كبير بين التفسيرين. وهذه نقطة خلافية بين أعضاء مجلس الأمن وغالبية الدول تفسر القرار على أنه يتطلب موافقة السودان فيما أميركا مصرة على العكس.

> لكن القرار موجود تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة؟

ـ القرار تمديد لمهام القوات الدولية (الموجودة في جنوب السودان) بحسب اتفاقية السلام في الجنوب. وبهذا المعنى، فإن القرار بالفعل موجود تحت الفصل السادس. غير أنه يحتوي على فقرات عاملة تحت الفصل السابع، وبالتالي فإنه في الحقيقة يستخدم الفصلين معا. والحقيقة أن الجزء المتكون من الفصل السابع خطير للغاية ويمكن فهمه على أنه يضع السودان تحت الوصاية في مسائل كثيرة ويعطي القوات الدولية صلاحيات وسلطات استخدام ما تراه مناسبا في ما يخص حفظ الأمن الى درجة أن تستخدم القوة ضد الحكومة السودانية أو ضد المجموعات المسلحة. ليست الحكومة السودانية وحدها التي ترفض ولكن أيضا بعض المجموعات المسلحة التي ترى أن القرار يمس وجودها وأمنها. أريد العودة الى نقطة قانونية: القرار يبني على اتفاقية السلام مع الجنوب، غير أن هذه الاتفاقية منفصلة تماما عن موضوع دارفور ولا شيء يمكن أن يبرر قانونا تمديد القرار الدولي الخاص بالإشراف على اتفاقية السلام مع الجنوب الى مسألة دارفور.

> الرئيس السوداني بعث برسالة الى الأمين العام للأمم المتحدة يقبل فيها تقديم دعم مادي وبشري ولوجستي ومالي الى القوة الإفريقية. هل يعني ذلك أنكم ربما ذاهبون الى تغيير موقفكم من القرار 1706؟

ـ موقفنا لم يتغير قط. الرسالة التي تتحدث عنها وضحت الموقف الذي ننادي به بصورة لا لبس فيها. نحن ما زلنا نقول إننا نؤيد النص الموجود في اتفاقية أبوجا للسلام التي تجعل الاتحاد الأفريقي مسؤولا عن تنفيذ اتفاقية السلام وله أن «يستعين» بخبراء، بدعم لوجستي أو بما يريد للقيام بمهمته. إذا الرسالة مجرد تكريس لموقفنا وتقول إننا نرحب بكل عون يأتي الاتحاد الأفريقي.

> إذا الحد الأقصى الذي يمكن أن يقبله السودان هو قبول العون ولن تذهب الحكومة السودانية لأبعد من ذلك؟

ـ تماما. هذا هو موقفنا.

> هل تقديم الدعم اللوجستي والبشري الدولي للقوة الأفريقية يمكن أن يجعلها تضطلع بدور الإشراف على تطبيق الاتفاق؟

ـ تجربة القوات الأممية والإقليمية ليست دائمة مشجعة من حيث الأداء والفعالية. وهذه إحدى النقاط التي نثيرها بوجه القوة الإقليمية. وفي نظرنا، فإن القوة الأممية ليست بالضرورة فاعلة. وما يجعل القوات فاعلة هو التفويض الممنوح لها والتفاهم السياسي الذي أرسلت على أساسه والدعم اللوجستي والمادي. وفي رأينا أن قوة الاتحاد الأفريقي يمكن أن تقوم بدورها إذا دعمت وجهزت ومولت وسلحت وزيد عددها وعهد اليها بتفويض قوي. وبالتالي فلا شيء يمنع من تحقيقها لمهمتها. > ما سيكون عليه وضع الخبراء الـ 105 الذين قبلتم بانضمامهم الى القوة الإفريقية؟

ـ هم من المستشارين العسكريين وسيكونون تحت قيادة القوة الدولية. وآخرون سيكونون من الإداريين ورجال الشرطة وغير ذلك. والمهم في ذلك أن مرجعيتهم ستكون الاتحاد الأفريقي وليس الأمم المتحدة. وهذا أمر مهم جدا بالنسبة إلينا. وهذا يظهر أننا لا نرفض أي دور للأمم المتحدة بل نقول إن الأمم المتحدة يمكن أن تلعب الدور الذي نتفق معها عليه.

> ما هي حقيقة الوساطة العربية؟ وما هو الأساس الذي تقوم عليه؟

ـ ثمة إحساس تبين عبر القرار الذي صدر عن مجلس الأمن قوامه أن واشنطن تدفع باتجاه إدانة جديدة للسودان. لكن من الواضح أن حكماء العالم لا يقرون هذا التوجه. ونحن نقول: هناك توجه جديد للتعامل مع اعتراضات وانشغالات السودان. وجوهر الوساطات هو كيفية التعامل مع القرار 1706 بحيث يمكن من إيجاد بديل له يتسق مع اتفاقية أبوجا ومع بقاء تفويض الإشراف عليها بأيدي الاتحاد الأفريقي. أما الأمر الثاني فهو أن بعض الوساطات يركز على الأطراف التي لم توقع بعد اتفاقية أبوجا بحيث تصبح جزءً من عملية السلام ما من شأنه تعزيز الاتفاقية.

وأريد أن أشير الى أن القرار 1706 لم يتخذ بالإجماع إذ امتنعت الصين وروسيا وقطر عن التصويت عليه وبالتالي فقد بعض مصداقيته وقوته. صحيح أن الكثير من الدول وبالتحديد الدول الأوروبية تقول بتنفيذ القرار 1706. لكن العديد منها كما ظهر إبان قمة الجمعية العامة للأمم المتحدة أو لاحقا في مجلس الأمن أخذ يقول بضرورة التعامل مع انشغالات السودان في ما خص القرار المذكور. لا أستطيع الحديث عن قرار جديد يلغي القرار 1706 لكنني أتحدث عن حالة تفهم أو استعداد ( للتعاون). وزيارتي الى فرنسا غرضها محاولة تعزيز هذه الحالة والتفهم لدى أوروبا والمجتمع الدولي والتأكيد على أنه من الممكن التوصل الى صيغة تزيل الإشكال القائم ما دام هدفنا السلام في دارفور.

> ولكن كيف يمكن اخراج هذه الصيغة من الناحية القانونية؟ هل يتطلب ذلك قرارا جديدا من مجلس الأمن؟ ما هي المخارج الممكنة لموقف يبدو أنه وصل الى طريق مسدود؟

ـ نحن نريد من جهة شرح حقيقة الوضع في دارفور. صحيح أن هناك مشكلة وأزمة ولكن الصورة التي تروج عن الوضع تثير الفزع وتؤدي الى سوء فهم الأوضاع بما لا يعين صانعي السياسات في تلك الدول. ونحن نعلم أن التضخيم والتأزيم يخدم أجندة خفية تضر بأهالي دارفور. أما في ما خص الصيغة، فإن اتفاقية أبوجا هي المنطلق. بعد ذلك نحن منفتحون على الخيارات. والمنطلق قانوني يقول إن تطبيق اتفاقية السلام شأن أفريقي، وللاتحاد الأفريقي أن يستعين بمن يشاء بما في ذلك الأمم المتحدة.

> اجتمعت بمستشار الرئيس الفرنسي للشؤون الأفريقية. هل باريس تتفهم هذا الموقف؟

ـ الفرنسيون ملتزمون بموقفهم في الأمم المتحدة حيث صوتوا لصالح القرار 1706 وباعتبار فرنسا عضوا دائما في مجلس الأمن. لكن في لقاءاتنا في الجلسات المغلقة مع الفرنسيين ومع غيرهم، وعندما نشرح موقفنا بهذه الصورة نجد تفهما ولكن من غير أن يترجم هذا التفهم الى موقف جديد. ولذا فنحن نسعى لتليين المواقف والوصول من خلال موقف افريقي ـ عربي ـ إسلامي وربما أوروبي الى التصدي لمحاولة تسييس وتأزيم مسألة دارفور.

> هل يمكن توقع اختراق ما في فترة التمديد الجديدة (ثلاثة أشهر) للقوة الأفريقية؟

ـ هذا ما نسعى اليه حقيقة ودارفور تأخذ 90 في المائة من وقتنا.

> حققتم اختراقا مع «جبهة الشرق» التي وقعتم معها اتفاق سلام. ما السر في هذا النجاح؟ ـ المشكلة في الشرق مختلفة عن مشكلة دارفور. والحوار مع «جبهة الشرق» كان قائما ومستمرا. فضلا عن ذلك، فإن اريتريا لعبت دورا إيجابيا في التوصل الى هذا الاتفاق ورعايته. وهو نقيض الدور الذي تلعبه تشاد في ما خص دارفور. تشاد لم تساعد على التوصل الى اتفاق أبوجا ولم تساهم في رعايته. ونأمل في أن يوفر دعم اريتريا قوة واستمرارية للاتفاق.