الصومال: توتر عسكري وسياسي يسود مقر السلطة الانتقالية في بيداوة

مخاوف من مهاجمة المحاكم الإسلامية المدينة

TT

ساد توتر ملحوظ أمس أجواء المقر المؤقت للسلطة الانتقالية الصومالية في مدينة بيداوة الجنوبية في غياب الرئيس عبد الله يوسف الموجود حاليا في إثيوبيا، بعد خلافات اندلعت بين كبار مسؤولي السلطة على المستويين السياسي والعسكري. فيما نشبت أزمة بين الحكومة وزعيم ميليشيا قبلية في المنطقة يطالب بمغادرة قائد قوات الشرطة الصومالية الجنرال علي مدوبي المدينة. واعربت مصادر رسمية عن مخاوفها من أن يدفع استمرار التوتر العسكري والأمني المحاكم الإسلامية إلى التفكير في مهاجمة المدينة.

وفي تطور من شأنه أن يهدد انعقاد الجولة الثالثة من المفاوضات المقررة بين المحاكم الإسلامية والحكومة الانتقالية الصومالية في الخرطوم نهاية الشهر الجاري، أكد مقربون من رئيس البرلمان الصومالي شريف حسن شيخ آدم أنه تخلى عن رئاسة الوفد الحكومي إلى مفاوضات الخرطوم بسبب اندلاع خلافات مع رئيس الوزراء علي محمد جيدي.

وكشفت مصادر صومالية رسمية النقاب لـ«الشرق الأوسط» عن أن اجتماعا عقد أول من أمس بين جيدي وشريف تخللته مشادة كلامية حادة قد انتهى إلى إعلان شريف رفضه الاستمرار في رئاسة وفد السلطة الانتقالية إلى مفاوضات الخرطوم.

وأشارت المصادر إلى أن شريف أبدى غضبه واستياءه الشديدين من رسالة وزعها جيدي على المنظمات الإقليمية والدولية لإبلاغها أن رئيس البرلمان لم يعد هو من يمثل الحكومة في المفاوضات التي يرعاها عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية والرئيس السوداني عمر البشير بوصفه الرئيس الحالي للقمة العربية.

وأعلن شريف في بيان مفاجئ وزعه أمس في العاصمة الكينية نيروبي على السفارات والبعثات الديبلوماسية العربية والأجنبية في العاصمة الكينية أيضا تخليه رسميا عن مساعيه للوساطة بين الحكومة والمحاكم، مؤكدا أنه لم يعد يمثل نظريا وعمليا سفير الحكومة فى أي مفاوضات وأنه لن يترأس أية وفود رسمية يتم تشكيلها لهذا الغرض.

وقال وزير في الحكومة الصومالية أمس لـ«الشرق الأوسط» مشترطا عدم تعريفه أن تخلي شريف عن دوره في مفاوضات الخرطوم يعكس بالأساس أزمة داخل أطراف السلطة الانتقالية (البرلمان والحكومة والرئيس) حول كيفية التعامل مع المحاكم الإسلامية بعد نجاحها في بسط سيطرتها الأسبوع الماضي على مدينة كيسمايو التي تعد ثالث أهم مدينة في الصومال وتتمتع بمكانة تجارية واستراتيجية مهمة للغاية.

ولفت إلى أن الخلافات بين شريف وجيدي قديمة بسبب تباين وجهات النظر بينهما بشأن إدارة شؤون الحكومة وعلاقتها مع البرلمان، مشيرا إلى أن موقف شريف سيحرج الحكومة ويضعها في موقف صعب خاصة مع اقتراب موعد انعقاد الجولة الثالثة من مفاوضات الخرطوم بعد نحو أسبوعين فقط.

وامتنع جيدي عن الرد على محاولات «الشرق الأوسط» المتكررة للاتصال به أمس عبر هاتفه الجوال، فيما قال مقربون من رئيس البرلمان إنه يرفض التعليق إعلاميا على فحوى خلافاته مع جيدي بانتظار عودة الرئيس الانتقالي عبد الله يوسف من زيارته التي بدأها مساء أول من أمس إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

وقالت مصادر الجامعة العربية فى المقابل لـ«الشرق الأوسط» إن الجامعة العربية لم تتلق حتى الآن أي إخطار رسمي من السلطات الصومالية بشأن مشاركتها في مفاوضات الخرطوم المرتقبة ومستوى تمثيلها فيها.

على صعيد آخر، أفادت مصادر صومالية في مدينة بيداوة أن آدم صرنصور زعيم الميليشيات المسلحة الرئيسية في المدينة قد منح الجنرال علي مدوبي رئيس الشرطة التابعة للحكومة الصومالية مهلة مدتها 24 ساعة لمغادرة بيداوة والا وقعت مواجهات عسكرية وأمنية بين أنصار الطرفين.

وعقد صرنصور مؤتمرا صحافيا في المدينة بعد عودة مدوبي الذي كان قد غادر بيداوة اثر خلافات بين ميليشيات مدوبي والقوات الحكومية الشهر الماضي، لكن مدوبي عاد أول من أمس من نيروبي مشعلا الخلافات القديمة بين الطرفين وسط مطالب للميليشيات المسلحة بتقديم قادة الشرطة الذين أغاروا على مواقع لها مؤخرا للمحاكمة.

وقتل سبعة من أنصار صرنصور عندما حاولت قوة يقودها مدوبي إزالة نقاط تفتيش أقاموها حول الطريق المؤدى إلى المطار الوحيد في المدينة.

وتعهد أهالي الضحايا علانية باغتيال رئيس الشرطة ثأرا لمقتل ذويهم، على الرغم من أن رئيس الوزراء الصومالي علي محمد جيدي قدم اعتذار رسميا لهم في حينه.

وتقول مصادر رسمية في بيداوة ومقربة من جيدي إن استمرار التوتر العسكري والأمني في محيط المقر المؤقت للسلطة الانتقالية من شأنه أن يدفع المحاكم الإسلامية إلى التفكير في مهاجمة المدينة.

ويسعى جيدي حثيثا لاحتواء هذا التوتر، لكن قيادات قبلية فى المدينة أبلغت «الشرق الأوسط» ان مهمته لن تكون سهلة بالنظر إلى ما وصفته بحالة الاحتقان التي يعيشها سكان المدينة بسبب ممارسات قوات الشرطة والجيش التابعة للسلطة الانتقالية.

وانضم عدد من زعماء العشائر في المنطقة الى المطالبين بمغادرة قائد الشرطة الصومالية من بيداوة حتى يتم التوصل الى حل نهائي حول حادثة مطار بيداوة في الرابع من الشهر الماضي وقد قامت الحكومة حتى الآن بإعادة الأسلحة والعربات التي استولت عليها الشرطة أثناء الاشتباكات التي حدثت في مطار بيداوة وسمحت الحكومة بعودة المليشيات القبلية الى المطار لكن لم يتم التطرق الى ما يتعلق بتقديم التعويضات لأسر القتلى كما أن عودة قائد الشرطة الجنرال علي مدوبي المفاجئة ساهمت في تأجيج غضب المليشيات القبلية في بيداوة. في غضون ذلك سيطرت قوة مشتركة من الجيش الإثيوبي وقوات حكومية صومالية مدعومة بنحو 20 عربة للقتال على مدينة دينصور الزراعية جنوب الصومال.

وهذه هي المرة الثانية التي تتجه فيها قوات على هذا النحو للسيطرة على مدينة صومالية خارج معقل السلطة الانتقالية في بيداوة، وهو ما اعتبره قادة المحاكم الإسلامية بمثابة اختبار إثيوبي لحجم قوتهم وتكتيكهم العسكري.

وكانت قوة مماثلة قد سيطرت لساعات على مدينة بور هكبة على الطريق بين مقديشيو وبيداوة، قبل أن تنجح ميلشيات المحاكم الإسلامية في استعادتها بدون مقاومة تذكر.