الصحافيون يحجزون جزءا من معلوماتهم اليومية لنشرها في كتبهم

حرب العراق تعيد للكتاب مكانته في زمن الإنترنت والمصادر تفضل التأريخ على تقارير الصحف

TT

في زمن المدونات والبث عبر الإنترنت وبعث الرسائل الفورية، وحينما يكون ممكنا التعبير عن أي فكرة بأقل من لحظة، بدأت تسترجع تكنولوجيا قديمة مكانتها من جديد.

وهذه اسمها الكتاب، وهي مجموعة من صفحات مشدودة بين غطاءين من الورق المقوى، وهذا يتطلب على الأقل عامين لكتابته وتحريره ونشره، باستخدام أساليب تعود إلى القرن الخامس عشر.

وبشكل سريع، ظهرت مجموعة كتب حول الحرب في العراق، تكشف العيوب التي لازمت التخطيط والتنفيذ وجعلت إدارة بوش تبدو كأنها تفتقد الكفاءة في بعض الأوقات، وحفزت على تغطيات إخبارية هائلة.

وكلها كتبت على يد صحافيين تتوفر لهم التسهيلات للوصول إلى الأخبار اليومية والأسبوعية، وسجل كتاب «الاخفاق» الذي ينتمي إلى هذه المجموعة من الكتب اعلى المبيعات. ومـؤلفه هو تومــاس ريكس من صحيفة «واشنطن بوست»، كذلك هنـاك كتب أخرى سجلت مبيـعات عـالية مثل «كوبـرا 2» لمــايكل غـوردون من «نيويورك تايمز» وكتـاب «الغـرور» لمـايكل اسيكوف من مجلة « نيـوزويك»، وكتاب «حالة النكران» لبوب وودورد من «واشنطن بوسـت»، بل حتى الرئيس بوش لاحظ في الأسبوع المــاضي أن «شخصا مـا يجب أن يضيف عــدد الصفحات التي كتبت حول ادارتـه».

وكارثة العراق هي هدف كبير ومغر، وعلى الرغم من الحجم الكبير من التغطية خلال السنوات القليلة الأخيرة، فإن الكمية الهائلة من المواد تبقى تحت السطح بانتظار نبشها على يد مؤلفين.

ويقول بعض النقاد المتذمرين إنه كان على الصحافيين أن يكشفوا معلوماتهم في وقت أبكر، بدلا من الحفاظ عليها من أجل اصدار كتب لاحقا.

لكن لإثارة قضية ما هناك حاجة إلى الوقت والى ملاطفة اشخاص للحصول على معلومات في حوزتهم، بينما هم لا يريدون أن يدخلوا طرفا في المواجهات السياسية اليومية.

يقول اسيكوف، إن بعض المصادر هي أكثر من راغبة للتحدث بصراحة من باب التسجيل للتاريخ. فعلى سبيل المثال كشف ديك ارمي زعيم الأغلبية السابقة في مجلس النواب، إنه عبر عن شكوكه حول مغامرة الحرب في العراق، لكنه تعرض لضغط من الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني، كي يلتزم الصمت. وقال اسيكوف «الكثير من المواد تم إبقاؤها بعيدا عن الجمهور، خصوصا قبل البدء بالحرب. إنها أحداث تدور عما جرى قبل سنتين أو ثلاث، بدلا مما حدث أمس. إنها المسودة الثانية للتاريخ».

ويكشف كتاب غوردون ترينور عن أن الجنرال تومي فرانكس توقع سحب القوات الأميركية من العراق خلال أشهر قليلة، لإبقاء 30 ألف جندي فقط هناك. ويجادل ريكس بأن الخطوات الخاطئة على المستوى العسكري والدبلوماسي خلال عام 2003 خلقت غضبا شديدا في نفوس المعارضين للحرب في العراق. وقال «هناك الكثير من الأشخاص الذين خدموا في العراق والذين كانوا منزعجين تماما بسببها. أشخاص قادوا فرقا وألوية وسرايا».

وقدم مسؤول سابق من «إدارة الائتلاف المؤقتة» في العراق لريكس كل الرسائل الإلكترونية، التي بعثها لبول بريمر. وأعطى قائد عسكري آخر ريكس قرصا مضغوطا يتضمن حتى الخطة السرية لغزو العراق. وأضاف ريكس «كانوا يعتبرونها حساسة جدا. لكن بعد عامين ماذا يهم؟».

أما وودورد فبنى سرد الحكاية في كتابه على الكثير من المعلومات التي جاءت من أشخاص، وعدهم بعدم الكشف عن هوياتهم. وقال إنه من أجل كتابه «حالة الإنكار» فانه استجوب اندرو كارد رئيس موظفي البيت الأبيض السابق لسبع ساعات، وانتجت تلك المقابلات 207 صفحات من المسودات. ومن المعلومات التي صرح كارد فيها أنه حاول ازاحة دونالد رامسفيلد منصبه.

وفي كتاب «نظرية الواحد بالمائة» لمراسل «وول ستريت جورنال» السابق رون سوسكيند، تم الكشف عن أن القاعدة خططت لمهاجمة أنفاق نيويورك بغاز السيانيد، وأن بعض المسؤولين في سي آي أيه يرون بوش باعتباره ليس أكثر من جرو لتشيني.

وقال سوسكيند إن مشاريع الكتب قادرة على كسر نظام ضبط الرسائل الصادرة عن البيت الأبيض.

وقال «ما يمكنك أن تقوم به في كتاب هو أن تتحرك حول ساحة القتال اليومية ضمن الدوائر الأخبارية وأن تقول إن هذه المعلومات ستدخل ضمن سياق الكتاب. وغالبا ما تقول المصادر. إنه وضع معقد. وأنا استطيع أن أجيبهم أنا لدي متسع كبير من الوقت، بينما في الصحيفة أنت قد لا تملك مساحة كافية لكتابة آلاف الكلمات حول نقاش فلسفي أو حول نزاع طويل ومهلك».

وعدد من هذه المجهودات جاء من صحافيين في «واشنطن بوست»، التي تعمل بسياسة متساهلة ازاء السماح لأفراد طاقمها بعطلة عن العمل بغرض تأليف كتب. أورد الصحافي في «واشنطن بوست» راجيف تشاندراسيكاران في كتابه Imperial life in the Emerald City ان «سلطة الائتلاف المؤقتة استعانت بعدد من الذين لديهم توجهات محافظة، لكنهم يفتقرون الى المهارات المهمة والخبرة. وأجرت كاردين دي يونغ ست لقاءات مع وزير الخارجية السابق كولن باول في إطار إعدادها لكتاب Soldier. ويمكن ان تصبح الكتب ايضا محفزا. فقد اعتزم مراسل «نيويورك تايمز» جيمس رايزن كشف النقاب عن برنامج الادارة الخاص بالتنصت محليا على المكالمات الهاتفية في كتابه A State of War بعد ان حجزت الصحيفة لمدة عام تقريبا المقال الذي شارك في كتابته حول هذه القضية. ومع اقتراب موعد نشر الكتاب نشرت الصحيفة القصة في نهاية الامر. قال المحرر التنفيذي لـ«نيويورك تايمز» بيل كيلر لمجلة «نيويورك»، ان اقتراب موعد نشر الكتاب كان «عاملا» في النقاشات وليس سببا رئيسيا وراء قراره. ويذكر ان الكثير من القصص التي اصابت نجاحا في عالم النشر، ابتداء من الكتب المناوئة لكلينتون وزوجته هيلاري، خلال عقد التسعينات ومطلع العقد الحالي بدت اكثر ميلا الى اليمين. وظهرت خلال تلك الفترة اسماء وعناوين معروفة مثل Slander لكاتبته آن كوتلر وBias لبيل اوريلي، فضلا عن اسماء اخرى، مثل شون هانيتي وراش ليبمو ومايلك سيفيج. ولكن في ظل تعثر بوش الحالي في العراق وتراجع اسهمه وفقا لنتائج الاستطلاعات، يبدو ان الكتب التي تضم انتقادات عنيفة للادارة الاميركية الحالية هي تلك التي تتهمها بعدم الكفاءة. وفيما تكتب غالبيتها بواسطة مراسلين عــاملين ومحررين، وليس معلقين، فإن المؤكد ان للقراء الليبراليين دور رئيسي في ارتفاع مبيعات الكتب. وهناك ما لا يقل عن ثلاثة كتب الآن في طريقها الى المكتبات، هي Soulless لمؤلفته سوزان ايستريش وBrainless لجو ماغوايار وI Hate Ann Coulter بواسطة «الجميع».

* خدمة واشنطن بوست – خاص لـ«الشرق الأوسط»