ثورة المجر ما زالت تثير الانقسامات بعد مرور 50 عاما عليها

اختلافات حول الشيوعية بين السياسيين والناخبين

TT

بودابست – رويترز: تبدأ مذكرات جيولا سيكس ليوم 23 أكتوبر (تشرين الأول) 1956 بصبي عمره 12 عاماً يقف الى جوار مقابر جدوده، وينتهي به وهو يستمع الى أصوات الثورة التي حررت المجر من الحكم السوفيتي لفترة قصيرة تعتبر جوهرية في تاريخ الحرب الباردة. وكتب سيكس وعمره الآن 62 عاماً في مذكراته انه توجه الى سريره وهو يسمع أصوات 200 ألف شخص يهتفون: «فلنسقط تمثال ستالين». وفي اليوم التالي استيقظ على «قعقعة الاسلحة النارية» في الوقت الذي هب فيه المجريون ضد من ظلموهم. وبعد 50 عاماً وعقب أسوأ احتجاجات تشهدها البلاد ضد الحكومة منذ نهاية الشيوعية، ما زال المجريون غير قادرين على الاتفاق على ما حدث عام 1956 وعلى تركة الشيوعيين. ولهذا سيكون هناك نوعان من الاحتفالات لاحياء الذكرى الخميسن اليوم في العاصمة المجرية. وسيكون الاحتفال الرسمي اليوم لرؤساء الدول في ساحة الابطال الشاسعة المساحة، حيث يزاح النقاب عن نصب تذكاري ضخم بعيد عن الحس الشعبي للثورة. وسيجري الاحتفال الثاني الذي ينظمه بعض المناضلين والمعارضين قرب محطة الاذاعة الوطنية التي شهدت قتالاً عنيفاً عام 1956.

الشيء الوحيد الذي يمكن للمجريين الاتفاق عليه هو أن الثورة التي قتل فيها 2600 مجري و600 جندي روسي كانت تلقائية. وجعلت تلك اللحظات البلاد تعيش مرة أخرى الشعور بالحرية بعد أن خرجت عام 1945 من الفاشية الداخلية والنازية الالمانية لترزح بعد ذلك تحت نير الاحتلال السوفيتي الوحشي الذي ظل جاثماً على صدر البلاد مدة 33 عاماً. وتظهر لقطات تسجيلية قديمة للثورة رجالا ونساء وأطفالا وهم يهاجمون الجيش الاحمر القوي ويوقفون دباباته ويدمرونها في شوارع بودابست. وقال سيكس: «كان الشعور السائد هو أنه أمر لا يمكن تجاهله، ولا يمكن فهم ما الذي كان يحدث». وأضاف: «أنا فخور بـ(أحداث) عام 1956 وأنا فخور لكوني مجرياً». وكما يختلف البعض حول ثورة 1956 القصيرة، يختلف البعض حول الحياة ما بعد الشيوعية. وبالنسبة لسيكس والكثير من المجريين، فإن 16 عاماً من الديمقراطية وخمس انتخابات حرة تبعت نهاية الشيوعية عام 1989 كانت محيرة ومخيبة للآمال.

وبالرغم من أن المجر أعيد توحيدها مع غرب أوروبا وانضمت الى الاتحاد الاوروبي عام 2004، فإن الكثيرين يقولون ان الشيوعية لم تنته تماماً، وان ما يحول دون ذلك هو الحزب الاشتراكي الحاكم الوريث المباشر للشيوعيين.

واستدعى فيكتور اوربان زعيم حزب «فيديس» المعارض الرئيسي الذي اشتهر بعد اعادة دفن رئيس الوزراء ايمري ناجي الذي أعدم عام 1958 لدوره في الثورة صوراً للشيوعيين، وهم يعودون الى انتخابات عام 2006. ولم يقدم أحد للمحاكمة من جهاز أمن الدولة الوحشي الذي أعدم 200 شخص عقب الثورة، بعضهم أطفال ظلوا مسجونين حتى بلغوا سن 18 عاما وهو أدنى سن لتنفيذ عقوبة الاعدام. ولم تنشر ملفات الشرطة السرية من العهد الشيوعي، ولكن سربت بعض الأسماء في وسائل الاعلام عمن عملوا في الشرطة السرية، وكان من بينهم رئيس الوزراء الاشتراكي السابق بيتر ميدجيسي الذي ترك السلطة عام 2004. وفي بهو مقر الحزب الاشتراكي هناك لوحة تذكارية عليها كتابة تقول «الى الشهداء الذين قتلوا دفاعاً عن المبنى من الثورة المضادة». وعلى الرغم من تغطية هذه اللوحة، لم تنزل من على الحائط بعد.

وسعى فيديس بقوميته البارزة ومناهضته للشيوعية الى أن يرجع الفضل في الثورة الى نفسه مما أثار غضب اليسار والليبراليين وبعض من اليمينيين. وسعى الكثير من مؤيدي الحزب الى اضفاء الشرعية على احتجاجات الشهر الماضي من خلال شرعية ثورة عام 1956، حاملين رمز الثورة وهو الالوان الثلاثة التي تمثل علم المجر مع استثناء رموز الشيوعية.

ويلعب فيديس على أوتار الحرية والتحرير، ويسعى الى اضفاء رؤيته للحرية على الحياة اليومية ولكن الكثيرين يقولون ان أسلوبه المتجمد والمتعنت لا يمثل ما كافح الناس من أجله عام 1956. وفي حين أن ديمقراطية المجر تبدو منتعشة مع بلوغ نسبة اقبال الناخبين على الانتخابات أكثر من 70 في المئة، فان هناك استقطاباً للصحف وعادة ما لا تسفر المناقشات السياسية عن شيء سوى الصوت العالي. وقال سيكس: «جاءت الحرية عام 1989 متأخرة قليلاً نوعاً ما. بحلول ذلك الوقت كان الناس قد نسوا ماذا تعني الحرية وربما ماذا تعني الديمقراطية».