اليونسكو: الدول العربية تتخلف في توفير التعليم قبل المدرسي للأطفال

تقرير جديد للمنظمة الدولية أشار إلى أهمية التربية في مرحلة الطفولة المبكرة

TT

تحتل بلدان أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي مكان الصدارة في مجال توفير التعليم قبل المدرسي على مستوى البلدان النامية، بينما جاءت الدول العربية في المرتبتين الرابعة والخامسة بعد دول شرق آسيا ودول جنوب غربي آسيا، استناداً إلى التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع الذي يصدر سنوياً، ونشرته منظمة اليونسكو أمس.

وأشار التقرير الذي صدر في باريس ونيويورك الى ان نسبة المشاركة في التعليم قبل المدرسي بلغت 62% في أميركا اللاتينية والكاريبي، مقابل 35% فقط في البلدان الصناعية، في شرق آسيا والمحيط الهادي، و32% في جنوب آسيا وغربها، و16% في الدول العربية، و12% في أفريقيا جنوب الصحراء. وإذا كان التعليم قبل المدرسي منتشراً في غالبية بلدان أوروبا الغربية، إلا أن معدلات الالتحاق هبطت بحدة في البلدان ذات الدخل المتوسط في أعقاب تفكك الاتحاد السوفيتي، علماً أنها بدأت تشهد تحسناً من جديد.

وذكر التقرير انه على الرغم من الفوائد المعروفة بشأن تنمية الطفولة، فإن الرعاية والتربية في مرحلة الطفولة المبكرة ما زالت تشكل الحلقة الضعيفة للتعليم في مناطق عدة من العالم. كما أن نصف بلدان العالم لا تملك أية سياسة تربوية مصممة للأطفال في أعمار ما دون الثلاثة أعوام.

تشكل الرعاية والتربية في مرحلة الطفولة المبكرة، وهي أول الأهداف الستة لمبادرة التعليم للجميع التي التزمت دول العالم بتحقيقها بحلول عام 2015، المحور الرئيسي للتقرير العالمي لرصد التعليم للجميع لهذا العام. كما يعرض التقرير تقييماً للتقدم المحرز نحو تحقيق الأهداف الخمسة الأخرى. ويشير إلى تسارع لافت في نسب الالتحاق بالمرحلة الابتدائية للتعليم على مستوى الصبيان والبنات على السواء، وزيادة في حجم المساعدة للتعليم، يقابلها تراجع في الإنفاق على التعليم الوطني في العديد من البلدان.

وصرح مدير عام اليونسكو، كويشيرو ماتسورا بأنه «ليس من المصادفة أن يركز أول هدف لمبادرة التعليم للجميع على الأطفال الأصغر سناً والأكثر حاجة للرعاية. ويجب أن تحتل مسألة رعايتهم في سن مبكرة حيزاً أساسياً في سياسات التعليم والحد من الفقر. ولا شك أن الدعم السياسي على أعلى مستوى أمر جوهري لوضع الرعاية والتربية في مرحلة الطفولة المبكرة على جدول أعمال الحكومات».

وأعلن نيكولاس بورنيت، المدير المشرف على التقرير، أن «برامج الطفولة المبكرة تؤسس قواعد متينة في مجال الرعاية وتجني فوائد كبرى. وذكر أنه في البلدان النامية، يتجاوز عدد الوفيات، لدى الأطفال تحت سن الخامسة، 10 ملايين طفل سنوياً نتيجة أمراض يمكن تجنبها في معظم الحالات. ومن شأن البرامج التي تجمع بين التغذية وتعزيز المناعة والصحة وقواعد النظافة والرعاية والتربية أن تغير كل ذلك. كما أنها تشكل عاملاً حاسماً لإحراز نتائج مدرسية أفضل. ومع ذلك، فإن الأطفال الأشد حاجة إلى هذه البرامج هم الأقل انتفاعاً بها». وكشف التقرير تحت عنوان «الأسس المتينة للرعاية والتربية في مرحلة الطفولة المبكرة» أن الطلب على الرعاية والتربية في مرحلة الطفولة المبكرة يسجل ارتفاعاً سريعاً، يعززه العدد المتنامي للنساء في سوق العمل وتزايد الأسر المقيمة مع أحد الوالدين فقط. وعلى سبيل المقارنة، كان طفل واحد من أصل 10 أطفال ملتحقاً بالتعليم قبل ـ الابتدائي عام 1975. وبحلول عام 2004، ارتفع هذا المعدل إلى حوالي طفل من أصل ثلاثة أطفال.

وتتجلى أفضل الأدلة بشأن فوائد التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة في البلدان الصناعية، فقد أطلِق برنامج التعليم قبل المدرسي في الولايات المتحدة في الستينات وضم تلاميذ أفريقيين ـ أميركيين ينتمون إلى عائلات ذات دخل محدود ويعدّون الأكثر عرضة للفشل المدرسي. وكان المشاركون موضوع تقييم منتظم في مراحل مختلفة من حياتهم حتى سن الأربعين، وأظهرت النتائج بوضوح أن مشاركتهم في البرنامج أدت إلى ارتفاع حاصل الذكاء لديهم في سن الخامسة، وزيادة نسبة إتمام المرحلة الثانوية وتحقيق رواتب أعلى في حياتهم المهنية.

وقد تجاوزت الفوائد الإجمالية حجم التكاليف بنسبة 1:17. كما تؤكد الأبحاث في مجالات متنوعة كدراسة عمل الخلايا والأنسجة العصبية وعلم النفس أن النمو البدني والنفسي للطفل يتأثر إلى حد كبير بتجارب الأعوام الأولى من الحياة. واستناداً إلى دراسة أخرى في التقرير، كلما كانت نسبة الالتحاق قبل الابتدائي مرتفعة في بلد أفريقي، كانت نسبة الرسوب متدنية، ونسبة إتمام المرحلة الابتدائية مرتفعة. وأظهرت دراسات اقتصادية تحليلية في مصر أن نسبة الفوائد إلى التكاليف تبلغ 1:3، وتكون الفوائد أكبر في حال استهدفت برامج تعليم الطفولة المبكرة الأطفال الأشد حاجة إليها.

بيد أن تمويل برامج الطفولة المبكرة لا يتصدر الأولويات في معظم البلدان، فلقد رُصد أقل من 10% من إجمالي الإنفاق على التعليم الرسمي للتعليم قبل الابتدائي في 65 بلداً من أصل 79 بلداً على قاعدة البيانات الواردة عام 2004، في حين أن أكثر من نصف هذه البلدان خصصت أقل من 5% لهذه المرحلة من التعليم.

ويفيد التقرير أن الاعتماد الكبير على التمويل الخاص لهذه المرحلة في العديد من البلدان يستدعي من السلطات العامة تطوير معايير جودة لحماية مرحلة الطفولة المبكرة من حالات عدم التكافؤ. كما أن تأمين الموارد للأطفال الأكثر حرماناً يجب أن يشكل الخطوة الأولى لسياسة وطنية أوسع نطاقاً للرعاية والتربية في مرحلة الطفولة المبكرة تشمل جميع الأطفال. وتركز الهند برامجها مثلاً على الأحياء الفقيرة في المدن والمناطق القبلية والمناطق الريفية النائية، فيما البرامج التربوية الاجتماعية وما يرافقها من حملات توعية في بلدان متنوعة كآيرلندا وكولومبيا وكينيا تأتي بثمارها على مستوى العائلات المحرومة، إذ توفر الإرشاد للأهل والرعاية للأطفال الصغار. ويشدد التقرير أيضاً على أهمية توفير عامل الجودة في برامج رعاية الطفولة المبكرة. لكن العاملين مع الصغار في البلدان النامية يتلقون عادة مستوى أدنى من التدريب قياساً بنظرائهم في المرحلة الابتدائية. حتى أن البلدان الصناعية تشهد حالات كثيرة يعمل فيها المعلمون الذي تلقوا تدريباً رفيعاً إلى جانب أشخاص لم يتلقوا أي تدريب في مجال رعاية الطفولة المبكرة، وغالباً ما يكونون من المتطوعين أو من العاملين بدوام جزئي. لكن بلداناً كالمملكة المتحدة بدأت بردم الهوة بين المعلمين ومقدمي الرعاية للصغار باعتماد حد أدنى للأجور في مجال الرعاية والتربية في مرحلة الطفولة المبكرة. ويشمل التقرير التقييم السنوي للتقدم المحرز نحو تحقيق سائر أهداف مبادرة التعليم للجميع، ويظهر تقدماً متواصلاً نحو تعميم التعليم الابتدائي، بالأخص في المناطق الأقل قابلية لتحقيق الأهداف. كما أن نسب الالتحاق بالمرحلة الابتدائية ارتفعت بشدة بين عامي 1999 و2004 في أفريقيا جنوب الصحراء (27%) وجنوب آسيا وغربها (19%)، علماً أن هذه النسبة لا تتجاوز 6% في الدول العربية. كما أظهر تراجعاً منتظماً في عدد الأطفال خارج المدرسة وهم في سن الالتحاق بالمرحلة الابتدائية. واستناداً إلى البيانات الرسمية، انخفض عدد هؤلاء الأطفال بـ21 مليوناً منذ عام 1999 إلى 77 مليوناً عام 2004. ويعيش أكثر من ثلاثة أرباع هذا العدد في أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا وغربها. كما تحصي أربعة بلدان ما مجموعه 23 مليون طفل خارج المدرسة (نيجيريا، باكستان، الهند، إثيوبيا).

لقد حقق حوالي ثلثي البلدان المعنية (البالغ عددها 181 بلداً)، استناداً إلى بيانات عام 2004، المساواة بين الجنسين في التعليم الابتدائي. لكن التفاوت على حساب البنات ما زال كبيراً في عدد من البلدان، وهي غالباً البلدان ذات نسب الالتحاق الأكثر تدنياً (بما يشمل أفغانستان وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد وباكستان والنيجر واليمن). ولم يحقق سوى ثلث البلدان المساواة بين الجنسين في المرحلة الثانوية. لا يزال إتمام مرحلة التعليم الابتدائي يشكل تحدياً رئيسياً، ففي بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، يبلغ أقل من 83% من الأطفال الملتحقين بالدرجة الأولى آخر درجة من هذه المرحلة التعليمية. وفي معظم بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، يبلغ أقل من ثلثي التلاميذ الدرجة الأخيرة. وما زالت نسب محو الأمية لدى الكبار دون 70% في الدول العربية وجنوب آسيا وغربها وأفريقيا جنوب الصحراء. وعلى الصعيد العالمي، ما زال شخص من أصل خمسة أشخاص من فئة الكبار لا يجيد القراءة ولا الكتابة. وقد ورد في التقرير عدد من التوصيات لمعالجة هذه المشاكل، لا سيما في مجال توظيف عدد أكبر من المعلمين، اذ تحتاج أفريقيا جنوب الصحراء لعدد يتراوح بين 2.4 و4 ملايين معلم إضافي لتحقيق هدف تعميم التعليم الابتدائي، مع تقليص مدة تدريب المعلمين قبل الشروع في الخدمة، وتعزيز الممارسة اليومية، ومضاعفة حوافز العمل في المناطق النائية والريفية. إتاحة مجال الالتحاق بالمدرسة على نطاق أوسع للأطفال من خلال إلغاء الأقساط المدرسية وتقديم الحوافز المالية للحد من تعويل الأسر على عمالة الأطفال، فضلاً عن توفير مساعدة خاصة للأطفال المصابين بفيروس او مرض الإيدز. تجدر الإشارة إلى أن العديد من الحكومات لا تنفق مبالغ كافية على التعليم الأساسي. وعلى الرغم من ارتفاع حجم الإنفاق على التعليم الرسمي بين عامي 1999 و2004 في غالبية البلدان، غير أن الإنفاق كنسبة مئوية من الناتج القومي الإجمالي تراجع في 41 حالة، خصوصاً في أميركا اللاتينية والكاريبي، وجنوب آسيا وغربها.

وارتفعت المساعدة للتعليم الأساسي في البلدان ذات الدخل المحدود من 1.8 مليار دولار أميركي إلى 3.4 مليار دولار أميركي بين عامي 2000 و2004 (من 2.6 إلى 4.4 مليار دولار أميركي عبر أنحاء البلدان النامية). كما يرجح أن تسهم التزامات الجهات المانحة في رفع هذه المساعدة إلى 5.4 مليار دولار أميركي بحلول عام 2010. لكن هذا المبلغ ما زال بعيداً عن المساعدات السنوية الضرورية لتحقيق التعليم للجميع في البلدان ذات الدخل المحدود والتي تقدر قيمتها بـ11 مليار دولار أميركي سنوياً. ويشمل التقرير أيضاً مؤشر تنمية التعليم للجميع، الذي يضم مجموعة من المؤشرات بشأن تعميم التعليم الابتدائي، والمساواة بين الجنسين في التعليم، والجودة ومحو الأمية. ويكشف أن من أصل 125 بلداً توفرت بيانات بشأنها، حقق 47 منها فقط (معظمها في أوروبا، وستة بلدان في أميركا اللاتينية والكاريبي، وأربعة بلدان في آسيا الوسطى) الأهداف الستة للتعليم للجميع أو أنها على وشك تحقيقها. ويحتل 20 بلداً المراتب الأخيرة في مؤشر تنمية التعليم للجميع. يقع ثلثا هذه البلدان في أفريقيا جنوب الصحراء، علماً أن هذه الفئة تشمل أيضاً عدداً من الدول العربية وبلداناً في جنوب وشرق آسيا.