فلسطينيو 48 يدعون حكومة إسرائيل إلى الاعتراف بمجزرة كفر قاسم

طالبوا في الذكرى السنوية الخمسين باجتثاث السياسة العنصرية

TT

تحيي الجماهير العربية من مواطني اسرائيل (فلسطينيي 1948) ومعها الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، غدا الأحد، الذكرى السنوية الخمسين لارتكاب مجزرة كفر قاسم، وذلك بسلسلة نشاطات تعليمية وشعبية.

وتتم هذه النشاطات في ظل ثلاثة مطالب أساسية يطرحونها على حكومة اسرائيل هي: الاعتراف بالمسؤولية عن المجزرة، تنفيذ برنامج تربوي ـ سياسي لتذويب دروس المجزرة، اجتثاث أفكار القتل والترحيل العنصري للعرب المتفشية في الجهاز التربوي والسياسي الاسرائيلي.

وفي حديث الى «الشرق الأوسط»، قال عضو الكنيست العربي السابق، توفيق طوبي (1984 عاما)، الذي كان قد كشف عن وقوع المجزرة، انه رغم مرور 50 عاما على وقوع تلك المجزرة البشعة فإن السياسة العنصرية المعادية للعرب والتي كانت نبراسا لمخطط المجزرة ما زالت سارية في اسرائيل، وعليه فإن خطر طرح مخطط لترحيل العرب من وطنهم بواسطة المجازر لم يسقط. ودعا المواطنين العرب في اسرائيل الى وحدة الصف الوطنية بينهم وانتهاج سياسة تعقل حكيمة لمنع الأوساط الفاشية الاسرائيلية من التفكير في تنفيذ مخطط كهذا.

المعروف ان مجزرة كفر قاسم وقعت في 29 أكتوبر (تشرين الأول) 1956. ففي حينه شاركت اسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر سوية مع بريطانيا وفرنسا. وخلال الحرب قامت قوة من حرس الحدود الاسرائيلي بتطويق بلدة كفر قاسم المجاورة للضفة الغربية واعلان فرض حظر التجول. ولم يعرف المزارعون بأمر الحظر هذا، فلما عادوا الى قريتهم من الحقول اصطدموا بقوة حرس الحدود، وقد أوقفتهم وتيقنت انهم عزل من السلاح وانهم لم يعرفوا بأمر الحظر. ومع ذلك أمر قائد القوة، يسسخار شدمي، بقتلهم، واشتهر يومها بالتعبير عن هذا الأمر قائلا: «احصدوهم، الله يرحمو».

ثم حضرت مجموعة أخرى من السكان، وكان بينهم نساء وأطفال، وبلغ عدد القتلى 49 مدنيا بريئا، جميعهم مواطنون في اسرائيل، وذنبهم الوحيد انهم لم يعرفوا شيئا عن الأمر الاسرائيلي. وفي حينه حاولت اسرائيل إخفاء أمر هذه المجزرة، ولكن الألسن راحت تتناقل الموضوع، ووصلت المعلومات الى يوسف خميس، النائب العربي في الكنيست عن حزب «مبام« (حزب العمال الموحد)، وهو حزب يساري صهيوني كان شريكا في الحكومة. ولم يرد خميس أن يتورط مع حزبه وحكومته، فتوجه الى النائب عن الحزب الشيوعي المعارض، توفيق طوبي، وأبلغه بقصة المجزرة. وحاول طوبي نشر الموضوع في صحيفة «الاتحاد» الحيفاوية، لكن الرقابة العسكرية منعته من ذلك، فسافر سوية مع رفيقه في الحزب، النائب ماير فلنر، وحاولا الدخول الى القرية، فمنعتهما قوات حرس الحدود التي كانت ما زالت مرابطة أمام القرية، واعتدت عليهما وأوقعتهما أرضا.

وقد تمكن طوبي وفلنر من لقاء بعض السكان سرا، وجمعا بعض الشهادات، واعدا مذكرة حول المجزرة وسرباها الى الاتحاد السوفياتي، وبهذه الطريقة تمكنا من كشفها، ولكن فقط بعد أسبوعين من وقوعها. واضطرت السلطات الاسرائيلية الى اجراء محاكمة عسكرية لقادة حرس الحدود مرتكبي المجزرة، ولكن تبين أن هذه المحكمة كانت صورية وهدفها الحقيقي كان امتصاص الغضب الشعبي واسكات المنتقدين للمجزرة في اسرائيل والعالم. وانتهت المحكمة بفرض غرامة بقيمة قرش واحد على شدمي، قائد المجزرة، وتبرئة الباقين، ولم يعاقب أي من القتلة.

وبعد سنوات من المجزرة كشف النقاب في اسرائيل عن ان المجزرة لم تكن مجرد نزوة لعسكريين عنصريين، بل جزء من مخطط أعده رئيس الحكومة، ديفيد بن غوريون، هدفه استغلال الحرب لارتكاب عدة مجازر في قرى المثلث (من أم الفحم شمالا وحتى كفر قاسم جنوبا)، بغية دب الرعب في صفوف المواطنين لعلهم يهربون شرقا الى الضفة الغربية (التي كانت واقعة آنذاك تحت الحكم الأردني)، فتفرغ هذه المنطقة من السكان الفلسطينيين ويتم تعديل الميزان الديمغرافي لصالح الأغلبية اليهودية. ومنذ ذلك الحين يحرص فلسطينيو 48 على إحياء ذكرى المجزرة في كل سنة بتوعية الجمهور على خطر الترحيل المستمر. واتضح ان مخططات الترحيل لم تدفن في اسرائيل بل ظلت تتجدد من سنة الى أخرى. وحسب تصريح لرئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي، الجنرال اهرون يريف، أدلى به في عام 1973، كان هناك مخطط لاستغلال أول حرب تخوضها اسرائيل من أجل تهجير ما يعادل 600 – 700 ألف عربي من الجليل والضفة الغربية الى الأردن، ولهذا فإن العرب في اسرائيل يحيون هذه المناسبة اليوم محذرين من تكرار المجازر ومطالبين الحكومة بالاعتراف بالمسؤولية عن المجزرة والتعهد بالامتناع عن تكرارها. وتكتسب هذه الدعوة اهمية خاصة هذه الأيام حيث قرر رئيس الحكومة، ايهود أولمرت، ضم أفيغدور لبرمن الى حكومته، وهو الذي يطرح مشروع الترحيل للعرب في برنامج حزبه الرسمي.