افتتاح مجلس الأمة الكويتي اليوم وسط خلافات حكومية ـ نيابية حول الأولويات

محاربة الفساد وحماية أملاك الدولة وكشف الذمة المالية أهمها

TT

يدشن مجلس الأمة الكويتي اليوم أولى، جلسات دور انعقاده الثاني بعد غياب دام أكثر من شهرين سبقته دورة تكميلية في يوليو(حزيران) الماضي، تمكنت فيها المعارضة من تسجيل عدة مكاسب لمصلحتها.

وسيستمع أعضاء البرلمان الذي يضم أعضاء مجلسي الأمة والوزراء إلى النطق السامي الذي سيفتتح فيه أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد دور الانعقاد الثاني للفصل التشريعي الحادي عشر من حياة الكويت البرلمانية، إلى جانب كلمتي رئيسي السلطتين التشريعية والتنفيذية المتضمنتين آراؤهما وتصوراتهما للعلاقة بين المعسكرين الحكومي والنيابي وتقييمها واستشراف مستقبلها ليبدأ النواب بعدها بالتعليق على ما تضمنه الخطاب الأميري الذي يشمل خطة عمل الحكومة للمرحلة المقبلة.

وبموجب دستور 1962 الذي تعمل السلطات في الكويت بمقتضاه سيفتتح أميرها الشيخ صباح الأحمد اليوم الدورة بخطاب «يتضمن بيان أحوال البلاد وأهم الشؤون العامة التي جرت خلال العام وما تعتزم الحكومة إجراءه من مشروعات وإصلاحات خلال العام الجديد» وفق ما جاء في المادة 104، ثم سيقوم البرلمان بعدها وبموجب المادة 105 باختيار «لجنة من بين أعضائه لإعداد مشروع الجواب على الخطاب الأميري، متضمنا ملاحظات المجلس وأمانيه، وبعد إقراره من المجلس يرفع إلى الأمير» بحسب المادة.

وينتخب البرلمان اليوم بالتصويت السري أحد أعضائه أمينا للسر وآخر مراقبا لأعماله قبل أن يختار وبموجب المادة 93 أعضاء اللجان الدائمة والمؤقتة التي يتألف منها المجلس وتعمل على إنجاز القوانين والنظر في أعمال الوزارات والهيئات الحكومية وفقا لاختصاصها.

ووسط حالة من تداخل الأجندات السياسية بين القوى التي يتألف منها البرلمان من جهة والحكومة وفريقها من جهة أخرى، يبدو واضحا أن هناك شبه اتفاق على عدد من القضايا التي سيطرحها النواب فيما بينهم بمواجهة الفريق الحكومي تحت قبة قاعة عبد الله السالم خلال الموسم البرلماني الجديد الذي سينتهي الصيف المقبل، وكذلك ستسعى الحكومة من خلال تحركاتها مناقشة بعض الملفات ودعم عدد من المشاريع التي ترى أهمية تمريرها خلال الفترة المقبلة.

ويتفق اليوم برنامجي عمل الحكومة والبرلمان على أهمية معالجة قضايا الفساد والتجاوزات المالية ومعالجة الخلل الإداري الذي يعتري عمل بعض المؤسسات والجهات الحكومية.

ونيابيا، أجرت الكتل الثلاث التي ينتمي إليها العدد الأكبر من النواب (العمل الشعبي والإسلامية والعمل الوطني) اجتماعات داخلية ومشتركة مكثفة خلال الأيام القليلة الماضية لتحديد أولوياتها وللتوفيق فيما بينها حول جدول أعمال البرلمان، وأعلنت كل كتلة عن برنامج عملها وأولوياتها للدورة التي تستهل أعمالها اليوم.

ويكتسب دور الانعقاد الجديد أهمية خاصة على المستويين الحكومي والنيابي كونه أول دور انعقاد فعلي للمجلس الجديد والأول بعد تعديل قانون الانتخاب وتحويل الكويت إلى خمس دوائر انتخابية بدلا من 25، الأمر الذي مهد الأرضية لرؤية جديدة للعمل تُرجمت بتجمع 34 نائبا في 3 كتل نيابية رئيسية ستعمل وفقا لأجندات تسهل عملها وتمكنها من ترسيخ مفهوم العمل الجماعي.

ويتشكل مجلس الأمة حاليا من 50 نائبا وستة عشر وزيرا وينقسمون بين أربع كتل رئيسة هي وزراء الحكومة 16 وزيرا، الكتلة الإسلامية 18 نائبا وينسق أعمالها الوزير السابق والنائب الحالي أحمد باقر، وكتلة العمل الشعبي 8 نواب التي يقودها رئيس مجلس الأمة السابق والنائب الحالي أحمد السعدون، وأخيرا كتلة العمل الوطني 8 نواب التي ينسق أعمالها نائب رئيس مجلس الأمة السابق والنائب الحالي مشاري العنجري، فيما لم يحدد بعد بقية النواب 15 نائبا انتمائهم للكتل الموجودة مع استثناء رئيس المجلس.

ويدور هذه الأيام في كواليس البرلمان حديث عن إعادة إحياء تكتل المستقلين ذي التوجهات المقربة من الحكومة والذي يضم حاليا أكثر من 10 نواب، إلى جانب تضارب أنباء عن وجود اختلافات بين عدد من أعضاء الكتلة الإسلامية قد تفضي إلى توجه عدد منهم إلى الكتل الأخرى أو انضمامهم لكتلة المستقلين متى ما أعلن عن تأسيسها رسميا.

وخلال دورة الانعقاد التكميلي الأولى والتي استمرت ثلاثة أسابيع خلال يوليو (تموز) الماضي تمكن البرلمان من إنجاز قانون الدوائر الانتخابية ورد القوانين التي شرعتها الحكومة في غيابه، فيما لن يقل دور الانعقاد الجديد للبرلمان عن ثمانية أشهر وفقا للدستور الذي يفرض عليه الاستمرار حتى الانتهاء مناقشة الميزانية العامة للدولة والتي تقدمها الحكومة أوائل يونيو (حزيران) من كل عام.

ومن القضايا محل الاتفاق بين الكتل البرلمانية، الإصلاح ومحاربة الفساد وحماية الأموال العامة وأملاك الدولة وكشف الذمة المالية للقياديين وتحديد التصورات للتعديلات المقترحة على اللائحة الداخلية للمجلس التي تعد أساس للعلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة تحت قبة البرلمان، إضافة إلى القضايا ذات الطابع الخدمي والمعيشي ومنها مناقشة الوضع الصحي والأزمة المرورية والتعليم، وهي جميعها أيضا محل اهتمام الحكومة.

إلا أن قراءة التفاصيل تكشف تباينا في الرؤى على صعيد المشهد السياسي بين الفريقين الحكومي والبرلماني.

ولهذا فإن أول الملفات التي ستكشف مدى التباين في العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية يتعلق بالأسئلة البرلمانية والاستجوابات النيابية للوزراء والتي كانت الحكومة غالبا ما ترى فيها خروجا عن الأهداف المرجوة منها ويجب تقيدها، إلا أنها الآن ستستفيد بما انتهت إليه المحكمة الدستورية في حكم أصدرته الشهر الماضي، من شأنه أن يقيد السؤال الموجه من النائب للوزير بعدد من الضوابط أهمها ألا يشمل إفشاء لمعلومات شخصية وألا يرتبط بالفترة السابقة لتولي الوزير مسؤولياته، الأمر الذي اعتبره النواب تحجيما لواحدة من أهم الأدوات البرلمانية التي يعتمدون عليها في تلقي المعلومات بشكل رسمي من الحكومة خصوصا بعد أن تذرع أكثر من وزير بهذا الحكم ورفضوا تزويد النواب بما سألوهم عنه من معلومات مما دفعهم إلى التلويح بالمساءلة السياسية متى ما استخدم هذا الحكم في غير محله أو أسيء تفسيره.

وثاني الملفات التي ستشهدها الساحة النيابية استجواب وزير الإعلام محمد السنعوسي على خلفية تجاوزات شابت إدارته لشركات استفادت من فكرة الـ B.O.T ونفذت مشاريع على أراض مملوكة للدولة، قبل انضمامه للفريق الوزاري في مايو (أيار) الماضي، وصدور تقارير عن ديوان المحاسبة بهذا الشأن اعتبرها النواب بمثابة الإدانة له، إلا أنه مع ذلك اختير لتولي حقيبة الإعلام التي تعد أبرز وزارات تأزيم العلاقة بين السلطتين، لا سيما من قبل نواب كتلتي العمل الشعبي والإسلامية، ثم لجوئه للرد على ما يثيره النواب ضده عبر الصحف بأسلوب استفزازي، إلى جانب التلويح باستجواب عدد من الوزراء بينهم وزير التربية د. عادل الطبطبائي والتجارة فلاح الهاجري (نائب محلل في الحكومة) والصحة الشيخ أحمد العبد الله على خلفية بعض القضايا المتعلقة بأداء وزاراتهم.

والملف الثالث الذي سيحرج الحكومة، ويفتح بابا للجدل بينها والمجلس ويؤثر على العلاقة بينهما سيكون توصية لجنة التحقيق في المخالفات الانتخابية التي انتهت في تقريرها الصادر مطلع أكتوبر(تشرين الأول) إلى ضرورة إيقاف رئيس جهاز خدمة المواطن الشيخ محمد العبد الله المبارك عن العمل لمدة ثلاثة شهور لحين الانتهاء من التحقيق معه حول المخالفات التي ارتكبها جهازه خلال فترة الانتخابات خاصة، وأنه أكد خلال التحقيق معه بأن ما قام به من أعمال أتى تنفيذا لأوامر شفوية تلقاها من رئيس مجلس الوزراء الذي يخضع جهازه لإشرافه.

من جانبه يبين عضو كتلة العمل الوطني النائب علي الراشد في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» أن هناك أيضا عددا من القضايا التي ستعرض على المجلس خلال دور الانعقاد الجديد ومنها «تقرير لجنة التحقيق في قضية هاليبرتون وإعلان توجيه استجواب لوزير الإعلام، إضافة إلى القضايا المتعلقة بالتربية والتعليم والاختناقات المرورية ومشاكل القطاع الصحي ومناقشة التعديلات المقترحة على اللائحة الداخلية لمجلس الأمة باعتبارها المنظم للعلاقة بين الأعضاء والحكومة».

ويضيف الراشد أن «هناك أزمة تلوح بالأفق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وتتطلب لحلها تغيير الحكومة، فالتشكيل الحالي يضم وزراء يمثلون عناصر صدام بين الطرفين وحتى يكون هناك تعاون يجب إزالة أسباب التوتر».

وتأكيدا على ذلك تجب الإشارة إلى أن الحكومة بدورها مهدت الأجواء السياسية والتقت أعضاء وممثلي الكتل البرلمانية كل على حدا في بادرة سجلت لمصلحتها للمرة الأولى منذ بداية العهد الدستوري في ستينيات القرن الماضي، وبحثت مع ممثلي الكتل البرلمانية أثناء اللقاءات رؤاهم وتصوراتهم للأولويات التي يجب أن تكون محل اتفاق بين السلطتين كما استمعت لملاحظاتهم حول الأداء الحكومي بشكل عام وتعرفت منهم على أبرز الملفات التي سيطرحونها خلال دور الانعقاد الجديد.

أما النواب فاحتسبوا هذه الخطوة الحكومية نقطة تسجل لمصلحتها شريطة انتباهها لما قالوه خاصة فيما يتعلق بقضايا التجاوزات والفساد، ورأت مصادر التقتها «الشرق الأوسط» ألا عذر للحكومة بعد اليوم.

ويرى محللون أن مبادرة الحكومة التقاء الكتل النيابية لم تكن سوى خطوة سياسية لامتصاص حماس النواب وتصديهم لقضايا ساخنة ومحل استجواب وغضبهم من التشكيلة الحكومية التي لا تتناسب مع قوة المجلس وخطورة القضايا المطروحة على الأجندة البرلمانية خاصة بعد أن استفادوا من الزخم الشعبي الذي أوصلهم لمقاعد البرلمان إثر مواجهة بين مجلس الأمة والحكومة في مايو الماضي على خلفية قانون تعديل الدوائر الانتخابية أدت إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات في يونيو شاركت فيها المرأة للمرة الأولى وسجلت فيها المعارضة اكتساحا لصناديق الاقتراع مقابل ترجعا واضحا للمرشحين المقربين من الحكومة، الأمر الذي دفع الحكومة للاستجابة إلى مطالب المعارضة ومنها إبعاد نائب رئيس مجلس الوزراء محمد شرار ووزير الطاقة الشيخ أحمد الفهد عن الحكومة، وسحب التشريعات التي قدمت خلال فترة حل البرلمان، والموافقة على تعديل قانون الانتخاب بتحويل الدوائر الانتخابية إلى خمس بدلا من خمس وعشرين.

وعلى ذلك يعلق عضو الكتلة الإسلامية النائب عادل الصرعاوي في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» أن «اللقاءات التي جمعت النواب مع الحكومة جيدة ومشجعة، وهو ما لم نلمسه من الحكومات السابقة نتيجة لغياب عناصر الفساد التي كانت تؤثر سلبا على العلاقة بين الحكومة والمجلس وعملت على الحد من وصول بعض الأعضاء للجان البرلمانية المهمة، مما أدى إلى تفتيت العمل البرلماني من الداخل».

ويشير الصرعاوي إلى أن «أهم القضايا التي ستثار خلال دور الانعقاد المقبل ستكون نتيجة لعمل جماعي بين ثلاث كتل رئيسية بدأت التنسيق فيما بينها، واتفقت على آلية عمل ومجموعة قضايا ستطرحها من بينها محاربة الفساد والتشريعات المتعلقة به، كما ستأخذ تقارير ديوان المحاسبة التي تناولت مشاريع الـB.O.T. حقها بالمناقشة إضافة إلى تشريعات أصدرها المجلس وردتها الحكومة ومنها قانون إنشاء شركة الاتصالات الثالثة وقانون المستودعات، إضافة إلى مناقشة حزمة قوانين اقتصادية انتهت إليها اللجان البرلمانية أثناء فترة عملها في العطلة ومنها قوانين المناقصات والـ P.P.P والخصخصة».

وتوقع النائب الصرعاوي في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» أثناء التحضير لهذا التقرير أن «تطرح عدة مشاريع جديدة على مجلس الأمة خلال دور الانعقاد المقبل ومنها تحويل الكويت إلى دائرة انتخابية واحدة وبحث التشريعات التي تتيح تعقب المعاملات المالية ومناقشة تقارير لجان التحقيق في التجاوزات المرتبطة بالتطاول على المال العام».

الحكومة من جانبها لم تتأثر بالحديث عن الأولويات النيابية ومدى تعارضها أو تطابقها مع رؤيتها لمتطلبات المرحلة المقبلة، فحددت أولوياتها والنقاط الأساسية التي ستطرحها في برنامج عملها، وهي «الإصلاح ومحاربة الفساد وتحسين الخدمات والسعي إلى تحقيق هذه الأمور من خلال تعاون السلطتين التشريعية والتنفيذية».

جاء ذلك، على لسان وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة عبد الهادي الصالح الذي عبر في تصريح صحافي أدلى به مطلع الأسبوع الحالي عن تطلع الحكومة إلى «افتتاح دور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي الحادي عشر لمجلس الأمة في لقاء جديد للسلطتين التشريعية والتنفيذية في مشاريع عمل وطنية قوامها دستور الكويت وهدفها رفعة الوطن ورفاهيته».

واضاف الصالح قائلا أن «الحكومة متفقة مع مجلس الأمة أكثر من أي وقت مضى على أولويات ملحة عنوانها الإصلاح ومحاربة الفساد، وتحسين خدمات المؤسسات وازدهار البلاد ورفاهية الإنسان الكويتي، كما أن الحكومة استوعبت رسالة الشارع الكويتي الأخيرة، واستقبلت ملاحظات النواب بكل تقدير واهتمام، ولعل ما أنجزته في غضون الفترة القليلة الماضية منذ تشكيلها وبالتعاون مع مجلس الأمة يؤكد على هذا المنهج وأنها ماضية فيه».

وشخص الصالح أسباب الاختلاف بين المعسكرين الحكومي والنيابي بأنها تكمن في «آليات ووسائل عمل الحكومة لتنفيذ برنامج الإصلاح، وفي إمهال المدة الزمنية لتحقيق ذلك».

وبدوره أرجع المحلل السياسي صالح السعيدي في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» تضارب الأجندات السياسية واختلاف الأولويات بين البرلمان والحكومة إلى «حالة من انعدام الوزن لدى النواب أوجدها قانون الانتخاب الجديد، فهم لا يزالون يعملون وفقا لمنظور الدوائر الخمس وعشرين، التي شكلت البرلمان الحالي ولم يدركوا بعد متطلبات الدوائر الخمس التي ستشكل البرلمان المقبل».

وتوقع السعيدي أن «يستفيد نواب من ضعف الحكومة ويفرضون أجندتهم، مستفيدين من وجود قضايا واضحة تكسّبهم ولها أهمية عند المواطن كمحاربة الفساد».

ويكشف السعيدي عن تأثر الحكومة بهذا الجو «نظرا لكون العمل السياسي غير مؤطر، ولا توجد حياة حزبية، نجد أن الحكومة لم تعرف أولوياتها حتى الآن، ويخدم هذا الجو أن الاستجوابات أصبحت من العناصر الأساسية في مجلس الأمة».

ويراهن المراقبون على أن الشكل الجديد هذا سينقل الممارسة السياسية الكويتية إلى إطار أوسع، ويمهد إلى مرحلة مقبلة ستزيد المكتسبات الديمقراطية مستفيدة من وعي الشارع وإدراكه للدور المطلوب منه، وهو ما انعكس باختياره نواب المجلس الحالي بعدما شهدت الساحة تجاذبا بين الحكومة والبرلمان في مايو الماضي كانت نتيجته فوزا للمعارضة زاد من المسؤولية الملقاة على عاتقها وخسارة دفعت الحكومة للبحث عن نقاط جديدة تسجلها في مباراتها أمام البرلمان.