معارضو الحرب يقتربون من كسب المعركة.. والبيت الأبيض يزداد عزلة

المرشحون الجمهوريون يتجاهلون نصيحة الإدارة لهم بتجنب الإشارة إلى العراق

TT

مع اقتراب القتال في العراق من الحرب الأهلية منذ فبراير (شباط) الماضي، عبّر جون وارنر رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ عن «درجة عالية من الثقة»، من أن حكومة جديدة ستتسلم المهام، وقبل انتهاء هذه السنة لن يكون النزاع «كما هو عليه الآن». ولكن في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) عاد وارنر من العراق محملا بتقييم أكثر سوداوية، وقال إن «الوضع ببساطة خرج عن السيطرة».

وأعطى تقييم وارنر صوتا لأولئك الجمهوريين المتشككين والمكبوتين من التعبير عن آرائهم بسبب الحملة الانتخابية النصفية. وطالب المشرعون الذين أصروا سابقا على «مواصلة المسار» بالتغيير في السياسة تجاه الملف العراقي. وقال قيادي من الحزب الجمهوري الأسبوع الماضي إن العراق «على حافة الفوضى»، كذلك قال الرئيس بوش إنه «ليس راضيا» وهو يبحث عن مقاربة جديدة.

وقد يكون شهر أكتوبر 2006 موضع تذكر باعتباره الشهر الذي تغيرت فيه السياسة الأميركية تجاه العراق حينما تفشى العنف ليهز القيادة العسكرية الأميركية في العراق والمؤسسة السياسية في واشنطن. واصطدمت الخطط الهادفة لتحقيق استقرار العراق بتصاعد هائل للعنف خلال شهر رمضان. إذ انتشر الانتقام لأسباب طائفية بشكل مريع ليصل إلى بلدة تبعد 50 ميلا عن بغداد. وتحدث مسؤولون أميركيون عن وضع معايير معينة أمام الحكومة العراقية كي تأخذ مسؤولية أكبر. من جانبه وافق الرئيس جورج بوش على مقارنة الوضع الحالي في العراق مع هجوم تيت، الذي أطلقه الفيتكونغ وجيش فيتنام الشمالية عام 1968 والذي ينظر إليه باعتباره نقطة تحول في مسار الحرب الفيتنامية، وحث الأميركيين على ألا يصبحوا يائسين.

وقال مستشار البيت الأبيض دان بارتليت إن «اكتوبر أصبح شهرا غاصا بالنشاط من حيث العمليات على الأرض وبالتأكيد هنا في واشنطن».

ومع تحول العراق إلى موضوع أساسي في الحوار القومي خلال الحملات الانتخابية النصفية للكونغرس، قال بارتليت إن «هناك توقعا في الجو يسود حاليا من بروز تعاون بين الحزبين بعد الانتخابات، حيث سيكون ممكنا البدء بالبحث عن طرائق للعمل معا حول هذا الملف».

ويشعر الجمهوريون بالقلق مما يحدث حاليا، ومن الشعور بالحنق الواسع الانتشار. وقال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام إن «الجمهوريين بدأوا يردون على حالة التأزم السائدة بين الشعب الأميركي، والناس أصبحوا يتساءلون إن كان صحيحا ذلك الوعد الأولي القائل إن الشعب العراقي قادر على حل مشاكله بطرائق سياسية».

وإذا ثبت أن شهر أكتوبر الحالي هو نقطة تحول في حرب العراق، فإن المؤرخين سيشيرون على الأرجح لاحقا إلى حادثتين، إحداهما في اميركا والأخرى وقعت في العراق؛ الأولى هي زيارة السيناتور وارنر للعراق. وباعتباره رئيسا للجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ، كان استنتاجه مثار صدمة للجمهوريين خصوصا وأنه من المؤازرين الأقوياء لبوش وسياساته، إذ قال إنه في حال عدم تحسن الأوضاع في العراق خلال فترة تتراوح ما بين شهرين إلى ثلاثة أشهر، فإن على الإدارة الأميركية أن تتبنى مسارا جديدا. وبينما يظل معارضا لسحب القوات الأميركية بشكل سريع، فإن وارنر كان واضحا في أن الاستمرار على النهج الحالي ما عاد خيارا قابلا للاستمرار.

وأثبتت تعليقات وارنر بأنها نقطة الانطلاق في السباق نحو تبني استراتيجية للخروج من العراق. وكان هناك عدد من الجمهوريين يحملون شكوكا بمسار الأمور في العراق، لكنهم لم يصرحوا بها خوفا من إعطاء الديمقراطيين الذخيرة ضمن المعارك الانتخابية الساخنة التي تدور حاليا. لذلك حررتهم ملاحظات وارنر من التعبير عن ريبتهم بالمسار الحالي الذي تتبعه الإدارة الأميركية في العراق.

وضمن هذا السياق بدأ السيناتور كاي بيلي هتشيسون التحدث حول الحاجة إلى تبني مقاربة مختلفة في العراق مثل تقسيم البلد. وفي فرجينيا قال السيناتور جورج الن، إن «هناك أخطاء اقترفت في العراق وإن التقدم كان بطيئا جدا». وطالب عدد أكبر من المرشحين الجمهوريين بطرد وزير الدفاع دونالد رامسفيلد من منصبه.

أما في العراق فإن اللحظة التي دفعت هذا التغيير كي ينطلق في واشنطن، جاءت في منتصف أكتوبر، حينما لم يحقق ارسال 12 ألف جندي أميركي إلى بغداد تهدئة المناخ هناك، مثلما كان مؤملا. ومع تصاعد التوتر بين الشيعة والسنة في المدينة تضاعف عدد الضحايا خلال أشهر قليلة ليصل في شهر سبتمبر(ايلول) وحده إلى 2660 قتيلا. وقال الجنرال ويليام كالدويل من القيادة العسكرية الأميركية في العراق، إن «عملية معا إلى الأمام حققت فرقا في المناطق البارزة، لكنها لم تصل إلى مستوى توقعاتنا في تقليل مستوى العنف». وقال إنه يشاهد تغيرا حتى ضمن القيادة العسكرية الأميركية في العراق، وأضاف «هناك قلق لم يكن موجودا في السابق؛ فالمسؤولون الذين كانوا يقبلون بالأمور بشكل سطحي أصبحوا الآن يطرحون أسئلة».

وضمن البحث عن طريقة تساعد على الخروج من المعضلة، ركزت واشنطن انتباهها على لجنة مراجعة سياسة العراق التي يرأسها الجمهوري العريق جيمس بيكر والنائب الديمقراطي السابق لي هاملتون. ومن المتوقع أن تصل توصيات اللجنة إلى الكونغرس أواخر ديسمبر(كانون الاول) أو بداية يناير(كانون الثاني) المقبل. ويتوقع أولئك الأشخاص الذين هم على معرفة بالخيارات التي طرحتها هذه اللجنة، يقولون إنها توصي إما بتخفيض طموحات الولايات المتحدة في العراق، والسعي لتحقيق الاستقرار باعتباره أسبقية بدلا من بناء نظام ديمقراطي، والاحتمال الأقل رجحانا هو البدء بسحب القوات الأميركية بشكل بطيء من العراق.

ومع ابتعاد أعضاء الكونغرس الجمهوريين عن الرئيس بوش، راح البيت الأبيض يصبح أكثر عزلة. وتزايد النقاش حول ما إذا كان العراق أصبح دافعا لتنامي المتطرفين الإسلاميين، حسبما ذكرت وكالة الاستخبارات القومية في تقريرها المتعلق بالعراق، مع صدور عدة كتب تنتقد الإدارة الأميركية في طريقة تعاملها مع الحرب في العراق.

أما الديمقراطيون الذين كانوا منقسمين بخصوص الحرب، فإنهم توحدوا اليوم حول فكرة الانسحاب بمراحل وأصبحت الإعلانات المتعلقة بالعراق أقوى الوسائل في التنافس الانتخابي بين حزبي المؤسسة الحاكمة. من جانبهم، بدأ المرشحون الجمهوريون يتجاهلون نصيحة الادارة لهم بعدم التحدث عن الحرب. لكن رئيس الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ السيناتور الجمهوري بيل فريست، قال إن «التحدي هو أن تجعل الأميركيين يركزون على قضايا تتعلق بجيوبهم لا حول العراق والإرهاب».

وفي البيت الأبيض أصبح المسؤولون هناك أكثر اكتئابا، وكل ما يأملونه هو أنه بعد انتهاء الخطب الطنانة قد تكون هناك إمكانية أمام الحزبين كي يضعا مقاربة جديدة للحرب في العراق. وقال مستشار الأمن القومي ستيفن هادلي في مقابلة معه: «أنا لا أرفض أفكارا جديدة، بل أنا أرحب بها. لكن لم يأت أحد حتى الآن بحل سحري».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»