أول سفير سجن رئيس الحكومة.. وسفير حُبس داخل السفارة

حكايات مثيرة لسفراء السودان في القاهرة:

TT

قدم السفير السوداني الجديد لدى القاهرة عبد المنعم مبروك اوراق اعتماده كسفير فوق العادة للرئيس المصري حسني مبارك. وجاء مبروك بعد السفير احمد عبد الحليم الذي انتقل الى رحاب ربه في عام 2005، واستطاع عبر 8 سنوات طي صفحة التوتر التي كانت سائدة في العلاقات السودانية المصرية في حقبة التسعينيات والمضي بها نحو التطبيع والتعاون في كافة المجالات والى حد الوصول بها الى التكامل وعقد اجتماعات وزارية عليا برئاسة نائب الرئيس السوداني ورئيس الوزراء المصري. وفي صالون منزل عبد الحليم كانت هنالك صورة كبيرة له مع الرئيس عمر البشير وحسني مبارك وقد ارتسمت على الوجوه ضحكة كبيرة وعندما سئل عن سر الضحكة العريضة قال: ان الرئيس مبارك كان يتحدث للرئيس البشير في موضوع ما، وقال له: «ده سفيركم»، فرد البشير، «لا، ده سفيركم»، أي سفير مصر، لأن احمد عبد الحليم كان من دعاة الاتحاد مع مصر، وانطلقت الضحكة العارمة كدلالة على التوافق الثنائي.

وتعتبر السفارة السودانية الأقدم بعد المملكة العربية السعودية في قائمة السفارات العربية في القاهرة، فقد بدأت كوكالة للسودان عام 1954 بعد تطبيق اتفاقية الحكم الذاتي وتقرير المصير للسودان التي وقعت في 12 فبراير (شباط) 1953 في القاهرة، وعندما اعلن الاستقلال في أول يناير (كانون الثاني) 1956، اختار اسماعيل الأزهري رئيس أول حكومة وطنية في السودان، بابكر الديب كسفير للسودان لدى مصر، وكان معروفا عن ضابط البوليس الديب أنه هو الذي اعتقل الازهري لقيادته مظاهرة ضد الانجليز عام 1948 وقدمه للمحاكمة، وحكم عليه بالسجن شهرين في سجن كوبر بالخرطوم بحري، ولكن الأزهري اعتبر انه كان يؤدي واجبه، وذلك لا ينتقص من وطنيته ولا كفاءته. وجاء بعده السفير مصطفى التني الذي أفادت مذكرات لاحقة، انه بعث بتقرير لرئيس الوزراء عبد الله خليل في فبراير (شباط) 1958 مفاده أن الرئيس المصري جمال عبد الناصر يجتمع بالاتحاديين لتوحيد صفوفهم للاطاحة به بالأغلبية من داخل البرلمان، وان هذه المعلومة كانت وراء قراره بدعوة القائد العام للجيش الفريق ابراهيم عبود للقيام بانقلاب عليه ونفذه في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 1958. ويعتبر أحمد مختار أحد أبرز سفراء السودان لدى مصر، فهو رئيس تحرير صحيفة «الهدف»، و«الأديب»، وأحد رموز الحركة الوطنية السودانية وكان عبد الناصر يعتبره صديقا قريبا ويلتقيه من وقت لآخر في منزله بمنشية البكري والذي شغل الوظيفة الدبلوماسية لعدة سنوات. وعين الدرديري احمد اسماعيل رئيس حزب وادي النيل في اعقاب الانقلاب الذي قاده جعفر نميري في 25 مايو (أيار) 1969 كسفير للسودان لدى القاهرة، ولكنه لم يبق في المنصب سوى «بضعة أشهر»، فقد حضر جعفر نميري الى القاهرة في زيارة رسمية وأقام حفل عشاء على شرف الرئيس عبد الناصر في السفارة السودانية، وعندما انتهى العشاء وغادر عبد الناصر المكان، سأل اللواء نميري عن سر خلو المقاعد والمناضد من الضيوف والمدعوين، وظهر ان الدعوات الرسمية اعدت، ولكن السفير وضعها داخل درج مكتبه ونسيها تماما، فما كان من نميري الا ان اقاله وأعاده للخرطوم مرة اخرى.

وفي مطلع السبعينيات حدثت ازمة بين الرئيسين انور السادات وجعفر نميري وتبادلا التصريحات الحادة، وقال نميري «انه لن يطأ ارض مصر مرة اخرى»، ورد عليه السادات: «ان ارض مصر طاهرة ولن تطأها مرة اخرى». ووجد السفير السوداني محمد ميرغني نفسه شبه محبوس داخل جدران مكتبه في السفارة، حيث طلب المسؤولون المصريون منه عدم الاتصال بهم حتى لا يعرضهم لمساءلة «لأن السادات مخاصم نميري»، واضطر السفير محمد ميرغني للسفر الى الخرطوم وطلب مقابلة عاجلة مع الرئيس نميري، حيث ابلغه انه اصبح في وضع الحبيس في السفارة لامتناع المسؤولين المصريين عن لقائه، ولم يعد هناك ما يفعله، وطلب منه ان يفوضه في أمر تحسين العلاقات الثنائية، ووافق نميري على التفويض، وبدأ السفير ميرغني بالاتصال بسيد مرعي امين عام الاتحاد الاشتراكي آنذاك وصهر الرئيس السادات، حيث اتفقا على التعاون لإصلاح العلاقات الثنائية، وذلك بتبادل الزيارات على مستوى تنظيمي الاتحاد الاشتراكي في البلدين، ونجحت الخطة وتقارب الرئيسان نميري والسادات، ووقع ميثاق التكامل السوداني ـ المصري. وفي تلك الفترة، كان التواصل سهلا وسلسا، حيث السفر ببطاقة وادي النيل، وأصبح محمد ميرغني أول سفير على مستوى وزير مركزي في السفارة السودانية بالقاهرة، ثم أصبح وزيراً للخارجية في مطلع الثمانينيات.

والسفارة السودانية إلى جانب كونها الأقدم في مقرها بحي جاردن سيتي، فهي أيضاً الأكبر أعباء بالنسبة لكثرة الوفود الرسمية القادمة إلى مصر، إلى جانب وجود جالية سودانية كبيرة، التي عادة ما تحتفل بالأعياد الدينية والوطنية في السفارة، ويوجد حالياً سفيران، السفير المعتمد عبد المنعم مبروك، والسفير المساعد أو المناوب محمد عبد الله إدريس، أما القنصل العام فهو فضل عبد الله فضل، الذي كان مديراً تنفيذياً لمكتب وزير الخارجية السابق الدكتور مصطفى عثمان، وهو بدرجة وزير مفوض، وتوجد بالسفارة عدة ملحقيات تجارية وعسكرية وأمنية وثقافية وإدارية وإدارة كبيرة للجوازات والمسؤول عنها بدرجة عميد، وهي السفارة الوحيدة التي يعمل معظم العاملين فيها بدون عطلات منتظمة لمواجهة متطلبات العمل المكثف.