الجنود الإسرائيليون يسلبون الفلسطينيين حرياتهم عند الحواجز ورجال الشرطة يسرقون ما في جيوبهم

TT

اغرورقت عينا مسعود بالدمع، لكن كبرياءه حال دون تدفقها، وهو يرد على سؤال زميله السائق، عن حاله. وقال «الحمد لله على كل حال». فاثار جوابه فضول زميله الذي سارعه بسؤال آخر «ولو مالك يا زلمه (رجل).. شو صايرلك». فرد وهو يحاول ان يحبس دمعة كادت ان تخذل كبرياءه «كعيت (دفعت مكرها) هلا (الان) الف شيكل (200 دولار) لاولاد الحرام».

وتساءل الزميل واسمه الاول محمود، مستغربا «ولو ليش (لماذا).. شو الذنب اللي ارتكبته حتى تدفع هذا المبلغ على ساعة المسا». فأجاب مسعود هذه المرة غاضبا «مخالفة سير يا سيدي.. قال ياسيدي انا مخالف وخيروني ما بين المحاكمة والالف شيكل. فاخترت دفع الالف شيكل بدل البهدلة والمحاكمة التي ستنتهي في نهاية المطاف بدفع الألف شيكل وربما غرامة اخرى، مع تكاليف المحكمة والمحامي ولا تنسى الوقت الذي سأضيعه بين المحامي والمحكمة يعني القعدة من غير شغل». وادار مسعود الذي لم اعرف بقية اسمه، ظهره في طريقه الى سيارته التي كانت ضمن طابور طويل جدا من السيارات (اجرة وخاصة) في انتظار دوره لعبور حاجز ما يسمى بحاجز «عناب». ويقع هذا الحاجز الثابت على الطريق الوحيد الذي لا يزال مفتوحا ما بين مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية وبقية مدن وبلدات الضفة الواقعة الى الجنوب منها مثل نابلس ورام الله وبيت لحم والخليل وغيرها.

و«عناب» هو اسم مستوطنة تقع على تل يطل على هذا الطريق ولا تبعد سوى بضعة كيلومترات عن مستوطنة اخرى تحمل اسم افني حفيش، التي تقع الى الشمال منها.

دار الحديث بين مسعود ومحمود، وانا جالس الى جانب الاخير في انتظار دورنا في الطابور لعبور الحاجز في الطريق الى طولكرم، قادما من مطار اللد. ودفعني الفضول لمعرفة سبب دفع هذا المبلغ الضخم لمخالفة سير، الى سؤال سائقي، مستفسرا: > وهل من حق جيش الاحتلال ان يخالف سائقي الضفة؟

ـ فقال مجيبا «كأنك غريب عن البلاد.. مين راح يمنعهم. وبعدين مش الجيش اللي بيغرمنا.. الشرطة هي اللي بتقوم بالدور».

> وقاطعته وماذا دخل الشرطة الاسرائيلية في الضفة الغربية؟

ـ طبعا لها حق.. فهذه المنطقة مناطق «ج» وحسب اتفاقات اوسلو فهي مناطق خاضعة أمنيا واداريا لاسرائيل. وبعدين يا سيدي الجيش طالع نازل في كل مكان في كل مناطق «أ» (المفترض ان تكون خاضعة أمنيا واداريا للسلطة) و«ب» (المفترض ان تكون خاضعة اداريا للسلطة). ومين راح يمنعه. يا زلمي خليها على الله».

وتابع القول «ولو تعرف ان الشرطي اللي خالفه هو عربي اسمه علي، وهو جالس في سيارة الشرطة هناك»، مشيرا باصبعه الى سيارة تحمل اشارات الشرطة كانت تقف الى جانب الحاجز العسكري في انتظار فريسة اخرى.

واستطرد قائلا «والله جريمة.. يا زلمه الشوفير (السائق) منا، بطلوع الروح بيطلع مائة شيكل (20 دولارا) في اليوم». > وسألت وما هي المخالفة التي ارتكبها حتى يدفع الف شيكل؟

ـ فاجاب «يا سيدي هذا السائق يفترض ان يعمل على خط الفارعة (بلدة شرق الضفة في منطقة الاغوار) ـ نابلس، ولا يحق له ان يعمل على هذا الخط».

> فما الذي يأتي به الى هذا الخط وهو يعلم بمخاطر هذه المغامرة؟

ـ قال «مين جبرك على المر الا اللي امر منه. الكل بدو يسترزق في مثل هذه الاوضاع الاقتصادية السيئة. انت ما بتعرف،.. الوضع سيئ للغاية والدنيا نار والناس لا تجد اكل. بسبب الحصار المفروض على نابلس المغلقة من جميع الجهات، لا يجد الشوفيرية (السائقون) على هذا الخط ركابا، فيضطرون للبحث عن طرق أخرى طلبا للرزق. والنتيجة كما شفت (رأيت) الف شيكل يعني شغل ايام. واستطرد يا اخي السائق منا عليه التزامات من تسديد اقساط السيارة الى البنزين.. ومن تصليح التاكسي الى رخصتها التي تكلفنا مع رسوم اخرى حوالي 70 شيكلا في اليوم. طيب منين بدنا نسدد هالتكاليف اذا ما اشتغلنا. الواحد منا يضطر الى المغامرة المكلفة لانه لا يوجد بديل اخر، في الايام العادية نسلك الطرق الفرعية (الترابية الجبيلية) لتجنب الحواجز الثابنة.. هناك طبعا الحواجز الطيارة على هذه الطرق.. انت وحظك. لكن بسبب الاوضاع الجوية (الضفة شهدت على بضعة ايام لم تشهدها منذ سنوات طويلة». وبعدبن الواحد منا عنده عر اولاد (عدد كبير من الاطفال) وهذولا (هؤلاء) بحاجة الى اطعامهم. طيب اذا ما اشتغلته منين رايح اطعمهم. مش بس هيك (الامر ليس كذلك فقط) فكما تعرف، الاسعار غالية جدا والله وما لك علي يمين، ان الواحد ما بذوق اللحمة الا بالمناسبات. واقول هذا الكلام ونحن وضعنا والحمد لله افضل من غيرنا خاصة موظفي السلطة الذين لم يتلقوا رواتبهم منذ مجيء حماس الى الحكومة».

ونحن منغمسون في النقاش، تحرك طابور السيارات العائدة الى منطقة طولكرم في نهاية اليوم، من دون سبب كما تراكم من دون سبب، بينما بقي طابور السيارات وكذلك المشاة، المتجهين الى نابلس يراوحون مكانهم فأمام هؤلاء رحلة قد تطول خاصة ان هناك العديد من الحواجز الاكثر تشددا حول المدينة التي تعاني من الحصار المطبق منذ سنوات.

ونقلنا الحديث الى الاوضاع السياسية، فاكتفى السائق محمود قول ونحن نقترب من طولكرم، «يا اخي نحن في واد والمسؤولين ولا استثني احدا، في واد اخر.