الرئيس الموريتاني يبحث في مدريد قضايا الهجرة السرية والصيد البحري وملف الصحراء

TT

قالت مصادر إسبانية رسمية، إن الرئيس الموريتاني اعل ولد محمد فال، بحث مع المسؤولين الذين اجتمع بهم في مدريد، في إطار زيارته الرسمية، إمكانية الاستعانة بالطائرات الإسبانية العاملة ضمن وحدات أوروبية، أحدثت لمحاربة الهجرة السرية. غير أن المصادر ذاتها أشارت إلى أن الرئيس الموريتاني غير متحمس لتلك الإمكانية. وكان العقيد ولد محمد فال قد اجتمع بعدد من المسؤولين الإسبان، الذين يمسكون ملفات العلاقات المتعددة الأوجه القائمة بين مدريد ونواكشوط. كما استقبل من لدن الملك خوان كارلوس في القصر الملكي «لا ثارثويلا»، واجرى امس مباحثات مع رئيس الحكومة الاسبانية، خوسيه لويس ثباتيرو، في مقر رئاسة الحكومة بقصر «لا مونكلوا»، وقبل ذلك أجرى مباحثات مع وزيري الداخلية والخارجية الإسبانيين، الفريدو بروبلكابا، وميغيل أنخيل موراتينوس.

وأشادت وسائل الإعلام الإسبانية، التي تطرقت للزيارة بالوضع السياسي الديمقراطي القائم في موريتانيا، الذي خلف النظام الذي كان يرأسه الرئيس السابق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، الأمر الذي جعل مدريد تتعامل مع القادة الجدد من دون تحفظ. وأعربت مدريد عن استعدادها لتقديم مزيد من المساعدات التقنية واللوجستية الممكنة، الكفيلة بإكمال المسلسل الديمقراطي، الذي التزم العهد الجديد بالمضي فيه حتى منتهاه، وذلك بتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية حرة ونزيهة وشفافة، تشارك فيها كل الحساسيات السياسية والحزبية.

وتنظر مدريد حاليا بكثير من الاهتمام إلى جار المغرب الجنوبي، خاصة بعد أن دخلت موريتانيا نادي الدول المصدرة للنفط، في ظل تقارير تشير إلى أن البلاد زاخرة بالثروات الطبيعية، من قبيل الغاز ومصادر أخرى للطاقة، ما سيمكن إسبانيا في المستقبل القريب من تنويع مصادر مقتنياتها من الطاقة.

وتوجد مجالات أخرى تتعاون فيها مدريد ونواكشوط، أهمها الهجرة السرية حيث سارعت إسبانيا في المدة الأخيرة إلى نجدة موريتانيا بوسائل التصدي للمهاجرين السريين الأفارقة القادمين من السنغال وغامبيا، الذين اكتشفوا في موريتانيا شساعة المساحة، وقلة إمكانيات مراقبة السواحل والحدود البرية الممتدة، فاتخذها المهاجرون نقطة عبور وقاعدة خلفية يتجمع فيها الآلاف في انتظار الإبحار إلى شواطئ جزر الخالدات القريبة.

ونزل ثقل الهجرة السرية على موريتانيا إثر تضييق الخناق عليها في المغرب الذي تعاون مع إسبانيا واستفاد من المساعدات التقنية التي قدمت له في هذا المجال، وتم تعاون مماثل مع نواكشوط، للتصدي لنفس المشكلة.

وفضلا عن الهجرة السرية التي ستظل إلى حين مشكلة مقلقة للبلدان التي تمر منها أو تستقر بها قوافلها، يعتبر ملف الصيد البحري أحد ركائز التعاون القوية بين البلدين، حيث يأتي الاتفاق المبرم بين الاتحاد الأوروبي وموريتانيا الثاني في الأهمية بعد المغرب، الذي تستفيد منه إسبانيا بدورها أكثر من غيرها من دول الاتحاد الأوروبي بحكم القرب الجغرافي. وجرى تجديد الاتفاق في يوليو (تموز) الماضي، من دون صعوبة خلافا للمفاوضات الطويلة التي استغرقها تجديد الاتفاق مع المغرب.

وفي هذا السياق، اتفق وزيرا الصيد في اسبانيا وموريتانيا، على تكثيف التعاون في القطاع الذي يشرفان عليه في بلديهما، من حيث تأهيل العاملين الموريتانيين العاملين فيه، وتكثيف البعثات العلمية التي تراقب الثروة السمكية في البحر وتستكشف بوسائل متطورة ما يختزنه في أعماقه.

وعلى الصعيد السياسي، تمتدح إسبانيا موقف موريتانيا من نزاع الصحراء الذي اتسم بمرونة منذ اندلاعه، إذ أظهرت نواكشوط خلال مراحل النزاع رغبة أكيدة وواضحة في إيجاد حل سياسي له، على الرغم من دقة موقفها والحرج الذي تعانيه جراء الضغوط الخفية في غالب الأحيان التي تمارسها عليها جارتها القوية الجزائر، بسبب الود القائم بينها وبين المغرب، الذي تمليه الروابط الإنسانية التاريخية قبل الاعتبارات السياسية العابرة.

ومنذ أن عاد الاشتراكيون إلى الحكم في إسبانيا، عملوا على إشراك نواكشوط حتى في ظل العهد السابق، في المساعي التي قاموا بها لتضييق شقة الخلاف بين الرباط والجزائر، وهي المساعي التي ما زالت مستمرة.