الأميركيون مهتمون بعالم بيولوجي راسل الظواهري مراراً وأكد له «أن أهدافنا تحققت»

باكستان ترفض اعتقال عبد الرؤوف.. وقضيته جددت الجدل حول صلة «القاعدة» بهجمات الإنثراكس

TT

في ديسمبر عام 2001، وخلال التحقيقات في هجمات الجمرة الخبيثة (الإنثراكس) التي تعرضت لها الولايات المتحدة، اكتشفت قوات الحلفاء في افغانستان ما بدا دليلا مهما: وثائق تكشف محاولة تنظيم «القاعدة» لصناعة سلاح الجمرة الخبيثة.

وتشير الوثائق الى مهمة من جانب عالم يدعى عبد الرؤوف وهو شخصية باكستانية غامضة في متوسط العمر متعاطف مع «القاعدة» ويحمل درجة متقدمة في علم الميكروبات. وقد سافر عبد الرؤوف، مستخدما عضويته في منظمة علمية ذات شهرة، عبر اوروبا، طبقا لما ذكره مسؤولون، بحثا عن المعدات اللازمة لتحويل الجمرة الخبيثة الى سلاح بيولوجي قاتل، وكان على اتصال مباشر بالرجل الثاني في «القاعدة» ايمن الظواهري، وفي احدى الوثائق كتب في رسالة مشفرة الى الظواهري عام 1999: «لقد حققت بنجاح الهدف».

وقد لا يتمكن المسؤولون الاميركيون على الاطلاق من معرفة ما توصل اليه عبد الرؤوف، ذلك انهم يشعرون بالحرج في جهودهم المستمرة منذ خمس سنوات لتوجيه الاتهام الى رجل قالوا انه اعترف بانه كان مستشارا لـ«القاعدة» فيما يتعلق بالجمرة الخبيثة.

ويشار الى ان عبد الرؤوف يخضع للمراقبة في باكستان منذ اعتقاله فيها في اواخر عام 2001، طبقا لمسؤولين اميركيين وباكستانيين وافقوا على الحديث حول هذه القضية لاول مرة. ولكن عبد الرؤوف حر رسميا، اذ ذكرت باكستان انه ليس لديها ادلة تسمح باعتقاله. وفي العام الماضي، وفي اعتراف بالطريق المسدود الذي وصلت اليه التحقيقات المشتركة مع باكستان، جمد مكتب المباحث الفيدرالي الاميركي (اف. بي. آي) التحقيق في القضية.

كانت الوثائق التي أظهرت دور عبد الرؤوف جزءا من مجموعة ضخمة من الاوراق اكتشفت في منزل بمدينة قندهار الواقعة جنوب افغانستان. وتبين من الوثائق والمقابلات أن عبد الرؤوف واحد من الشخصيات التي تتسم بالدهاء. ويقول مسؤولون اميركيون انهم يشعرون بالارتباك والتشوش بخصوص رفض السلطات الباكستانية ملاحقة عبد الرؤوف، رغم انهم يعترفون بأن القضية تمثل صعوبة قانونية وسياسية بالنسبة لباكستان. وليس معروفا مدى مساعدة «القاعدة» لعبد الرؤوف. ولم يتمكن أي شخص من التوصل الى علاقة بين عمله وهجمات الانثراكس التي شهدتها الولايات المتحدة عام 2001، عندما تم ارسال رسائل بريدية تحمل عصيات من الجمرة الخبيثة الى مؤسسات اعلامية ومكاتب اعضاء في الكونغرس بأميركا.

وقد اكتشفت قوات التحالف مختبرات بدائية في قندهار، لكنها لم تعثر على أي دليل بخصوص انتاج اسلحة بيولوجية. وبالرغم من ذلك فإن البيت الابيض ولجنة رئاسية اميركية لمّحا الى اكتشافات اخرى تشير الى ان «القاعدة» اكثر تقدما في هذا المجال مما كان يعتقد من قبل.

وقد صار المسؤولون الاميركيون اكثر تكتما بخصوص مناقشة العلاقات المحتملة بين برنامج الجمرة الخبيثة التابع لـ«القاعدة» والهجمات التي وقعت في الولايات المتحدة عام 2001، التي ادت الى مقتل خمسة اشخاص. ولا يعتقد المسؤولون في المباحث الاميركية بوجود مثل هذه العلاقة. فقد اشاروا الى ان الهجمات جاءت بتحذير واضح يتمثل في رسالة تنصح الضحايا بتعاطي البنسلين، ما ادى الى انخفاض نسبة الضحايا. ويذكر العديد من خبراء الارهاب البيولوجي ان الادلة تشير الى «القاعدة» او ربما جماعة متحالفة معها نسقت هجمات 11 سبتمبر عام 2001. ويشير الخبراء الى استئجار زعيم منفذي هجمات سبتمبر محمد عطا طائرة رش والى الزيارة التي قام بها احمد ابراهيم الحزنوي، الذي شارك ايضا في هجمات سبتمبر، الى قسم الطوارئ للعلاج من التهابات جلدية تشبه التهابات الجمرة الخبيثة.

وسواء كانت «القاعدة» طرفا او لم تكن، فإن المسؤولين الاميركيين وخبراء الارهاب البيولوجي يتفقون على ان التحالف بين الجماعات الارهابية والعالِم غير المعروف يمكن ان تؤدي الى نتائج كارثية.

وبسبب خبرته الطويلة، ربما كان عبد الرؤوف المرشح المثالي لمساعدة «القاعدة» على تحقيق طموحها في انتاج الأسلحة البيولوجية. فقد كان هذا العالم الطويل النحيف الذي يرتدي النظارات حاملا لشهادة الدكتوراه في علم الاحياء الدقيقة، لكنه متخصص في انتاج الأغذية، وفقا لمسؤولين أميركيين مطلعين على القضية. وتعين عليه أن يحصل على معلومات بشأن الجمرة الخبيثة وعوامل الارهاب البيولوجي الأخرى وهو يمضي في عمله، مظهرا تقدمه الى حد كبير.

ولا تزال قضية صلته مع الظواهري مسألة غير واضحة. وعمل عبد الرؤوف في المجلس الباكستاني للأبحاث العلمية والصناعية في مدينته لاهور، ويعتقد المسؤولون ان القضايا المهنية ربما هي التي جمعته مع الطبيب الظواهري.

وفي كل الأحوال، تشير الوثائق التي جرى الاستيلاء عليها الى تعاون مباشر بين الرجلين وهما يبحثان عن معدات لمختبر أسلحة بيولوجية. وكتب عبد الرؤوف الى الظواهري في واحدة من ثلاث رسائل جرى تعقبها: «آمل ان تصلك الرسالة في صحة وظروف افضل يمن بها عليك الله».

كان عبد الرؤوف عضوا في مؤسسة دولية متخصصة مقرها بريطانيا، وتدعى «جمعية علوم الاحياء الدقيقة التطبيقية». ويبدو انه استخدم عضويته تلك لإقامة صلات وتنظيم زيارات ترتبط بمسعاه.

واعترف عبد الرؤوف، الذي كان يكتب الى الظواهري بلغة انجليزية غير راسخة احيانا، في احدى ملاحظاته بنكسات عدة. ففي البداية وجد جهة يمكن أن تبيعه البكتيريا التي تسبب الجمرة الخبيثة، لكن لم تكن مؤذية او قادرة على قتل أي شخص. وكتب الى الظواهري قائلا: «لسوء الحظ لم استطع الحصول على النوع المطلوب من البكتيريا». ثم وصف محاولة جديدة للحصول على البكتيريا من مختبر مختلف.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»