الشرطة العراقية.. اختراقات وولاءات مزدوجة ومجاهرة بـ«القضاء على السنة»

مدربون أميركيون: نسبة الاختراق خصوصا من «جيش المهدي» تبلغ 70%

TT

شعارات الميليشيات موجودة في كل مكان داخل مركز شرطة الشعلة. بينما تغطي الملصقات التي تحتفي بمقتدى الصدر الذي يتزعم ميليشيا جيش المهدي جدران المبنى. ويردد رئيس الشرطة هناك من وقت إلى آخر بأن على الميليشيات الشيعية أن تقضي على السنَّة. ويتهامس أكثر زوار هذه المنطقة العنيفة في العاصمة العراقية بأن لأغلب ضباط الشرطة ولاءات مزدوجة. وذات ليلة ماطرة، قام مركز شرطة الشعلة بنصب كمين أدى إلى قتل الرقيب كيني ستانتون، حسبما قالت وحدته. وخلال ذلك الوقت كان ستانتون وأعضاء آخرون من وحدته يتعقبون مجموعة من رجال شرطة الشعلة المعروفين بانتمائهم إلى جيش المهدي.

وقال الكابتن الكسندر شو رئيس فريق من شرطة المدربين التابعة لكتيبة الشرطة العسكرية 372: «كيف يمكننا أن نتوقع من العراقيين العاديين أن يثقوا بالشرطة حينما لا نثق بأنهم لن يقتلوا رجالنا؟». وتشرف هذه الوحدة على تدريب الشرطة العراقية في غرب بغداد. وأضاف شو: «بكل صراحة، أنا لست متأكدا من أننا سننشئ حقا شرطة هنا لا نفوذ للميليشيات عليها».

من جانب آخر، توقع الجنرال جورج كيسي قائد القوات الأميركية في العراق الأسبوع الماضي، أن تتمكن قوات الأمن العراقية من السيطرة على البلد خلال 12 إلى 18 شهرا. لكن قضاء أيام قليلة مع وحدات أميركية متخصصة في تدريب الشرطة العراقية، كشف عن السبب الذي يجعل هؤلاء الجنود يرون أنه قد يتطلب تحقيق ما ذكره الجنرال كيسي عدة عقود. وتبلغ نسبة تغلغل الميليشيات في الشرطة العراقية إلى ما يقرب من 70% وهذا متأت في الغالب من جيش المهدي، حسبما ذكر شو ومدربو شرطة آخرون. ويشعر رجال الشرطة بالخوف الشديد مما يمنعهم من القيام بدوريات وسط تلك الصفوف الطويلة من المباني داخل العاصمة العراقية. وفي الوقت الذي يوجد بعض رجال الشرطة الجيدون فإن الكثير قد تعرضوا للاغتيال أو اعتُبروا منسحبين من الخدمة. وقال اللواء صلاح العاني، رئيس شرطة النصف الغربي من بغداد «لا يوجد أي شرطي يعمل من أجل جعل بلده أحسن. إنهم يعملون لصالح الميليشيات أو كي يضعوا نقودا في جيوبهم». وغالبا ما تورد التقارير الأميركية حول الشرطة العراقية انتماء أفرادها إلى واحدة من مجموعتين: جيش المهدي أو منظمة بدر. وفي إحدى الوثائق المتعلقة بشرطة منطقة الكرادة قال رئيسها: «أنا على قناعة كاملة بأنه عضو في منظمة بدر ويسعى إلى إغماض عينيه تجاه نشاط جيش المهدي». بينما يشرح آمر المركز في حي العامل أنه «يخاف رفع تقارير حول الأعضاء المشتبه بانتمائهم إلى الميليشيات والعاملين في مركزه بسبب الخوف من الانتقام».

وقال الجنود الأميركيون إنهم على الرغم من جمعهم للأدلة التي تثبت وجود أواصر بين عدد من الشرطة والميليشيات وتقديمها للمسؤولين العراقيين، فإنه لم يتم توجيه أية تهمة ضد أي منهم ولم يؤثر ذلك على مواقعهم الوظيفية.

ومن بين أسوأ حالات الاشتباه بالانتماء إلى جيش المهدي هي مع العقيد موسى كاظم لازم الأسدي، مدير مركز شرطة الغزالية. وجاء في تقرير عنه: «أخبرنا أنه لا يرى ميليشيا المهدي سيئة. ولديه صورة لمقتدى الصدر في سيارته حتى قلنا له شيئا ما حولها». واستنتج التقرير: «إنه سرطان لمركز الشرطة ولسكان حي الغزالية». وخلال زيارة قام بها بعض أعضاء الفريق الأميركي المعني بتدريب الشرطة العراقية، لمنطقة عنيفة في المدينة شكى حتى ضباط الشرطة في المركز من الأسدي ومساعديه باعتبارهم فاسدين ومرتبطين بالميليشيات. وقال الملازم الأول سرمد صبار داود، مساعد آمر مركز الشرطة «إنهم يسرقون السيارات ويقتلون الناس. وفي الحقيقة نحن نحقق في قضية الكولونيل موسى وشرطة الدورية لتصرفاتهم الإجرامية». لكن حينما زار مسؤولون عسكريون أميركيون الأسدي عصر أحد الأيام، لم ينكر أن رجاله غير متورطين في أنشطة تخص الميليشيات أو في جرائم فحسب، بل رفض الاعتراف بوجود أي أعمال قتل في المنطقة على الإطلاق. وعلى الرغم من العثور بانتظام على جثث تعرضت للتعذيب في المنطقة، قال الأسدي إن جميع أعمال القتل تجري في منطقة أخرى.

وفي مركز شرطة المنصور التي تعد منطقة هادئة نوعا ما، سأل شو الشرطة عما يجب فعله لتقليص العنف، قال رائد شرطة يعمل هناك: «ليس بإمكان الشرطة القيام بأي شيء. الحل الوحيد هو تكوين حكومة قادرة على حل الميليشيات. عند ذاك كل شيء سيكون سويا». ورفض ذلك الرائد الكشف عن هويته أكثر من إطلاق اسم أبو أحمد على نفسه خوفا على حياته. وقال أبو أحمد: «لا أستطيع الذهاب إلى البيت خوفا من القتل». وأضاف أنه يستطيع رؤية أطفاله حينما يتمكن رجال الشرطة من جلبهم إلى المركز. ثم تأوه بحزن وهو ينظر إلى صور ضابطي شرطة قتلا حديثا: «الوضع أصبح أسوأ. أسوأ بكثير». أضاف: «أظن أن علي ترك العمل قريبا».

* خدمة «واشنطن بوست» (خاص بـ«الشرق الأوسط»)