أولى معاني هزيمة حزب بوش في الانتخابات: رياح التغيير تعصف بالسياسة الأميركية في العراق

TT

«إنها رسالة قوية الى بوش». بهذه العبارة وصف تعليق في صحيفة «نيويورك تايمز» الفوز البالغ المعاني للديمقراطيين في الانتخابات التشريعية منتزعين السيطرة على البرلمان على خصومهم الجمهوريين للمرة الاولى منذ 12 عاما.

ولعل الرسالة القوية لهذه الانتخابات عبرت عنها الديمقراطية هيلاري كلينتون التي اعيد انتخابها في دائرة نيويورك اذ توجهت الى مؤيديها قائلة «حان الوقت لتغيير المسار».

ويبدو ان رياح التغيير ستعصف بقوة في سياسة الرئيس الاميركي جورج بوش وبشقها المتعلق بالعراق في شكل خاص بعدما بدت نتائج الانتخابات البرلمانية وكأنها استفتاء على سياسة بوش في العراق حيث بلغت كلفة الحرب في ارواح الجنود الاميركيين اكثر من 2800 جندي اميركي منذ سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين في مارس (آذار) 2003.

وساهمت الاوضاع المتردية الى حد كبير في العراق في تحويل المسألة العراقية سلاحا ماضيا في يد الديمقراطيين الذين ركزوا في حملتهم الانتخابية على اعتبار ان سياسة «الاستمرار في النهج» في العراق التي يصر عليها بوش، كلفت الاميركيين غاليا.

وقد أجمع معلقو الصحف الاميركية على اعتبار ان «النكسة» التي مني بها بوش باتت تفرض عليه ان يعتمد مقاربة اكثر توافقية ويقبل بتسويات في ما يتعلق بالقضايا الشائكة وعلى رأسها العراق وان «حقبة حكم الحزب الواحد الجمهوري في واشنطن انتهت» الى غير رجعة.

وفي اول رد فعل على هزيمة الجمهوريين، اعلن البيت الابيض عن «رغبته الأكيدة في التعاون مع زعماء الحزب في قضايا مهمة مثل ضرورة الانتصار في حرب العراق والارهاب». ونسب الى توني سنو الناطق باسم البيت الابيض قوله: «نعتقد انهم سيطروا على مجلس النواب ونتطلع للتعاون معهم». كما نسب الى كوندليزا رايس وزيرة الخارجية قولها انها ستكون متعاونة مع الكونغرس بشأن السياسة الخارجية وخاصة العراق.

وجاء التأكيد على النهج الاميركي الجديد في العراق على لسان نانسي بيلوسي المرشحة لتولى رئاسة مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي والعدوة اللدودة للجمهوريين.

وقد تعهدت زعيمة الأقلية الديمقراطية في البرلمان السابق والتي كانت دعت سابقا الى الانسحاب التدريجي للقوات الاميركية من العراق، بالدفع من اجل تغيير سياسات البيت الابيض.

وقالت ان «الاميركيين لم يقولوا في تاريخهم يوما اننا بحاجة الى توجه جديد كما يقولون اليوم بالنسبة للحرب في العراق»، حسب ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.

واضافت ان «سياسة «مواصلة النهج (في العراق)» لم تجعل بلدنا اكثر امانا ولم تمكنا من تحقيق التزاماتنا بالنسبة لقواتنا ولم تجعل المنطقة اكثر استقرارا».

إلا ان بيلوسي المعروفة سابقا بمعارضتها الشديدة لسياسة الجمهوريين في المسائل الداخلية والخارجية على حد سواء، لم تذهب الى حد الدعوة الى انسحاب مباشر للقوات الاميركية من العراق، داعية الى ايجاد حل للحرب في العراق يشترك فيه الحزبان. ومدت بيلوسي يدها الى بوش حين دعته الى «العمل معا من اجل الحل».

وبيلوسي هي من النواب القلة الذين صوتوا عام 2002 ضد اللجوء الى القوة في العراق. وقد اكدت على الدوام انه في حال فوز الديمقراطيين بالغالبية، فانهم سيسعون الى انسحاب تدريجي للقوات الاميركية من هذا البلد بحلول نهاية العام 2007.

وفي إطار التغييرات الدراماتيكية التي عرفها المشهد السياسي في واشنطن بعد الاعلان عن نتائج الانتخابات، بادر امس الرئيس بوش الى دعوة خصمه اللدود بيلوسي الى الحوار، وهو الذي كان قال عنها خلال الحملة الانتخابية انها لن تتولى ابداً رئاسة المجلس. وسيتباحث بوش مع بيلوسي على مائدة غداء اليوم (الخميس) حول مستقبل العلاقة بين البيت الابيض ومجلس النواب الذي سيكون عليه ان يتعايش معه اذ يحتاج الرئيس دوماً الى موافقة المجلس على اي اعتمادات جديدة او ميزانية بشأن الخطط في العراق. كما دعا بوش الى مأدبة الغداء ستني هوير الرجل الثاني في مجلس النواب من الديمقراطيين. وقالت دانا بيرنو وهي متحدثة باسم البيت الابيض، إن بوش تحدث هاتفياً مع بيلوسي، مشيرة الى ان الحديث بينهما كان جيدا وان بوش هنأها بالفوز. ووجه بوش كذلك الدعوة الى اثنين من اعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين هما هاري ريد وديك ديربين للاجتماع يوم غد الجمعة. وقالت المتحدثة باسم البيت الابيض ان الرئيس شدد في مكالماته الهاتفية مع زعماء الحزب الديمقراطي على أن «الكونغرس تغير لكن القضايا لم تتغير» في اشارة ضمنية الى العراق.

والى جانب صوت بيلوسي النافذ، جاء صوت هيلاري كلينتون، احد ابرز وجوه المعسكر الديمقراطي والتي فازت للمرة الثانية في ولاية نيويورك في مواجهة خصمها الجمهوري جون سبنسر وهو احد اشد المدافعين عن الحرب على العراق.

وقالت هيلاري كلينتون «اخترنا طريقا جديدا. صوتنا من اجل جهد متواصل ضد الارهاب، ولكن لطريق جديد في العراق. طريق جديد يجمعنا من ديمقراطيين وجمهوريين ومستقلين». وأكدت ان «الاميركيين يريدون انطلاقة جديدة لبلدنا».

أما السناتور الديمقراطي هاري ريد الذي من المرجح ان يرأس الاغلبية في مجلس الشيوخ في حال تمكن الديمقراطيون من السيطرة على المجلس، فقد حث الرئيس على اعادة النظر في سياسته في العراق.

وقال ريد «يجب على الرئيس بوش ان يصغي. يجب ان نغير نهجنا في العراق. يجب ان تتوصل اميركا لنفس النتيجة التي توصلنا اليها قبل اشهر وهي ان علينا ان نغير اتجاهنا في العراق».

وقال النائب رام ايمانويل احد مهندسي انتصار الديمقراطيين في مجلس النواب، ان نتيجة الانتخابات كانت «رسالة واضحة للتغيير والتوجه الجديد للولايات المتحدة». واضاف «لقد ادرك الاميركيون واقروا اخيرا بان ما نفعله في العراق لم ينجح واننا باشد الحاجة الى تغيير مسارنا».

وقال رئيس الحزب الديمقراطي هاورد دين: ان النصر في الانتخابات الديمقراطية «هو تكليف للقيام بشيء مختلف في العراق».

وصرح دين لشبكة «فوكس» الاميركية «لقد بالغ الرئيس في سياسته بالاستمرار على نفس النهج. هذا ليس ما يرغب به الناس. الناس يريدون الخروج من العراق».

وقال باراك اوباما عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ايلينوي، الذي يعتبر احد المرشحين المحتملين في انتخابات الرئاسة عن الحزب الديمقراطي لعام 2008، «اعتقد ان الشعب الاميركي صوت من اجل تغيير النهج في العراق».

ولم تقتصر الدعوات على تغيير النهج في العراق على المعسكر الديمقراطي انما شمل أيضا الجمهوريين الذين أقروا بأن «المستنقع العراقي» شكل ضربة قاسية لحظوظهم الانتخابية. ووصف السناتور الجمهوري عن ولاية اريزونا جون ماكين الانتخابات بأنها «نداء صحوة للحزب الجمهوري»، مؤكدا ان الإحباط الذي يشعر به الناخبون بشأن العراق ساعد في هزيمة الجمهوريين. وصرح لشبكة «سي ان ان»: «اوافق على ان الحرب هي المسالة المهيمنة وأتفهم الاحباط الذي يشعر به الاميركيون».

وكتبت افتتاحية صحيفة «واشنطن بوست» ان «عدم شعبية الحرب في العراق، الى جانب شخص الرئيس الذي اطلقها، كانت عاملا حاسما» في هزيمة الجمهوريين.

واضافت المقالة ان «الانتخابات كانت اكثر من مجرد استفتاء على الحرب في العراق الا ان الانباء السيئة من بغداد اعطت الديمقراطيين ذريعة قوية للتغيير».

ويضيف المحلل ان «بوش والجمهوريين استخدموا العراق كرافعة سياسية عامي 2002 و2004 ولكن عام 2006 وفي ظل فقدان الثقة بالحرب في العراق وبالقيادة لدى عدد متزايد من الاميركيين، فإن سياسة الجمهوريين في «استمرار النهج ذاته في العراق اصبحت ذريعة للهجوم في يد الديمقراطيين الذين قدموا انفسهم على انهم دعاة التغيير».

وبحسب كاتب المقالة، فقد تباينت التصريحات التي ادلى بها المرشحون الديمقراطيون الفائزون ما بين الدعوة الى عودة الجنود الاميركيين من العراق وبين الدعوة الى رسم خطة للانتصار في العراق. إلا ان جميعهم من دون استثناء انتقدوا اخطاء الادارة الجمهورية في العراق واتهموها بالقصور عن تقديم رؤية مستقبلية للوضع في العراق.

وفي مقالة اخرى نشرتها الصحيفة نفسها، اعتبر المحلل ان عودة الديمقراطيين الى السلطة سيضع الكثير من الضغوط على الرئيس الاميركي لتغيير نهجه في العراق ولكن ليس فقط من جانب الديمقراطيين، بل ايضا من داخل حزبه. ويستدل الكاتب على ذلك بتصريحات صدرت عن بعض الشخصيات الجمهورية والتي نأت بنفسها عن سياسة بوش في العراق. وبحسب الكاتب، فان البيت الابيض سوف يعول بالدرجة الاولى على دراسة وضعتها مجموعة يترأسها وزير الخارجية الاسبق جيمس بيكر المقرب من عائلة بوش لتقديم مقاربة جديدة للحرب في العراق.