أجندة واسعة للديمقراطيين.. ستعكر على بوش ما تبقى من فترته

إعادة النظر في سياسات كثيرة واحتمال فتح تحقيقات جرى التغاضي عنها خلال الهيمنة الجمهورية

TT

تعهد الديمقراطيون بمواصلة الضغط لتنفيذ أجندة واسعة تشمل احداث تغييرات تشريعية ومواجهة الرئيس جورج بوش في مجموعة واسعة من القضايا، وذلك بعد انتزاعهم في انتخابات اول من امس السيطرة في مجلس النواب بعد هيمنة جمهورية دامت 12 عاماً.

وشكلت الانتصارات التي حققها الديمقراطيون، من نيوهامبشاير الى أريزونا، ضربة لبوش والأغلبية الجمهورية في مجلس النواب التي أدت دور الحامي لأجندة البيت الأبيض. فقد خسر الجمهوريون ثلاثة مقاعد في إنديانا التي كان الجمهوريون يعتمدون عليها ومقعدا آخر في كنتاكي وعانوا من خسارات كبيرة في بنسلفانيا.

وقال النائب الديمقراطي من ميريلاند كريس فان هولن: إن «الرسالة واضحة: هذا استفتاء على سياسات ادارة بوش الهائلة وعجز الجمهوريين في الكونغرس عن جعل تلك السياسات شفافة». وقال رام ايمانويل رئيس اللجنة الانتخابية الديمقراطية ان «الشعب الأميركي وجه رسالة بليغة لا تخطئ بشأن ضرورة التغيير والاتجاه الجديد لأميركا».

ومن المنتظر ان تصبح النائبة الديمقراطية عن كاليفورنيا، نانسي بيلوسي، رئيسة لمجلس النواب، وهي اول امرأة سترأس المجلس وأرفع امرأة منتخبة في التاريخ الأميركي. ومن شبه المؤكد، ان الرئيس الجمهوري الحالي لمجلس النواب، دينيس هاسترت، والذي خدم أطول فترة، سيتقاعد من زعامة الحزب الجمهوري لافساح المجال لجيل جديد من الجمهوريين.

وقال زعيم الأغلبية في مجلس النواب الجمهوري جون بوينر: «أريد تهنئة الاعضاء الديمقراطيين بالمجلس على الحملة الشاقة التي قاموا بها. نحن نشعر بخيبة أمل عميقة من النتيجة، ولكن كجمهوريين يجب علينا ان نجدد التزامنا بالمبادئ التي جعلتنا أغلبية، ونجدد سعينا للعمل مع حكومة أكثر كفاءة وأكثر قدرة على تحمل المسؤولية».

وحتى امس، حصل الديمقراطيون على 27 مقعدا اضافيا في مجلس النواب، أي أكثر من العدد الكلي المطلوب لتحقيق الاغلبية بـ 12 مقعدا، كما حققوا تقدما في انتخابات مجلس الشيوخ.

وتتضمن اجندة الديمقراطيين جملة اولويات مثل رفع الحد الأدنى للأجور، وتعزيز الانفاق على الأمن الداخلي، وتحويل تركيز سياسة الطاقة من النفط والغاز الى مصادر الطاقة البديلة، وتعزيز الانفاق على التعليم.

وفي الوقت نفسه، وعد الرؤساء المرتقبون لجان مجلس النواب، مثل النائب الديمقراطي جون دينغل والنائب الديمقراطي هنري واكسمان، بفتح سلسلة تحقيقات وجلسات استماع في امور وقعت دون ان تحظى بالتدقيق في ظل هيمنة الحزب الجمهوري. يمكن لذلك وحده ان يغير على نحو دراماتيكي المناخ السياسي خلال العامين المتبقيين من فترة رئاسة بوش. وقال رئيس اللجنة القومية الجمهورية كين ميلمان الليلة قبل الماضية لمحطة «سي إن إن» التلفزيوينة: «لقد ادركنا دائما ان هذه السنة ستكون سنة تحد كبير».

من جانبه، قال خبير الاستطلاعات الديمقراطي جيفري غارين ان «احدى السمات الهامة لهذه الانتخابات، والتي تحمل دلالات كبيرة لانتخابات الرئاسة عام 2008، هي ان القاعدة الانتخابية للناس لا تريد أن يجري تجاهلها في ظل قضايا سياسية. لقد لعب الجمهوريون مع القاعدة بطريقة تعرضهم للخطر بين من هم في الوسط».

وبعد حملة لم تفعل سوى تصعيد التوتر بين بوش والديمقراطيين في الكونغرس سيواجه الرئيس في المرحلة المقبلة، ضغوطا هائلة من اجل اتباع طريقة اكثر ميلا الى التسوية. وعلى سبيل المثال سيواجه الرئيس بوش ضغوطا اكثر لاعادة تقييم دعمه لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد. وكان بوش قد جدد في الايام الاخيرة للحملة الانتخابية ثقته في وزير دفاعه.

وقال بروس بوكانان المتخصص في العلوم السياسية بجامعة تكساس ان من المؤكد أن بوش لديه القدرة على ممارسة مواقف سياسية اكثر ارتباطا بالحزبين. واشار الى ان بوش كان قد حكم بتلك الطريقة في تكساس وفي واشنطن من حين لآخر، خصوصا في قضايا تتعلق بالتعليم.

وأشار محللون آخرون الى أنه في قضايا مثل الطاقة والهجرة يمكن لبوش ان يجد أرضية مشتركة مع كثير من الديمقراطيين. وقال فين ويبر، العضو السابق في الكونغرس والمقرب من الادارة: «سيكونون قادرين على التمحور حول هذا بسهولة والتكيف مع الواقع السياسي».

لكن الكثير من أجندة بوش الداخلية، التي لم تتجسد على وجه التحديد عبر الكونغرس، ستواجه مصاعب اكبر في المرحلة المقبلة. ويشتمل ذلك على أي جهد لاجراء تعديلات على برامج التأهيل مثل الضمان الاجتماعي، الذي تلقى عليه ظلال ثقيلة من جانب المسعى الفاشل للدفع باتجاه حسابات الاستثمار الخاصة للضمان الاجتماعي عام 2005، وكذلك أي مسعى لتوسيع خفض الضرائب التي قال عنها الديمقراطيون انها محابية الى حد كبير للأكثر غنى. وفضلا عن ذلك فانه ارتباطا بوجود أكبر للديمقراطيين في مجلس الشيوخ ستكون امام بوش حرية اقل بكثير بما يتعلق بمرشحيه للمناصب القضائية.

وحتى اذا أبدى بوش مؤشرات كبيرة للعمل مع الديمقراطيين، فان هؤلاء الذين يتجهون الى حملة الانتخابات الرئاسية عام 2008 قد لا يكونون في مزاج مناسب للاستجابة.

وأشار خبراء الى ان بوش هو أول رئيس يضطر للعمل مع مجلس نواب تهيمن عليه المعارضة. فمنذ الحرب العالمية الثانية ظل شكل معين من الحكومة المقسمة أمرا مألوفا. وقد توصل الرئيس السابق بيل كلينتون، عبر توليفة من المفاوضات والدهاء السياسي والاحتيال، الى تشريع رئيسي مع الكونغرس الجمهوري بعد عام 1994، بما في ذلك اصلاح نظام الضمان الاجتماعي وقانون توازن الميزانية.

ويمكن لبوش ان يحاول القيام بالأمر ذاته، لكن يتعين عليه اولا ان يتخلى عن العديد من وجهات نظره السياسية، والتي استمدها، وفق حسابات كثيرة، من هزيمة والده، أي عدم الخروج من معسكره. وكان الرئيس الاسبق، جورج بوش الأب، قد خسر محافظين عندما تخلى عن «تعهده بعدم فرض ضرائب جديدة».

ونادرا ما ارتكب بوش الابن ذلك الخطأ، ومن الواضح أن دائرة المقربين منه كانت تأمل في ان تتقدم قاعدته المحافظة في خاتمة المطاف، لتنقذ الأغلبية الجمهورية حتى في وجه حرب العراق التي لا تتمتع بالشعبية. لكن لم يكن الأمر كافيا هذه المرة.

(* خدمة «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز»)