دونالد رامسفيلد : منظر الحرب

TT

دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي الحادي والعشرون في عهد جورج بوش الابن منذ العشرين من يناير (كانون الثاني) 2001 حتى الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) 2006. وكان الأكبر سنا بين شاغلي هذا المنصب. وكان أيضا وزير الدفاع الثالث عشر بين عامي 1975 و1977 في عهد الرئيس جيرالد فورد، الأصغر سنا على الإطلاق وقتها. وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول) 2004 أعاد الرئيس بوش تعيينه لولايته الثانية رغم التكهنات الواسعة النطاق بتقاعده بعد الولاية الأولى. وهو متزوج من جويس رامسفيلد ولهما ثلاثة أبناء وخمسة أحفاد.

ولد دونالد رامسفيلد في 9 يونيو (حزيران) 1932 بشيكاغو، ايلينوي، سليل أسرة ألمانية، وتلقى تعليمه العالي بجامعة برينستون. ولدى تخرجه منها عام 1954 التحق بسلاح البحرية طيارا حتى 1957. وفي ذلك العام (أثناء إدارة الرئيس ايزنهاور)، توجه الى واشنطن العاصمة وعمل مساعدا لأحد أعضاء مجلس الشيوخ من اوهايو. وبعد فترة وجيزة من عمله في شركة للاستثمار، انتخب الى مجلس النواب عن ولاية ايلينوي عام 1962 وهو في الثلاثين من العمر. وأعيد انتخابه في الأعوام 1964 و1966 و1968.

عام 1969، استقال رامسفيلد من الكونغرس، قبل إكمال ولايته الرابعة، ليعمل مديرا للمكتب الأميركي للفرص الاقتصادية ومساعدا للرئيس (ريتشارد نيكسون) وعضوا بمجلس الوزراء (1969 ـ 1970)، ثم مستشارا للرئيس، ومديرا لبرنامج الاستقرار الاقتصادي، ثم عضوا بمجلس الوزراء (1971 ـ 1972).

وعام 1973 غادر رامسفيلد واشنطن للعمل سفيرا لدى حلف شمال الاطلسي (الناتو) في بروكسيل، بلجيكا (1973 ـ 1974). وفي اغسطس (اب) 1974 استدعي الى واشنطن للعمل في إدارة الرئيس جيرالد فورد مديرا للجنة نقل الرئاسة الى فورد أولا ثم رئيسا لطاقم العاملين بالبيت الأبيض برتبة وزير (1974 ـ 1975) ثم وزير الدفاع الثالث عشر (1975 – 1977).

وفي تلك الفترة كان دوره رئيسيا في تعزيز قوة المؤسسة العسكرية على حساب «سي آي ايه». وساعدته في تحقيق هذا الهدف حجته القائلة إن الاتحاد السوفياتي رفع ميزانية دفاعه الى حد كبير وإن الرد المناسب على ذلك هو تصعيد سباق التسلح. هذا مع ان تقارير «سي آي ايه» كانت تشير الى تدهور الأحوال الاقتصادية السوفياتية وعجز موسكو عن مجاراة واشنطن في مجال الإنفاق العسكري، وأيضا رغم التقارب الذي حدث مع العملاق الشيوعي في عهد نيكسون.

وعام 1976 كان رامسفيلد وراء نقلة جورج بوش الأب من سفير لدى بكين الى منصب مدير «سي آي ايه». وقيل إن هذه الخطوة كانت محاولة لإحباط طموحات بوش الرئاسية وأدت الى نوع من العداوة بينهما. ومن 1977 إلى 1985 عمل رامسفيلد مديرا تنفيذيا ثم رئيسا لمجلس إدارة «جي دي سيرل آند كومباني» للمواد الصيدلية. وبين 1985 و1990 واصل نشاطه في قطاع الأعمال الخاصة لكنه عمل ايضا في القطاع الحكومي في عدد من الوظائف الاستشارية سبقت هذه الفترة وتخللتها وتجاوزتها. ومن أبرز تلك الوظائف:

* عضو لجنة الحد من التسلح الرئاسية الاستشارية (1982 ـ 1986) في إدارة رونالد ريغان.

* كبير مستشاري لجنة ريغان للأنظمة الاستراتيجية (1983 ـ 1984).

* مبعوث ريغان الخاص الى الشرق الأوسط (1983 ـ 1984).

* رئيس اللجنة المكلفة تقييم خطر الصواريخ البالستية على الولايات المتحدة (1998 ـ 1999).

وأثناء الفترة التي عمل فيها مبعوثا خاصا الى الشرق الأوسط، كان رامسفيلد هو القناة الأساسية التي انتقلت عبرها الى صدام حسين الاستخبارات العسكرية الأميركية المهمة والأسلحة والمشورة الاستراتيجية في حربه ضد إيران التي كانت الولايات المتحدة تريد حاجزا بينها وبين حكومتها الإسلامية. وكان العراق هو ذلك الحاجز مع ان واشنطن كانت حذرة في تعاملها مع نظام بغداد الذي كان يربط مصالحه مع مصالح الاتحاد السوفياتي. وأثناء زيارته العراق في 19 و20 ديسمبر (كانون الأول) 1983 اجتمع رامسفيلد بصدام حسين لفترة ساعة ونصف الساعة وناقشا عددا من المواضيع أهمها الوجود السوري في لبنان، وكيفية منع سورية وإيران من التوسع، والحيلولة دون حصول طهران على السلاح من دول أخرى، وزيادة الإنتاج النفطي العراقي عبر أنبوب جديد محتمل على أراضي الأردن. لكن النقاش لم يشمل إنتاج العراق أسلحته الكيماوية رغم ان ايران اشتكت مرارا في الشهرين السابقين من استخدام بغداد صواريخ كيماوية لضرب أهداف على أراضيها وأن وكالة الأنباء الإيرانية ظلت تذكر منذ عام 1980 ان العراق يستخدم الأسلحة الكيماوية. وفي ما بعد صار رامسفيلد أحد المؤسسين لما يعرف بتنظيم «القرن الأميركي الجديد» الذي يهدف الى «زعامة أميركية للعالم» والذي دعا عام 2000 لغزو العراق.

وقد تميز عهده في وزارة الدفاع باثنين من أهم الأحداث الدولية هما غزو أفغانستان لإطاحة طالبان بعد أحداث سبتمبر 2001، وغزو العراق لإطاحة نظام البعث عام 2003. ووجد قراره غزو العراق بأقل عدد من الجنود ثناء بعد النصر السريع الذي تحقق. لكن القرار نفسه كان وراء انزلاق البلاد، السريع أيضا، في الفوضى الأمنية. ووجد رامسفيلد، الذي عرف بتشدده ولذاعة لسانه، انه يخوض حربا أخرى على الصعيد الدبلوماسي عندما وصف الدول الأوروبية التي كانت تعارض الغزو (أبرزها ألمانيا وفرنسا) بأنها جزء من «أوروبا القديمة». في مايو (ايار) 2005 احتجزت القوات الأميركية لفترة شهرين المخرج السينمائي الأميركي سايرس كار عندما كان في العراق لتصوير فيلم وثائقي عن ملك الفرس سايرس العظيم. بعد إطلاق سراحه، رفع في 7 يوليو (تموز) 2006 دعوى قضائية على رامسفيلد ومسؤولين عسكريين آخرين باعتبار اعتقاله ينتهك حقوقه الانسانية والدستورية. وعزز دعواه بما ورد في تقرير لمنظمة حقوق الإنسان يعلن ان «السواد الأعظم من حوالي 1500 معتقل عراقي يعيشون في السجن بدون تهم ضدهم أو محاكمة او عون قانوني أو السماح لهم بالطعن في اعتقالهم وأن 20% من ذلك العدد ظلوا يعيشون في هذا الوضع لأكثر من عام».

وفي الأول من مارس (اذار) 2005 رفع «الاتحاد الأميركي للحريات المدنية» ومنظمة «حقوق الإنسان أولا» دعوى قضائية في محكمة فيدرالية في ايلينوي نيابة عن ثمانية عراقيين قالوا إنهم عذبوا على يد القوات الأميركية التابعة لإمرة وزير الدفاع. وتتهم هذه الدعوى رامسفيلد بانتهاك الدستور الأميركي والقانون الدولي الذي يحظر التعذيب والعقوبات غير الإنسانية والوحشية والمهينة.