بوش يرهن الحوار مع إيران بوقف التخصيب .. ومحادثات مجلس الأمن في مرحلة «توضيحية»

مسؤول بريطاني لـ «الشرق الاوسط» : لا علاقة بين الحوار مع طهران حول القضايا الإقليمية وبين التشدد في ملفها النووي

TT

رفض البيت الابيض الدعوات المتزايدة باجراء محادثات «مباشرة» مع ايران واصر على موقفه بان على ايران اولا تعليق انشطتها النووية الحساسة. وقال المتحدث باسم البيت الابيض توني سنو «في هذه المرحلة، ان موقفنا من شروط اجراء محادثات مباشرة مع ايران واضحة».

وقال سنو للصحافيين ان طهران وواشنطن تجريان اتصالات من خلال «منابر متعددة الاطراف» و«جهات اخرى»، وأضاف «لا نستطيع القول انه لا توجد اتصالات»، مؤكدا موقف واشنطن انه «من مصلحة الايرانيين التخلي عن التطوير النووي، وبمعنى اخر وقف عمليات اعادة المعالجة والتطوير النووي». من جهة أخرى، أبدت ايران استعدادها لبحث أي طلب أميركي رسمي لاجراء محادثات معها بعد ان طالب حلفاء للولايات المتحدة، من بينها بريطانيا واستراليا أمس، واشنطن بالدخول في حوار مع ايران. وقال محمد علي حسيني المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية لرويترز «اذا كانوا في الولايات المتحدة يريدون حقا اجراء محادثات مع ايران عليهم ان يقترحوا ذلك رسميا وحينها تنظر ايران في الامر». وجاءت التصريحات الايرانية بعد ان ظهرت ما يمكن تسميته اول بوادر للتغيير الذي يمكن ان يحدثه الديمقراطيون في السياسة الخارجية الاميركية، اذ وقع روبرت غيتس الذي عين وزيرا للدفاع، تقريرا يدعو الى استئناف الحوار مع طهران، كما قال جوش بولتون كبير موظفي البيت الابيض ردا على اقتراح ديمقراطي بعقد مؤتمر دولي حول مشاكل الشرق الاوسط يضم ايران وسورية، قائلا «لا يوجد شيء خارج الطاولة، جميع الخيارات ستدرس». ويأتي ذلك فيما ظهرت امس ان المحادثات بين الدول الاعضاء في مجلس الامن بالاضافة الى المانيا حول فرض عقوبات على ايران بسبب استمرارها في تخصيب اليورانيوم لا تسير بسهولة، اذ اوضح المندوب الفرنسي في الامم المتحدة جان مارك دو لا سابليير لوكالة الصحافة الفرنسية أمس ان الدول الست «دخلت المرحلة التوضيحية وليس بعد مرحلة المفاوضات»، محذرا في الوقت نفسه من ان المفاوضات «ستستغرق وقتا».

وحول مطالب الديمقراطيين في اميركا، قال غلام حسين الهام المتحدث باسم الحكومة الايرانية ان طهران سترحب بأي تغير في السياسة الاميركية، لكنه لم يتطرق الى مسألة المحادثات مباشرة. وقال الهام في مؤتمر صحافي اسبوعي أمس «اذا حدث تغير 180 درجة في السياسة الاميركية فسيكون هذا شيئا مباركا، ونأمل ان تعيد أميركا النظر في سياستها وتدع المنطقة في حالها.. وتتوقف عن الترويج للحرب ودعم الجماعات الارهابية في المنطقة ويتيحون شائعة الهدوء»، وأكد «سيكون جيدا اذا فعلت الولايات المتحدة ذلك وستتم تسوية المشاكل». من ناحيته، قال مسؤول بالخارجية البريطانية لـ«الشرق الأوسط» انه لا يجب الربط بين دعوة ايران للعب دور ايجابي لحل ازمات الشرق الاوسط، وبين ملفها النووى. وأوضح المسؤول البريطاني الذي لا يستطيع الكشف عن هويته ان موقف بريطانيا هو الفصل بين القضيتين، مشيرا في الوقت ذاته الى ان دعوة لندن لايران للمشاركة في حل القضايا الاقليمية ليست تحولا في السياسة البريطانية. وقال ان لندن دعت طهران دوما للمساعدة في حل مشاكل الشرق الاوسط والوفاء بالمطالب الدولية المتعلقة ببرنامجها النووي. وقال المسؤول البريطاني ان المناقشات في مجلس الامن الدولي حول طبيعة العقوبات التي يمكن ان تفرض على طهران في حالة عدم التزامها بوقف تخصيب اليورانيوم ستستمر، بينما يجري حوار مع طهران بشأن باقي القضايا الاقليمية. وكان بوش قد رفض من قبل فكرة اجراء حوار مع ايران بشأن عدد من قضايا الشرق الاوسط. ولا تقيم طهران علاقات دبلوماسية مع واشنطن منذ قيام الثورة الاسلامية بوقت قصير، وطالبت الولايات المتحدة مرارا بتغيير سلوكها في المنطقة. ولاحت فرصة لاجراء محادثات بين ايران والولايات المتحدة في مارس (اذار) لكن قضي على الفكرة بعد شهر حين قال الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد ان هذه المفاوضات لا ضرورة لها. وفي الشهر الماضي لمحت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الاميركية الى امكانية الانضمام الى محادثات مع طهران لحسم القضية النووية بشرط ان تعلق اولا الجمهورية الايرانية تخصيب اليورانيوم. على صعيد ذي صلة، تلتقي مجموعة الدول الست التي تناقش الملف الايراني في الامم المتحدة لمحاولة الاتفاق على سبل معاقبة ايران على رفضها تخصيب اليورانيوم مع محاولة التوفيق بين واشنطن التي تدفع الى التشدد وبين موسكو التي تريد المرونة. ولا تزال الدول الست (الخمس دائمة العضوية في مجلس الامن اي الصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا اضافة الى المانيا) تواجه صعوبة في الاتفاق على مشروع قرار اعده الاوروبيون ويطالب بفرض عقوبات اقتصادية وتجارية على ايران، وترى موسكو مدعومة في ذلك من بكين ان النص شديد القسوة وتريد ان تدخل عليه تعديلات تفرغه كثيرا من مضمونه في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن في المقابل الى تشديده.

وبعد مرور اكثر من شهرين على انتهاء المهلة التي حددها مجلس الامن لايران لتعليق تخصيب اليورانيوم في 31 اغسطس (اب) الماضي وبعد ثلاثة اسابيع من تقديم مشروع القرار الاوروبي لا يزال المجلس بعيدا عن التمكن من التصويت على هذا المشروع. وأوضح المندوب الفرنسي في الامم المتحدة جان مارك دو لا سابليير لوكالة الصحافة الفرنسية ان الدول الست «دخلت المرحلة التوضيحية وليس بعد مرحلة المفاوضات»، وأضاف «علينا ان نعرف بالتفصيل مواقف كل طرف من الاطراف للتقدم على الاثر بشكل اسرع». وتابع انه منذ الاجتماع الثاني لمجموعة الست الخميس «اصبح لدينا تفهم افضل لهذه المواقف ومن ثم يمكن ان نقول اننا نتقدم» محذرا في الوقت نفسه من ان المفاوضات «ستستغرق وقتا». وينص المشروع الاوروبي على فرض عقوبات اقتصادية وتجارية على ايران في المجالات المرتبطة بالبرنامج النووي وبرنامج الصواريخ الباليستية اضافة الى عقوبات فردية على الايرانيين المشاركين في هذه الانشطة مثل المنع من السفر وتجميد ممتلكاتهم وارصدتهم المالية في الخارج. ولا يشمل هذا القرار الانشطة المرتبطة ببناء محطة بوشهر النووية الايرانية للاستخدام المدني الذي تشارك فيه روسيا والذي كان استثناء لا بد منه للحصول على موافقة محتملة لموسكو على القرار. ورغم ذلك عرضت موسكو تعديلات مهمة على النص تحد من مدى الاجراءات المزمعة وتحذف اية عقوبات فردية، اذ ان موسكو وبكين اللتين توجد لهما مصالح اقتصادية كبرى في ايران لا تريدان فرض عقوبات قاسية على هذا البلد. في المقابل تريد الولايات المتحدة التي تسعى الى سرعة اقرار العقوبات، تشديد النص الاوروبي مؤكدة خصوصا ان البرنامج الايراني يشكل «تهديدا واضحا للسلام والامن الدوليين» وانه «برنامج تسليح نووي». وهدد كبير المفاوضين الايرانيين في الملف النووي علي لاريجاني الجمعة في موسكو باعادة النظر في تعاون بلاده مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية اذا اقر مجلس الامن مشروع القرار بصيغته الحالية. وتسعى روسيا الحليف التقليدي لايران، الى القيام بدور فاعل في الصراع بين طهران والمجتمع الدولي.

والسبت دعا وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف الدول الغربية وايران الى ابداء «حسن النية» للتوصل الى ارضية توافق على الاقتراح الذي قدمته الدول الست الصيف الماضي. وقال لافروف «نعتقد انه مع ابداء حسن النية ستكون هناك امكانية للتوصل الى قواعد مقبولة من الجميع لاطلاق المباحثات على اساس اقتراح مجموعة الست ومع مراعاة رد ايران».

وكان لافروف يشير الى الاقتراح الاخير للدول الست الذي يتضمن تقديم حوافز اقتصادية لايران مقابل وقف عمليات التخصيب.

من جهة ثانية، طلبت ايران من الوكالة الدولية للطاقة الذرية مساعدتها في بناء مفاعل نووي للابحاث يعمل بالمياه الثقيلة رغم الدعوات الدولية لوقف هذا البرنامج، كما صرح دبلوماسيون لوكالة الصحافة الفرنسية أمس. وقال دبلوماسي غربي طلب عدم ذكر اسمه ان «ايران طلبت من الوكالة الدولية للطاقة الذرية مساعدة تقنية ومالية لاكمال بناء مفاعل يعمل بالمياه الثقيلة في موقع اراك وتشغيله»، ويقع اراك على بعد نحو 200 كلم جنوب طهران. وأكد مصدر دبلوماسي اخر ان لجنة المساعدة التقنية للوكالة الذرية ستبحث هذه المسألة الاسبوع المقبل قبل اجتماع مجلس حكام الوكالة المقرر عقده في فيينا في 23 و24 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي. وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الامن قد طالبا بلا جدوى ايران بالتخلي عن بناء هذا المفاعل البحثي الذي يمكن ان ينتج فرعه الذي يعمل بالمياه الثقيلة بلوتونيوم للاستخدام العسكري.

وعلى صعيد آخر، اكد الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في تصريحات نشرتها وسائل الاعلام الايرانية أمس ان اسرائيل مصيرها «الزوال والدمار». وقال احمدي نجاد مساء الاحد ان «القوى العظمى خلقت النظام الصهيوني لبسط هيمنتها على المنطقة (...) كل يوم يقتل هذا النظام الفلسطينيين لكن بما ان هذا النظام مخالف للطبيعة، فسنشهد قريبا زواله ودماره». ويتزامن هذا الاعلان مع زيارة لرئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت الى واشنطن حيث سيتحدث مع الرئيس الاميركي جورج بوش عن البرنامج النووي الايراني، ونقلت اسرائيل في الاشهر الاخيرة التهديد الايراني الى رأس اولوياتها بينما تواصل طهران رفض الدعوات الدولية بتعليق برنامجها لتخصيب اليورانيوم.