مجلس الوزراء اللبناني يقر المحكمة الدولية رغم الاعتراضات «الدستورية» لرئيس الجمهورية

جنبلاط لـ«الشرق الاوسط»: رفض مشروعها انقلاب سياسي

TT

أقر مجلس الوزراء اللبناني امس مسودة انشاء المحكمة الدولية التي ستنظر في جريمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري ورفاقه، بالاضافة الى الجرائم السياسية الاخرى التي جرت قبل اغتياله وبعده.

وقد انعقد مجلس الوزراء برئاسة رئيسه فؤاد السنيورة، غير آبه باعتراضات رئيس الجمهورية اميل لحود، الذي اعتبر الحكومة «غير دستورية»، وفي غياب الوزراء الشيعة الخمسة المستقيلين الذين انضم اليهم امس وزير البيئة يعقوب الصراف القريب من لحود. غير ان هذه الاستقالات لم تؤد الى فقدان أهلية الحكومة قانونياً باعتبار انها فقدت 7 وزراء (اذا اضيف اليهم وزير الداخلية حسن السبع الذي لم تقبل استقالته اسوة بالوزراء الستة) من اصل 24 وزيراً، اذ ساهم بقاء وزيري لحود سابقاً، وهما وزير العدل شارل رزق ووزير الدفاع الياس المر، في الحكومة في ابقاء النصاب القانوني حتى لو قبلت الاستقالات الست.

وحذر النائب وليد جنبلاط من «مشروع انقلابي». وقال لـ«الشرق الاوسط» امس انه ينتظر عودة رئيس مجلس النواب نبيه بري لمتابعة الحوار معه. واشار الى ان «رفض المحكمة الدولية مشروع انقلاب سياسي على الحوار الوطني والثوابت» معتبرا ان قبول المحكمة الدولية «هو الحصانة والتسوية على قاعدة لا غالب ولا مغلوب».

وسأل جنبلاط: «لماذا يضع ممثلو طائفة عريقة انفسهم في موقع المعطل؟ ولماذا حشرت هذه القوة المسلحة (حزب الله) نفسها للدفاع عن رغبات النظام السوري؟ وهل ان الجمهورية الاسلامية (ايران) تريد ان تصاب سمعة المقاومة بانها في مكان ما ضد المحكمة؟» معتبرا «ان هناك تفاوتا بين سمعة الجمهورية الاسلامية والنظام السوري وجدول اعماله المحدد برفض المحكمة الدولية بأي ثمن».

عقد مجلس الوزراء جلسته امس في مقره المؤقت. وقد استهل الرئيس السنيورة الجلسة بالقول: «بعد مرور 11 شهراً تقريباً على قرار اتخذه مجلس الوزراء وبحضور فخامة الرئيس (لحود) اصبحت لدينا مسودة للاتفاق والنظام لمحكمة للتحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه والجرائم المتصلة بها والتي استهدفت المس بحريات البلد واستقلاله وسيادته وامنه واستقراره ووحدة ابنائه». واضاف: «ثمة شريحة واسعة جدا من اللبنانيين تريد الوصول الى معرفة الحقيقة التي ترضي الناس وضمائرنا والعدالة ومسؤولياتنا، لاننا مسؤولون عن الوطن واستقراره وامكانيات نهوضه». واشار الى انه «خلال كل الفترة السابقة كانت ثمة ملاحظات حول مشروع المحكمة اثارت الكثير من الهواجس والقلق عند كثيرين من الناس». وكرر السنيورة امام مجلس الوزراء المعلومات المتعلقة بالاتصالات التي جرت بينه وبين الرئيس لحود. ونشر معظمها في الصحف «للاتفاق على عقد جلسة اليوم (امس) ولم يكن تجاوب من قبل لحود بعد سلسلة محاولات واتصالات واقتراحات باءت كلها بالفشل». واضاف: «ان لبنان هو اكثر بلد في العالم تعرض لعمليات اغتيال سياسي استهدفت قادة سياسيين ومفكرين وصحافيين ورجال دولة. ويجب ان ينتهي عهد الخوف فيه». واكد ان هذه الجلسة دستورية مائة في المائة لمناقشة مسودة الاتفاق ومشروع النظام الاساسي المعروض امامنا».

وتطرق السنيورة الى «استقالة الزملاء الوزراء» فقال: «كنا ولا نزال حريصين على الوحدة بين اللبنانيين. وسنبقى نستعمل اسلوب الحوار والتفاهم والعلاقات الودية. ونحن محكومون وملزمون بالتعاون مع بعضنا البعض لخدمة بلدنا».

ثم انتقل مجلس الوزراء الى مناقشة مسودة الاتفاق بين الامم المتحدة ولبنان والنظام الاساسي لقيام المحكمة الدولية. فاستمع الى شرح من وزير العدل شارل رزق وكل من القاضيين رالف رياشي وشكري صادر اللذين كلفا من مجلس الوزراء متابعة النقاش مع مسؤولي الامم المتحدة حول الموضوع. وقد تم «توضيح الكثير من النقاط والتساؤلات التي اثيرت خارج الجلسة او داخلها من قبل الوزراء. وكان تأكيد من قبلهم على حصر المحكمة المنوي تشكيلها بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه والجرائم التي وقعت منذ محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة وحتى اغتيال النائب والصحافي جبران تويني، وعلى اعتماد القانون اللبناني.

وقال وزير الاعلام غازي العريضي عقب الجلسة انه جرى «نقاش تفصيلي وجاد وعلمي وعميق من قبل الجميع في مجلس الوزراء. وبعد المداولة كان اتفاق على ان مجلس الوزراء يرى ان ليست لديه اي ملاحظات على مسودة الاتفاق والنظام كما أودعهما امين عام الامم المتحدة. وهو بالتالي يوافق على اعتمادهما ومتابعة اجراءات السير بهما وابلاغ الامم المتحدة بذلك».

وكان وزير البيئة يعقوب الصراف، القريب من الرئيس لحود انضم الى الوزراء الشيعة المستقيلين، معتبرا ان استمراره في الحكومة بات مخالفاً للمبادئ التي تربى عليها. وقد رفض الرئيس السنيورة استقالة الوزراء الستة معلناً في كتاب وجهه اليهم تمسكه الشديد بـ«استمرار الوزراء المعلنة استقالتهم بالمشاركة الفاعلة في الحكومة التي تمارس الحكم من خلال التمسك بأحكام الدستور نصاً وروحاً، وكذلك التمسك بالأسس القائمة على التشاور والحوار والوفاق، والسعي الى التعاون والانفتاح على جميع الاطراف من اجل تحقيق مصالح لبنان العليا». وقال: «انا ارفض استقالتكم من الحكومة. وادعوكم الى الاستمرار في تولي مهماتكم ومسؤولياتكم بذات الزخم والعطاء اللذين تميزت بهما ممارستكم في الحكومة».

وفي موازة الجدل «الدستوري ـ السياسي» تواصل السجال الاعلامي بين فريقي «14 آذار» والمعارضة. ودخل فريق الرئيس بري طرفاً اساسياً فيه.

ووصف الرئيس السابق للحكومة سليم الحص وضع الحكومة بخروج «فريق وازن منها» بأنه «في منتهى الخطورة وغير طبيعي وحتى غير شرعي». واعتبر «ان التصعيد المتبادل بين الفريقين يثير اشد القلق في نفوس المواطنين جميعاً».

اما الرئيس السابق للحكومة عمر كرامي فقد رأى ان عقد جلسة لمجلس الوزراء في غياب الوزراء الشيعة «لا يصح». وقال في تصريح ادلى به امس: «نحن كنا نخشى من هذه النتيجة. وقد نبهنا مرارا وتكرارا الى خطورة الوضع. وقلنا ونكرر ان لبنان لا يحكم بالطريقة التي سارت عليها الاكثرية. لبنان توافقنا جميعا على ان يكون محكوما بالديمقراطية التوافقية. واي خلل في هذا الامر سيؤدي الى هذا الخلل الذي نشاهده اليوم».

وحذر وزير الاتصالات مروان حمادة من انه «اذا جرت اي محاولات لانقلاب سياسي على الشرعية وعلى الدستور وعلى حكومة منتخبة من خلال الشارع، فلن يكون الشارع لفريق واحد في لبنان». وقال: «نحن نعول كثيرا في الاساس على قيادة الجيش وقوى الامن الداخلي لإضفاء طابع سلمي على كل هذه الحركة، وحتى اذا لزم الامر لمنعها في المناطق الحساسة المحيطة بالمباني الحكومية الاساسية وخصوصا السرايا ومجلس الوزراء ولما لا رئاسة الجمهورية».

واعتبر وزير الصحة المستقيل محمد خليفة القريب من الرئيس بري، ان «من الطبيعي ان يرضخ رئيس مجلس النواب في النهاية للعملية الديمقراطية. هناك مجلس نواب منتخب وقوى سياسية منتخبة لها الحق في تشكيل حكومة وفي ادارة شؤون البلد، كذلك في الانظمة الديمقراطية يجب ان تكون هناك قوى معارضة تعارض ضمن الاصول... هناك شيعة كثر في البلد من خارج حركة امل وحزب الله ويمكن ان يستبدل الوزراء وتستمر الحكومة».

واعلن وزير العمل المستقيل طراد حمادة ان «القرار الحكيم» لقيادتي حركة امل وحزب الله بالاستقالة «جاء نتيجة عدم قبول الفريق الحاكم الا بالتفرد والاستبداد والتسلط» مؤكدا ان «لا علاقة للمحكمة الدولية بالاستقالة كما يروجون». وقال: «كيف يمكن لهذه الحكومة ان تحكم بخلاف قواعد العيش المشترك والعرف والتقليد والدستور. وبالتالي كيف يمكن لها ان تستمر من دون وجود ممثلين للطائفة الشيعية في لبنان داخلها. هذه الحكومة ببساطة اصبحت مخالفة للدستور وغير قابلة للحياة والاستمرار». ورأى الوزير حمادة ان «امام الحكومة ثلاثة خيارات: اما ان تستقيل بسبب استقالة مكون اساسي من مكونات الشعب اللبناني. واما ان تستبدلنا بوزراء شيعة آخرين وتتحمل المسؤولية. واما ان تتراجع عن الاسباب التي ادت الى الاستقالة».

وأكد عضو كتلة «حزب الله» النائب محمد حيدر ان الاستقالة من الحكومة «اصبحت نافذة ونهائية ولا عودة عنها».