خادم الحرمين: لا يمكن للأمة الإسلامية أن تعالج قضاياها إلا بعمل جماعي منسق وتعاون واضح الأهداف

في كلمة وجهها للمشاركين في دورة مجلس الرابطة التأسيسي

TT

دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز قادة الأمة الإسلامية وعلماءها إلى وحدة الصف وروح الجماعة، مشيرا إلى أن الظروف الصعبة التي تعيشها الأمة حاليا تحتاج إلى حكمة في المعالجة، وقال «لا يمكن أن نعالج قضايانا إلا في ضوء عمل جماعي منسق وفي تعاون واضح الأهداف تتقارب فيه الرؤى وتضيق دائرة الخلاف».

جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها نيابة عنه الشيخ صالح آل الشيخ، وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودي، أمس خلال افتتاح أعمال الدورة التاسعة والثلاثين للمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي التي انطلقت أمس بمكة المكرمة.

وشدد على أن السعودية تتابع باهتمام خاص أشكال التطاول على الإسلام والتشويه المتعمد لصورته، وتتابع الاستفزاز لمشاعر أبنائه في مختلف أنحاء العالم، مثمنا مشاعر الوفاء والغيرة على الإسلام التي أبدتها شعوب العالم الإسلامي تجاه هذه التحديات السافرة، آملا أن تكون قيادات الأمة الإسلامية الرسمية والشعبية «بمثابة العقل الناضج الرشيد لهذه المشاعر يوجهها نحو ما ينبغي أن تفعله في مثل هذه الظروف». وفي ما يلي نص الكلمة:

«بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيسرني أن أرحب بكم في البلد الحرام وأحيي هذا الجمع الكريم الذي يضم أصحاب الفخامة والسماحة والمعالي من أعضاء المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في دورته التاسعة والثلاثين وأسأل الله تعالى أن يكلل أعمالكم بالنجاح ويسدد خطاكم على الخير ويهيئ لأمة الإسلام من أمرها رشدا.

إن الظروف الحرجة التي تمر بها أمتنا الإسلامية اليوم والتحديات الكبيرة التي تواجهها لا تخفى على كل متأمل وذي بصيرة، ولكن تحتاج إلى بصيرة في معرفة الأسباب الحقيقية التي تكمن وراء هذه التحديات، ونحتاج الى حكمة في المعالجة والتعامل معها ومن هذه الحكمة أن تنبني مواقفنا وتصرفاتنا على رؤية جماعية ومراعاة مصلحة الأمة كلها، فلا يمكن أن نعالج قضايانا إلا في ضوء عمل جماعي منسق وفي تعاون واضح الأهداف تتقارب فيه الرؤى وتضيق دائرة الخلاف وتتضافر الجهود، امتثالاً لأمر الله تعالى «وتَعَاوَنُوا عَلَى البِر وَالتقوى ولا تَعَاوَنوا عَلَى الإِثمِ والعدوان» وتحقيقاً لأخوة الدين التي تربط بين جميع أفراد الأمة وشعوبها ودولها. قال الله سبحانه: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة» وقال رسوله صلى الله عليه وسلم: «وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا» كما قال عليه السلام «إِنَّ المُؤْمِنَ لِلمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً».

إن سياسة المملكة العربية السعودية تجاه الأمة سياسة ثابتة وواضحة تقوم على أساس العمل من أجل لم شمل المسلمين وتوحيد صفوفهم وجمع كلمتهم على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، مع حرص المملكة الدائب على دعم قضاياهم العادلة والدفاع عن حقوقهم المشروعة، وذلك قياماً منها بالواجب الذي يمليه عليها وزنها الديني والسياسي والاقتصادي في العالم الإسلامي وما شرفها الله به من رعاية الحرمين الشريفين وخدمة ضيوف الرحمن الحجاج والمعتمرين.

وعلى المستوى العالمي، تدرك المملكة التغير المستمر للظروف الدولية وتتعامل مع ما يتجدد فيها من علاقات بحكمة وبصيرة وتوظف جهودها السياسية ووسائلها الدبلوماسية في تعزيز سبل الحوار وتأييد المساعي السلمية من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من التفاهم والتعايش والتعاون بين دول العالم وشعوبه وحضاراته.

أيها الإخوة: إن المملكة العربية السعودية تتابع باهتمام خاصٍ أشكالَ التطاول على الإسلام والتشويه المتعمد لصورته، وتتابع الاستفزاز لمشاعر أبنائه في مختلف أنحاء العالم: «يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ».

والمملكة إذ تُحَـيِّي مشاعر الوفاء والغيرة على الإسلام التي أبدتها شعوب العالم الإسلامي تجاه هذه التحديات السافرة، فإنها تتطلع إلى أن تكون قياداتها الرسمية والشعبية، بمثابة العقل الناضج الرشيد لهذه المشاعر يوجهها نحو ما ينبغي أن تفعله في مثل هذه الظروف ومن أهمها ضرورة الرجوع إلى الوحدة الإسلامية والاستمساك بحبل الله المتين.

وإن الأمل معقود على رابطة العالم الإسلامي ممثلة في مجلسها التأسيسي وأمانتها العامة أن تقوم بما تستطيع من الجهود في التنسيق والتعاون المثمر مع الهيئات والمؤسسات الإسلامية لوضع استراتيجية واضحة وواقعية للدفاع عن الإسلام والدفاع عن مقدساته ورموزه وحضارته ومنهاجه المتسم بالوسطية والاعتدال والبراءة من كل أنواع الإرهاب، على نحو ما أعلنت عنه أخيرا في «برنامج نصرة نبي الرحمة».

وفي الختام أسأل الله تعالى أن يوفقكم لما فيه الخير لأمتنا وديننا، وأن يجمع كلمة المسلمين على الهدى والتقوى: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ» والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».