الاتصالات لحل الأزمة اللبنانية تصطدم بـ «الشرط المستحيل».. والحكومة تقر المحكمة الدولية وتترك باب الحوار مفتوحا

التوتر السياسي والتشنج الجماهيري يرتفعان.. والوزراء الشيعة يرفضون العودة عن الاستقالة

TT

لم تفلح اتصالات اللحظة الأخيرة التي جرت أمس في التوصل الى مخرج يسمح بتأجيل انعقاد مجلس الوزراء اللبناني لإقرار الصيغة النهائية للمحكمة الدولية مقابل عودة الوزراء الشيعة الى الحكومة، ما دفع بالأمور الى المزيد من التعقيد السياسي والتشنج الشعبي الذي بات يؤرق اللبنانيين بسبب ترجمته عراكات شبه يومية بين محازبي الأطراف السياسية.

وفيما بلغ التشنج السياسي أوجه مع تصريحات فريق المعارضة، خصوصا من حزب الله، الذي اعتبر ان اجتماع الحكومة غير دستوري، معلنا رفضه عرض السنيورة العودة الى الحكومة. ومضى فريق الأكثرية النيابية في خطوات اقرار الصيغة النهائية لقانون المحكمة الدولية التي ستنظر في جريمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري والجرائم السياسية الأخرى التي حصلت قبيلها وبعدها، من دون اقفال باب الحوار الذي ظل قائما حتى اللحظات التي سبقت انعقاد مجلس الوزراء. وتركز تحرك فريق «14 آذار» على رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري المتحالف مع حزب الله لفتح كوة حوار اصطدمت بإصرار الحزب على حصول المعارضة على ثلث الحكومة مع وعد بمناقشة موضوع المحكمة الدولية بايجابية وبرفض فريق «14 آذار» القاطع لمنح المعارضة الثلث، وان كان يقبل بالتخلي عن أكثرية الثلثين بتوزير شخص من خارج معسكري المعارضة والسلطة ضمن ضوابط تمنع استقالته وتحرمه من التصويت على القضايا الاساسية.

وكان النائب وليد جنبلاط زار ليل أول من أمس الرئيس بري وعقدا لقاء ثنائيا لم يفلح في حل العقد. وقال النائب وائل ابو فاعور المقرب من جنبلاط لـ«الشرق الأوسط» ان تحرك الأخير اصطدم بـ«الشرط المستحيل» وهو طلب المعارضة للثلث المعطل في مجلس الوزراء او النزول الى الشارع.

وأوضح ابو فاعور ان زيارة جنبلاط أتت في اطار «ابقاء الاتصالات والخطوط السياسية مفتوحة مع الرئيس بري لتأكيد دوره المحوري، وان كان لا يوجد في اللحظة الآنية آمال عريضة على اي مبادرة يقوم بها بري»، متحدثا عن «استحالات تمنع اي اختراق سياسي»، قائلا: «نحن نعيش في ظلال قرار من النظام السوري بمحاربة المحكمة الدولية، وهناك سياقان متصلان في لبنان وسورية ينفذان هذا القرار».

وقبيل انعقاد الجلسة مساء امس زار وزير الاتصالات، مروان حمادة المقرب من جنبلاط بري، يرافقه مستشار السنيورة السفير محمد شطح، في حضور وزير الصحة المستقيل محمد خليفة. واكتفى حمادة بالقول بعد اللقاء ان بري هو «رئيس الحوار والتشاور وبالتالي فان الاتصال به متواصل حتى لا يكون فقط من خلال «البيانات المحببة» كالبيان المشترك الذي صدر بينه وبين (الأمين العام لحزب الله) السيد حسن نصر الله وبيان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة».

وكان حمادة المقرب من النائب وليد جنبلاط قال في حديث أدلى به صباحا ان «الحل للأزمة الحاصلة يكمن في عودة الوزراء المستقيلين عن استقالاتهم من أجل تحديد جلسة لمجلس الوزراء بعد أيام قليلة حتى تتسنى لهم قراءة مشروع مسودة المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ودراسته، علما ان الجميع على اطلاع على المشروع، وحتى قراء الصحف، وقد قرأوا كل تفاصيله خلال خمسة عشر يوما أو شهر». وقال: «اذا كان هناك ابداء متبادل لحسن النية، فأهلا وسهلا بهم». ولاحظ حمادة، في البيان المشترك الصادر عن حركة أمل وحزب الله ليل الجمعة ـ السبت، «تلطيفا لكلام سابق أدلى به رئيس مجلس النواب نبيه بري».

وشدد حمادة على «ضرورة وضع المحكمة الدولية على هامش السجال والجدل السياسي»، متوقفا عند كلام النائب العماد ميشال عون ومبادرة النائب نعمة الله ابي نصر، مشيرا الى ان «كل ذلك يمكن ان يوظف ايجابيا». وأضاف: «أما اذا بقينا تحت التهديد السوري وتحت التهديد، أي تحت الكلام الذي نقله كتابيا مندوب سورية الى الأمم المتحدة، مساء أمس (الاول)، بأن سورية غير معنية بالمحكمة ولن تقبل بها قبل نهاية التحقيق، فان كل هذا يلتقي عند هدف واحد هو تعطيل المحكمة، وهذا ما لسنا على استعداد للسير به. ولذلك ما زلنا مصرين على عقد جلسة لمجلس الوزراء مساء اليوم (أمس) لإحالة ملف اغتيال الشهيد بيار الجميل على المجلس العدلي من جهة، ولإقرار مسودة المحكمة التي أصبحت مشروعا ورفعها الى رئيس الجمهورية». وقالت مصادر بري لـ«الشرق الأوسط» انه رفض عودة الوزراء الى الحكومة «لأن لا عودة من دون معالجة الأسباب التي ادت الى الاستقالة»، جازما بأن السبب لم يكن المحكمة الدولية ولهذا فإن شيئا لم يتغير رغم الموقف الايجابي من هذه المحكمة.

وأعلن حزب الله بدوره رفضه العودة الى الحكومة، وقال وزير الطاقة المستقيل محمد فنيش: «إن من يدعونا إلى العودة عن الاستقالة ندعوه إلى ان يتحمل مسؤوليته أمام هذا الانكشاف الخطير في الأمن الوطني بسبب تعنته بالقرار واستمرار مشروعه في الهيمنة على البلد». وأضاف: «رئيس الحكومة بالأمس يوجه دعوة لمجلس الوزراء إمعانا في خرق الدستور وتماديا في الاستخفاف بنتائج الأعمال التي يقدمون عليها. ألم يكن الأولى أمام هول الأحداث ومهابة المناسبة وجلالها ان يبحث رئيس الحكومة وفريقه في سبل إيجاد حل واتفاق مع الشركاء في الوطن وهم يعلمون ان لا قدرة لجهة وحدها على ان تقرر مصير الوطن ولا إمكانية لهم مهما تحدثوا عن أكثريتهم؟ نحن تعاطينا بواقعية ولن نرفض أنهم اكثرية، طالبنا بتواضع ان نكون شركاء في الحد الأدنى».

ونبه رئيس كتلة حزب الله، النائب محمد رعد، في كلمة ألقاها خلال لقاء مع رؤساء بلديات وأعضاء مجالس بلدية اختيارية ومختارين في قضاء النبطية امس انه «ريثما تنتهي فترة الحداد هناك فرصة على الفريق الحاكم ان يتلقفها وإلا سيضيع الأمور وسيدخل نفسه في نفق مظلم». وأكد «ان استقالة الوزراء لا عودة عنها الا بضمانة المشاركة الكاملة في القرار السياسي». ورأى «ان الفريق الحاكم لا يريد الشروع في تنفيذ اتفاق الطائف لان تنفيذه يقيد سلطاتهم».

ووصف عضو كتلة نواب حزب الله، حسن فضل الله، بيان السنيورة بأنه بيان «تتجلى فيه المناورة وتغيب عنه المعالجة»، معتبرا ان فيه «تجاهلا تاما للمشكلة الحقيقية المتمثلة برفضه وفريق السلطة لمنطق الشراكة الوطنية والإصرار على التفرد والاستئثار».

وقال: «وعلى طريقته المعهودة يحدد المهل وجدول الأعمال ويطلب الى الوزراء الاجتماع لإقرار ما يريده، مع إدراكه ان ذلك لا يمكن القبول به، وان ذر الرماد في العيون لا ينطلي على احد. ان السيد السنيورة يعرف جيدا ما هي الأصول الدستورية التي يجب احترامها، وان ما يمارسه خرق فاضح للدستور سواء في دعوته مجموعته السياسية للاجتماع أو في اصدار قرارات لا صفة دستورية لها وهي بالنسبة الينا كأنها لم تكن، كما يعرف تماما أن للاستقالة أسبابا لا تتصل بالمحكمة الدولية، ولا بالمواعيد والمهل للجلسات، إنما بالشراكة الحقيقية التي تؤمنها حكومة الوحدة الوطنية. وان الإمعان في الإصرار على تجاهل هذه المشكلة والانقلاب على التفاهمات وتعطيل كل الحلول السياسية يجر البلد الى انقسامات خطيرة يتحمل السيد السنيورة وفريقه المسؤولية الكاملة عنها، وهذا ما يعطي المعارضة الحق الكامل في القيام بمسؤولياتها الوطنية لإنقاذ الوطن».