اللبنانيون يهجسون بالحرب الأهلية والساسة يطمئنون

«الهوندا السوداء» تهمة حتى إثبات «البراءة»

TT

أصبح امتلاك سيارة من طراز «هوندا CRV» سوداء اللون مصدر قلق للبنانيين، وذلك لتورطها في جريمة اغتيال الوزير بيار الجميل. فقد عمدت عناصر من مخابرات الجيش اللبناني الى جرد مالكي هذه السيارات واجراء تحقيقات معهم، ما جعل هؤلاء متهمين محتملين حتى اثبات «براءتهم». وقد تسبب هذا الامر بمزيد من اجواء التشنج والخوف بعد تفاقم الازمة السياسية التي لم تمنحها جريمة الاغتيال الا هدنة قصيرة انهارت بعد مراسم تشييع الجميل. وارتفعت وتيرة التوتر مع دعوة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الى عقد جلسة لاقرار مسودة المحكمة الدولية التي قابلتها المعارضة ببيان اصدره رئيس مجلس النواب نبيه بري والامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله جاء فيه انهما يحملان السنيورة مسؤولية «استخدام ذريعة المحكمة لارباك الرأي العام» كما حملا الاكثرية مسؤولية «الاستمرار في التعنت وتجاهل ركائز الوفاق الوطني». وكان بري قد ادلى بحديث اذاعي اعتبر فيه «اجتماع الحكومة لا دستورياً». ورد السنيورة في بيان صدر فجر أمس وأعلن فيه استعداده لتأجيل جلسة اقرار مسودة المحكمة الدولية مقابل عودة الوزراء الشيعة عن استقالتهم. وهكذا تحول يوم أمس الى كابوس عاشه اللبنانيون وهم يترقبون ساعة بساعة الحركة السياسية المكثفة، على أمل أن تؤدي المبادرات التي يحملها الوسطاء بين عين التينة (حيث يقيم بري) والسراي الحكومي (حيث بات عدد من الوزراء ليلتهم تجنبا لمخاطر الانتقال بانتظار انعقاد الجلسة) الى انفراج يخرج البلاد من الازمة التي تهدد بأكثر من «الكباش» السياسي.

ولعل المواجهات المحدودة والمتنقلة في أكثر من منطقة في بيروت وضواحيها ساهمت في تفعيل اجواء الخوف من اندلاع حرب اهلية اذا لم يتوصل القادة السياسيون الى حلول انقاذية. وبالطبع سادت موجة شائعات عن تحرك لجمهور حزب الله في حال انعقاد الجلسة وعن استعدادات في بعض المناطق للمواجهة.

لكن هواجس الشعب الناجمة عن الشائعات والتصريحات النارية للسياسيين يقابلها شبه تأكيد من هؤلاء السياسيين انفسهم بأن الحرب الاهلية لن تقع. هذا ما يؤكده احد قادة «14 آذار» النائب السابق الدكتور فارس سعيد. ويضيف: «لا أتوقع حرب أهلية، لكني اتوقع شغبا سيجر مزيدا من الضغط السياسي الايجابي العربي والعالمي. وسيواجه اقرار المحكمة الدولية بمزيد من الابواب المقفلة. ما يعني اننا على عتبة مرحلة صعبة مع مزيد من الاغتيالات والتفجيرات». أما نائب حزب الله حسن فضل الله فيقول: «لا احتمال لحرب اهلية اعتمادا على ان اللبنانيين عاشوا مرارة الحرب وجربوا ويلاتها. ورغم محاولات البعض في الداخل والخارج اثارة الفتنة، فان التجربة المريرة السابقة والاضرار التي خلّفتها كفيلة بإلغاء هذا الاحتمال».نائب بيروت في كتلة «المستقبل» الدكتور عاطف مجدلاني يستبعد بدوره وقوع حرب أهلية، لكنه يستدرك أن الخوف هو من احداث فوضى منظمة. ويقول: «هناك هدف واحد وهو منع انشاء المحكمة الدولية. لذا اعتقد أن كل الاحتمالات واردة. هناك خطر من بعض الحوادث التي يمكن ان تقع على خلفية مذهبية. لكني اراهن على وعي اللبنانيين على رغم أن البعض يعمل لمصلحة الخارج ويملك الاستعداد للذهاب الى الفوضى وتعطيل المؤسسات الدستورية وتنفيذ مخططات الخارج». ولا ينفي مجدلاني خطر الشحن الطائفي والمذهبي الحاصل. ويضيف: «هناك من يلعب بالنار. وهناك قوى تريد أن تعيد لبنان 30 عاما الى الوراء لتفادي انشاء المحكمة الدولية وتستخدم لتنفيذ هدفها اطرافا لبنانية. صار واضحا للجميع هذا الوضع».

وأكد ان قوى «14 آذار» لا تريد الذهاب باتجاه الحرب المذهبية، ولكنها لا تريد أن تبقى الحقيقة ضائعة. والمحكمة الدولية هي السبيل الوحيد الى الحقيقة والعدالة. ومن شأنها أن تحمي لبنان من استمرار المسلسل الاجرامي الارهابي الذي قرر اغتيال كل من يقول لا للوصاية».

ولم يستبعد مجدلاني مزيدا من الاغتيالات التي تستهدف وزراء الاكثرية ونوابها واحداث حالة فوضى لتعطيل المؤسسات الدستورية. وأشار الى أن «الاكثرية لا تريد الوصول الى هذه الحالة، لذا منعنا الرد على استفزازات كثيرة. ونتمنى أن ننجح في تفادي الاعظم وتجنيب لبنان المزيد من المآسي التي ترمي الى تخريب البلد وتدميره على رؤوس أهله، تماما كما ورد في التهديد الذي تلقاه الرئيس الشهيد رفيق الحريري في اغسطس (آب) 2004». نائب حزب الله علي عمار ورغم مشاركاته في معظم التحركات الشعبية «العفوية» نفى احتمال الحرب الاهلية. وقال: «اللبنانيون جميعا لديهم مناعة عالية جدا في المحافظة على السلم الاهلي شرط أن تحافظ السلطة الحاكمة على هذه المناعة من خلال تطبيق الدستور. لكن هذه السلطة ومن خلال ممارساتها تدفع الامور باتجاه عدم الاستقرار. واداء هذه السلطة يؤثر على قناعة اللبنانيين من خلال الخضوع لإملاءات الخارج».

وشدد على أن الحزب مؤمن أشد الايمان بضرورة الحرص على السلم الاهلي». واتهم «المشروع الصهيوني بالعمل على تخريب لبنان من خلال الفوضى الخلاقة التي يواجهها الحزب وقائيا بالتدابير الكفيلة بنزع فتيل الانفجار». وعن نزول جمهور حزب الله الى الشارع بعد تشييع الوزير الجميل ومحاولات قطع الطرق، قال عمار: «السلطة تتحمل مسؤولية الفعل وردات الفعل. وهذه الحكومة رغم افتقادها للشرعية والدستورية متماهية مع المشروع الاميركي الصهيوني. والخطب التي سمعناها في اليومين الماضيين ستفرز بطبيعة الحال ردة فعل، لذا سارعنا الى احتواء الموضوع وسنتابع الامر. ويكفي ان السيد حسن نصرالله بادر شخصيا لاحتواء ردات الفعل ومنع الاحتقان المؤدي الى مزيد من التشنج».