وسط بيروت.. قلب لبنان المصاب بـ«نوبات» متتالية

لكل خطاب سياسي حاد انعكاسات اقتصادية

TT

لم يهزّ اغتيال النائب والوزير اللبناني بيار الجميّل قبل أيام استقرار الوضع الامني في البلاد فحسب إنما ضاعف الازمة الاقتصادية وزادها سوءا. فالهيئات الاقتصادية كانت من أول الذين سارعوا الى اعلان الاضراب العام ليومين. أما الشلل الذي اصاب عددا كبيرا من المناطق اللبنانية فلم يكن بجديد، وتحديدا وسط بيروت التجاري الذي لا يلبث ان ينهض من كبوة حتى يصطدم بمجموعة جديدة من «المطبات» الأمنية والسياسية التي تجعله يكبو من جديد.

فها هم أصحاب المحال والمطاعم يعانون ازمات اقتصادية منذ اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري مرورا بالاغتيالات التي حصدت شخصيات سياسية وإعلامية بارزة وما رافقها من انفجارات عمّت المناطق اللبنانية المختلفة، مرورا بطاولة «الحوار»، وصولا الى المحطة الابرز مع الحرب الاسرائيلية على البلاد التي استمرت 33 يوما، اضافة الى الحصار. ومع انتهائها، خاض لبنان مرحلة صعبة من طاولات «التشاور» التي عقدت في ساحة النجمة حيث مقر المجلس النيابي وسط بيروت. ومع انعقاد كل «طاولة» تصاب المنطقة بشلل تام نتيجة فرض اجراءات امنية مشددة تقفل على اثرها كل المحلات الواقعة في محيط المجلس.

ويضاف الى معاناة المستثمرين في تلك المنطقة تهديدات «حزب الله» بالنزول الى الشارع لإسقاط الحكومة وما يقابلها من استعدادات مماثلة يبديها بعض أطراف قوى «14 آذار». «الشرق الاوسط»، اجرت استطلاعا على عينة من أصحاب المحال وسط بيروت للوقوف على آرائهم وتبيان مخاوفهم وآمالهم. مدير أحد المطاعم الايطالية ميشال فرنيني، أبدى تخوفه من الوضع: «المرحلة صعبة جدا، هناك تراجع حاد في نسبة رواد المطاعم والمقاهي وسط بيروت. اننا في منطقة حساسة جدا ونحن من أول المتضررين بسبب الوضع العام للبلاد، فإذا استتب الامن ينطلق عملنا ويزدهر سريعا وفي المقابل عند وقوع أي أزمة نكون أول المتأذين. المشكلة ليست مرتبطة فقط بطاولة تشاور أو حوار أو بمظاهرة يلوّح بها أحد الاطراف، فمعاناتنا تكمن في عدم استقرار الوضع. كنا نفضل لو كان الوضع العام ثابتا على درجة منخفضة من الزبائن على ان يكون متقلبا بهذا الشكل. فتارة نستقبل 150 زبونا وطورا 30 فقط. وعلينا بالتالي ان نكون على استعداد لاستقبال 150 شخصا». وأضاف: «على المسؤولين أن يعوا ان مشكلاتهم تنعكس على الواقع الاقتصادي. نتمنى ان يتفقوا لان هذا الوسط التجاري هو محرك العجلة الاقتصادية في لبنان. هناك ثقة بالبلاد ولكن ليساعدونا قليلا».

وشكا من تراجع عدد زبائنه عن شهري يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) بنسبة 40 في المائة من دون احتساب فترة الإقفال خلال الحرب. وتشتد وطأة المعاناة بالنسبة الى اصحاب المطاعم الواقعة على الواجهة البحرية للمدينة، وهي منطقة معروفة بفخامتها وارتفاع بدلات الايجارات فيها. فرغم استمرار أعمال الاعمار فيها تأخر افتتاح عدد كبير من الفنادق التي كانت تعد بجذب السياح ورجال الاعمال. فقد أعرب صاحب احد المطاعم هناك، روني بستاني، عن «يأسه من الوضع. انني على استعداد للرحيل اذا تأزم الوضع من جديد. لست مستعدا لهدر شيء في هذه البلاد حتى انني لن اغيّر إطارات سياراتي. واعرف الكثير ممن أقفلوا أو يستعدون للإقفال». وقال ساخرا «نحن فرحون جدا بما يحصل ولكن من الافضل ان يتركونا لنعيش بسلام. لقد اشمئززنا من طاولاتهم وحواراتهم ومظاهراتهم». وأضاف: «لدي 14 موظفا ولا استطيع تركهم لكنني هذه المرة أنذرتهم بأنني لن استطيع دفع تعويضات، وكل يوم أقفل المطعم فيه سأضطر لحسمه من رواتبهم. ان البلاد وتحديدا هذا الوسط لا يستطيع الاقلاع من دون أجانب وسياح. لقد رحلوا وانضم اليهم أكثر من 30 في المائة من اللبنانيين. اليوم أحتفل بمرور سنتين على افتتاح المطعم وإذا استمر الوضع على حاله أو اذا نزلوا الى الشارع سأقفل أبوابي نهائيا. لقد امضيت عامين احاول النهوض وفي كل مرة أتعثر بسبب عدم استتباب الامن. في البداية كان العمل يتحسن بين 15 في المائة و20 في المائة وبعد انطلاق سلسلة الاغتيالات الله يرحم الشغل. لو لم يكن لدي شريك أجنبي قوي لما استطعنا الاستمرار في ظل كل هذه الصعاب، فقد انخفض عدد الزبائن بنسبة 50 في المائة. وفي المقابل، لا أحد يرحمنا وعلينا دفع كل الضرائب». من جهته، يبدي نبيل نمر، وهو مدير مطعم لبناني، قلقه من الوضع: «المنطقة ماتت. لم يتبق أكثر من 30 في المائة من نسبة عملها. عملنا لم يتأثر مباشرة لأننا نعتمد على الزبائن اللبنانيين وليس على الاجانب ولكن كل جيراني توقف عملهم وغالبيتهم أقفلوا مؤسساتهم». وناشد المسؤولين «التروي والعمل على تثبيت الاستقرار اولا والتوقف عن المزايدات والتفكير في الشعب، فخطاباتهم تنعكس على الوضع الاقتصادي مباشرة. لا نستطيع ان نعلق آمالا على فترات الاعياد، فالناس مُكبَّلون. وعملنا على المِحك بغضّ النظر عن الميول السياسية».