البحرين انتخبت.. والمقاطعة انتهت.. والنتائج اليوم

رئيس الوزراء يرحب بمشاركة المقاطعين.. وزعيم المعارضة يهدد باللجوء للشارع

TT

في أجواء ممطرة استمرت منذ الصباح الباكر وحتى وقت متأخر من يوم أمس، صوت البحرينيون لاختيار ممثليهم في مجلسهم النيابي والبلدي المقبل عبر ورقتين انتخابيتين، واحدة حمراء لاختيار عضو البرلمان، وأخرى خضراء لاختيار عضو المجلس البلدي.

وشهدت مراكز الانتخاب، الخاصة والعامة، إقبالا ملحوظا، وسط توقعات غير رسمية بارتفاع نسبة المشاركين إلى نحو 70%، وهي نسبة عالية مقارنة بنسبة المشاركين في برلمان 2002 والتي لم تتجاوز 53%. وفي الوقت الذي رحب فيه الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء البحريني، ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» بعودة المعارضة عن مقاطعتها، متوقعا أن تكون علاقة الحكومة بالبرلمان المقبل «أوثق»، ومنتقدا من يتحدث عن التزوير باعتباره «ليس من عادة البحرينيين» كان الشيخ علي سلمان زعيم المعارضة حذرا في تفاؤله بشأن نتائج الانتخابات (قبل إعلانها الرسمي)، وقال لـ«الشرق الأوسط» ان كل الاحتمالات مفتوحة، بما فيها النزول للشارع والانسحاب من البرلمان في حال حدوث ما أسماه بتزوير الانتخابات.

وقبل أن تدق الساعة الثامنة صباحا، وهو موعد التصويت والاقتراع لانتخاب 39 مرشحا عبر 39 دائرة انتخابية، أصطف البحرينيون رجالا ونساء بانتظار فتح باب الاقتراع، واستمر الازدحام طوال يوم أمس وحتى إغلاق أبواب المراكز الانتخابية في الساعة السادسة مساء للانتخابات البلدية، والثامنة مساء للانتخابات النيابية.

وبغض النظر عن التحفظ الذي أبدته المعارضة ازاء المراكز العامة وشكوكها من إصرار اللجنة العليا للانتخابات عليها، كان التصويت في هذه المراكز أكثر إقبالا من تلك التي كان عليها الحال في المراكز الخاصة، ولم يكن هناك أي طوابير تذكر في هذه المراكز العامة، والتي تم وضعها في عدد من المناطق الحيوية في البحرين، مثل: جسر الملك فهد الرابط بين السعودية والبحرين، مطار البحرين، حلبة البحرين الدولية، مجمع السيف التجاري.

وخلال ادلائه بصوته في الانتخابات البرلمانية والبلدية، أكد رئيس وزراء البحرين الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة لـ«الشرق الأوسط» ان بلاده لن تستورد الديمقراطية ولن تصدرها وإنما لها تجربتها وخصوصيتها، مشيدا بنسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات، وقال «نحن نحترم كل ما يريده شعب البحرين وما يخدم مصالحه بالدرجة الاولى».

ورحب الشيخ خليفة بن سلمان بتوسيع دائرة المشاركة الشعبية في الاستحقاقات النيابية والبلدية الحالية «لأنها تتيح للمواطنين بكافة اطيافهم التعبير عن رأيهم فى اختيار من يمثلهم وتزيد من الثقة في تعاظم الانجازات الوطنية التي نتطلع اليها جميعا»، مشيرا الى ان الحكومة ترى هذه المشاركة دعامة للمسيرة النيابية ودليلا على صحة الجسم الديمقراطي وتماسك اللحمة الوطنية.

وتوقع رئيس وزراء البحرين ان يكون تعاون الحكومة مع المجلس القادم «اوثق»، مشيرا الى أن الحكومة تؤمن ان من اختار الدخول الى البرلمان لتمثيل الشعب عبر المؤسسات الدستورية حريص على المصلحة الوطنية العليا «ولا نملك في هذه الحالة الا ان نحيي كل من اختار هذا الطريق لكي يضع يده بيد الحكومة لخدمة المواطن وتحقيق تطلعاته خاصة ان وصوله الى قبة البرلمان كان من اختيار الشعب نفسه الذي نثق في وعيه وقدرته على اختيار من هو جدير بتمثيله وتحمل هذه المسؤولية الوطنية الكبيرة». وحول المراقبة الدولية للانتخابات قال رئيس وزراء البحرين «لا نحتاج لمراقبة اجنبية في الانتخابات ولا نريد اي تدخل اجنبي في شؤوننا»، وانتقد من يتحدث عن التزوير وقال انه «لا يفيد البلاد وليس من عاداتنا».

واعتبر رئيس الوزراء البحريني أن الديمقراطية الصحيحة هي التي تكفل احترام الرأي والرأي الاخر «فتعددية الآراء والأفكار اسس وركائز للديمقراطية الحقة» مشيرا الى ان الحكومة تحترم كل من يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار وتمد يد العون له ولا ترى الحكومة في من يخالفها الرأي بأنه معارض او معارضة «لان الجميع وان اختلفوا فى الآراء فهم يتفقون جميعا على حب الوطن ومصلحته ولا يوجد من يعارض ذلك وهذه هي الديمقراطية الصحيحة فجميعنا في هذا الوطن نسير في تيار واحد وهو تيار الاصلاح والبناء». وفي انتقاد للأصوات التي تنادي بعدم ترشيح المرأة البحرينية، استغرب الشيخ خليفة بن سلمان من التشكيك فى قدرة المرأة على تحمل المسؤولية «بالرغم من الشواهد التى امامنا خاصة في المجتمع البحريني والتي تؤكد قدرة المرأة على تحمل المسؤولية». من جهة اخرى زارت «الشرق الأوسط» معقل المعارضة في قرية جد حفص ذات الغالبية الشيعية، وهي أكبر مركز انتخابي في البحرين ويبلغ عدد الناخبين فيها أكثر من 14 الف ناخب، وكان الشيخ علي سلمان زعيم المعارضة وأمين عام جمعية الوفاق الوطني بين ناخبيه مراقبا لعملية الاقتراع وعلى تواصل مع المراكز الانتخابية الأخرى، وبدا أن الجو في هذه الدائرة يتجه منذ الصباح المبكر نحو الاحتقان، بعد أن شكا عدد من الناخبين في الساعة الأولى من صباح أمس من تعمد اللجان المنظمة للانتخابات إحداث زحام غير طبيعي وإعطاء إيحاءات للناخبين للانسحاب من المراكز الانتخابية في الدوائر الانتخابية الاعتيادية وحثهم للتصويت في المراكز العامة العشرة للتصويت التي تعتبر «الوفاق» التصويت فيها تنعدم معه رقابة المترشحين.

وقال الشيخ علي سلمان لـ«الشرق الأوسط» إن جمعيته لديها من المؤشرات ما يمكن أن تعرف معه ما إذا تمت بالفعل عملية تزوير في الانتخابات، وقال «نستطيع أن نحدد كم هي نسبة نزاهة الانتخابات»، مضيفا «لن نسمح بهذا التزوير ـ في حال حدوثه ـ ولن نشارك به»، وردا على سؤال حول الآلية التي تتبعها الوفاق لتحديد نزاهة الانتخابات من عدمها، قال سلمان «هناك مراقبون في جميع الدوائر الانتخابية ونسجل أرقام البطاقات السكانية (الهوية البحرينية) ونعرف من هم الذين صوتوا ومن هم الذين لم يقوموا بذلك، كما لدينا استطلاعات للرأي تعطينا إلى حد كبير الوجهة التي تمت بها الانتخابات»، مضيفا «نستطيع أن نرصد بدقة نزاهة الانتخابات من عدمها .. نسبة الخطأ لدينا قليلة جدا» مهددا «ستكون لدينا إجراءاتنا في حال خروج الانتخابات عن النزاهة»، وحول الاجراءات التي من الممكن أن تتخذها المعارضة قال أمين عام الوفاق «جميع الاحتمالات مفتوحة»، مشيرا إلى أن مسألة النزول للشارع أو الانسحاب من البرلمان هي خيارات من ضمن الخيارات التي يمكن أن تقدم عليها الوفاق «في حال كان هناك تزوير للانتخابات».

إلا أن الشيخ علي سلمان قال مرة أخرى لـ«الشرق الأوسط» عند انتهاء فترة التصويت «الخروقات حتى الآن محدودة ومنها مشاركة العسكريين بتوجيهات من المؤسسة العسكرية دون أي نفي لتدخل هذه المؤسسة حتى الآن»، وبدا الشيخ علي سلمان حذرا من إعطاء رأي نهائي في نزاهة الانتخابات، مفضلا الانتظار حتى يتم الاعلان الرسمي من اللجنة العليا وتسليم كشوفات الناخبين لمراجعتها ومطابقتها مع كشوفات الجمعية، وقال «في حال اكتشافنا لعمليات تزوير سنتخذ الإجراءات التي تحفظ حقنا أمام الشعب البحريني».

وردا على اتهامات بشأن توجيه المؤسسة العسكرية لمنسوبيها في الانتخابات، قال الرائد محمد بن دينه مدير إدارة الاعلام الأمني بوزارة الداخلية إن الوزارة «ومن منطلق حرصها على مشاركة كافة منتسبيها في العملية الانتخابية، قامت بنقل المناوبين في المعسكرات والطلبة المستجدين في الاكاديمية الملكية للشرطة إلى المراكز العامة»، وأوضح بن دينة أن الوزارة قامت بذلك كون الطلاب من مختلف المحافظات لإتاحة الفرصة لهم «لممارسة حقهم الدستوري في الإدلاء بأصواتهم في العملية الانتخابية».

إلى ذلك، تحدثت جمعية الوفاق الوطني الاسلامية وجمعية العمل الوطني (وعد)، عن بعض من المخالفات التي ظهرت خلال جولة التصويت، وقالت مصادر في «الوفاق» إن أنباء مؤكدة تشير الى وجود نقل بالحافلات، التابعة لوزارة الداخلية «تقوم بنقل العسكريين في المركز الانتخابي العام في منطقة عوالي»، وقال المصدر الوفاقي أن الانباء المتواترة تشير الى ان هناك توجيها مباشرا للعسكريين بالتصويت لمترشحين معينين، مضيفا «استخدام الحافلات التابعة لوزارة الداخلية وتوجيه العسكريين مخالفة صريحة وتدخل في الارادة الحرة للمواطن في اختيار مرشحه».

وشككت «الوفاق» أيضا في نزاهة عدد من القضاة المشرفين على العملية الانتخابية في عدد من المراكز وقالت انه تم ضبط عدد من القضاة في القيام باختيار وتحديد مرشح معين خلاف رغبة أصوات عدد من المسنين، مشيرة إلى أن عملية الضبط هذه قد تمت من خلال اختيار وتحديد عدد من القضاة لمرشحين معينين بدلا عن كبار السن باتجاه الاشارة الى مرشح مخالف لرغبة الناخب.

وقالت «الوفاق» ان المراقبين في جسر الملك فهد سجلوا عمليات نقل كبيرة جدا عن طريق الحافلات السعودية لناخبين من داخل السعودية للتصويت في المركز العام بجسر الملك فهد، وأكد المكتب الاعلامي لانتخابات الوفاق ان المراقبين سجلوا توافد أعداد كبيرة جدا من السعوديين مزدوجي الجنسية الى المركز العام بجسر الملك فهد للتصويت.

ولكن القاضي خالد حسن عجاج عضو اللجنة العليا للحفاظ على سلامة الانتخابات، رد على جميع الاتهامات التي أطلقتها المعارضة البحرينية، وعلى رأسها جمعية الوفاق الوطني الاسلامية، وذلك خلال مؤتمر صحافي عقده أمس لإطلاع الصحافيين على آخر مستجدات العملية الانتخابية، ونفى القاضي وبشكل قاطع أن يكون هناك أى توجيه للعسكريين للتصويت لناخبين بعينهم، مؤكدا أن العملية الانتخابية برمتها تجري تحت اشراف قضائي «كامل ونزيه». وحول ما أشيع من أن وزارة الداخلية البحرينية كانت قد جمعت جوازات منسوبيها ثم سلمتهم جوازاتهم مختومة بختم المشاركة في الانتخابات دون أن يذهبوا للتصويت، نفى القاضي عجاج هذا الأمر موضحا أنه لا يمكن حدوث ذلك ابدا «اذ أن الاختام محرزة بعلم اللجنة العليا للحفاظ على سلامة الانتخابات وسلمت فقط صباح اليوم (امس) في تمام الساعة السادسة والنصف للقضاة الذين وقعوا على تسلمها».

وحول ما تردد عن قيام الناخبين من كبار السن خاصة ممن لا يعرفون القراءة أو الكتابة بوضع أوراق الاقتراع خالية في صناديق الاقتراع، وهو ذات الاتهام الذي قالته صراحة «الوفاق»، ذكر القاضي خالد عجاج أن المادة 23 من مرسوم بقانون رقم 14 بشأن مباشرة الحقوق السياسية تعطي للقاضي رئيس اللجنة الحق في اثبات رأى الناخبين ممن لا يعرفون القراءة أو الكتابة أو من كان من المكفوفين أو من غيرهم من ذوى الاحتياجات الخاصمة الذين لا يستطيعون بأنفسهم أن يثبتوا آراءهم على ورقة الاستفتاء أو الانتخاب وذلك عبر الادلاء بآرائهم شفاهة، على أن يثبت رئيس اللجنة بحضور أحد عضويها رأي الناخب في البطاقة المعدة لذلك ويتم وضعها في الصندوق». ومع إقفال أبواب الاقتراع في الساعة الثامنة مساء، كان القلق باديا على وجوه الجميع، مرشحين وناخبين بانتظار ظهور النتيجة النهائية للمرشحين، وفور إغلاق أبواب مراكز الاقتراع، بدأت اللجان المتخصصة في فرز صناديق الاقتراع استعدادا لإعلان نتيجة كل مركز على حدة، قبيل الاعلان الرسمي الذي سيتم في اللجنة العليا للانتخابات والمتوقع أن يكون صباح اليوم الاحد.