تقرير الأمم المتحدة: المرأة في العالم العربي ضحية العنف والتطرف

وصف مشاركتها السياسية بالـ «تجميلية» لتحسين صورة الأنظمة

TT

يقدم تقرير البرنامج الانمائي للأمم المتحدة حول اوضاع المرأة العربية صورة واقعية لهذه الاوضاع تبتعد عن التجميل او المبالغة في تقييم آثار الوصول الكبير للنساء العربيات في الاعوام الاخيرة الى مواقع القرار تحت تأثير ضغوط الغرب. وينظر التقرير الى المشاركة السياسية للمرأة والذي بات احد الشعارات المفضلة لدى الانظمة العربية على انه «عملية تجميلية» ومجرد «لافتة» لتحسين صورة هذه الانظمة نظرا لعدم ارتباط هذه المشاركة بممارسة فعلية ومؤثرة للسلطة. ولا يقتصر التقرير الذي يحمل عنوان «نحو نهوض المرأة في الوطن العربي» على وصف منحى خاص في وضع المرأة العربية بل يقدم صورة شاملة عنها في مختلف المجالات السياسة والاقتصادية والتربوية والقانونية والاحوال الشخصية. تقول المديرة الاقليمية لبرنامج الامم المتحدة الانمائي في الدول العربية اليمنية امة العليم السوسوة لـ«الشرق الاوسط» ان هذا التقرير «تناول موضوعات شديدة الحساسية في العالم العربي وجاء حصيلة عمل باحثين مستقلين من خلفيات وجنسيات متنوعة وهي تجربة مميزة تستأهل التطوير».

وتشرح ان التقرير يغطي العالم العربي كله بما فيه من ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية متباينة بين دولة واخرى مضيفة ان البرنامج الانمائي لا يتبنى ايا من وجهات النظر في التقرير.

ويمثل التقرير الاصدار الرابع في سلسلة من التقارير اعدت بدعم من برنامج الامم المتحدة الانمائي في اطار تقارير «التنمية الانسانية العربية».

والتقرير لا يشيد بوصول المرأة بشكل محلوظ الى مواقع السلطة في الاعوام الماضية بل يعتبر ان ما تحقق حتى الان في هذا الاطار لا يعدو ان يكون «خطوة تجميلية». ويرى التقرير ان مشاركة المرأة في هذه الحكومات العربية «اتسمت بالطابع الرمزي والاجتماعي والظرفي» فضلا عن ان التركيبة السياسية العربية اتاحت «ايصال نساء مرموقات لمواقع قيادية من دون مد التمكين الى القاعدة العريضة من النساء».

ويرى التقرير ان دمج النساء في الاطر الرسمية الحكومية العربية جاء تحت ضغط متزايد من الغرب ومن المنظمات الدولية الا انه جاء «مشروطا بالحفاظ على حضور ابكم وجامد» وانه شكل مجرد «لافتة» لتحسين صورة هذه الانظمة التي تتعرض لنقد شديد لادائها في مجال حقوق الانسان. كذلك، انعكس الدعم الغربي لحقوق المرأة العربية بشكل سلبي عبر وصم مناصري قضاياها بانهم من «المتعاطفين مع الغرب» الامر الذي زاد من تعقيد الاهداف التي يعملون من اجلها.

ورغم اشارة التقرير الى التقدم الكبير الذي احرزته النساء في الاعوام الماضية في مجال المشاركة السياسية كنيل المرأة العمانية والقطرية حق الترشيح للانتخابات البرلمانية (2003) وحصول المرأة الكويتية على حقوقها السياسية الكاملة (2005) إلا ان هذه المشاركة لا تزال شكلية اكثر منها جوهرية. ويرى التقرير ان سلطة النساء اللواتي يتم تعيينهن في اعداد قليلة في مواقع القرار لا تعكس سلطة فعلية مؤثرة باعتبار ان تعيينهن يبقى محدودا بحقائب وزارية غير مؤثرة، مثل وزارتا شؤون المرأة والشؤون الاجتماعية، كما ان التعيين نفسه «يعتمد على الضغوط الداخلية والخارجية ويخضع لأهواء الرجال» الذين يتخذون قرار التعيين. ويتوقف التقرير عند ما يراه تأثيرا ايجابيا لنظام الحصص في تمثيل النساء او ما يسمى بالتمييز الايجابي في «تحقيق دمج مؤثر للنساء في البرلمانات في العراق والمغرب والاردن وتونس» موصيا بـ«تعميم هذا النظام في جميع ارجاء العالم العربي بوصفه خطوة اولى نحو مساواة اوسع» في المشاركة السياسية. وقد ساهم اعتماد هذا النظام الذي يلاقي نقدا من بعض الهيئات النسوية في وصول النساء العراقيات الى 25 في المائة من مناصب البرلمان العراقي في حين تشغل النساء التونسيات 23 في المائة من المقاعد البرلمانية (2004) وبلغت نسبة النساء المغربيات في البرلمان 11 في المائة (2003) وارتفعت النسبة في الاردن الى 5.5 في المائة في البرلمان الاردني.

ويرى التقرير ان صعود الحركات الاسلامية في العالم العربي ساهم في كبح نهوض المرأة في العالم العربي، معتبرا ان «الصعوبة الحقيقية التي واجهت الاسلاميين مع قضية المرأة لا ترتبط فقط بخطابهم ونظرتهم المحافظة ازاء مكانة المرأة وانما في آيديولوجيتهم الاوسع». الا ان التقرير يميز بين الحركات السلفية وبين ما يصفه بـ«التيارات الوسط» معتبرا ان هذه الاخيرة «حققت تطورا مهما عبر العقود الخمسة الماضية فيما يتصل بموقفها من بعض القضايا المجتمعية المصيرية تجاه احترام حقوق الانسان». ويعتبر التقرير ان هذه الحركات «كانت في العديد من الحالات في طليعة حركة تمكين المرأة» مضيفا ان معظم التيارات الاسلامية الوسط «شهدت نموا ملحوظا في القيادة المتنورة ضمن الاجيال الاصغر سنا نسبيا». ويشير التقرير في المجال القانوني الى تحقيق تقدم باتجاه المساواة القانونية إلا انه يتوقف عند معيقات على رأسها كون «عملية وضع القانون وتطبيقه وتفسيره في العالم العربي تحكمها الثقافة الذكورية».

ويعتبر التقرير ان تعديل النصوص القانونية في ما يضمن مساواة اكبر بين المرأة والرجل ليس كافيا في ظل «ثقافة قانونية او وعي قانوني لدى القانونيين العرب يعارض صراحة او ضمنا مبدأ المساواة». ويشير الى ان المجال الاكبر في التمييز هو في قوانين الاحوال الشخصية التي تبقى في عدد كبير من البلدان العربية متحيزة بشدة ضد النساء رغم الطابع التقدمي لقوانين الاحوال الشخصية في المنطقة المغاربية.

ورغم ان 17 بلدا من مجموع 21 دولة عربية وقعت وصادقت على اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد النساء إلا ان غالبية هذه الدول وضعت تحفظات شديدة على هذه المصادقة، الامر الذي افقد هذه المصادقة في بعض الاحيان معناها.

ويعتبر مؤشر المشاركة الاقتصادية الاكثر سوداوية إذ ان معدل النشاط الاقتصادي للنساء العربيات هو اقل معدل في العالم، ويتناقض الامر مع التقدم في مجال التعليم والتربية اذ تجاوز، على سبيل المثال، عدد البنات المسجلات في المدارس في جميع مستويات التعليم بين عامي 2002 و2003 عدد الاولاد في عدة بلدان عربية منتجة للنفط وفي الاردن ولبنان وفلسطين وتونس. ويتوقف التقرير عند تأثير العنف على النساء العربيات ومن ذلك ما يسمى بجرائم الشرف والعنف المنزلي، كما انه يشير الى معاناة النساء اللواتي يعشن تحت ظل الاحتلال. ويؤكد التقرير ان المرأة هي اكثر من يعاني تحت وطأة الاحتلالات الاجنبية الى جانب «الحرب على الارهاب» وشبح التطرف المتزايد، إذ يرى التقرير ان «المرأة نالت نصيبا مزدوجا من الانتهاكات الجسمية» تحت وطأة هذه الظروف. ورغم ان التقرير يتناول هذه القضايا إلا انه لا يشير في العمق الى اوضاع خاصة تعاني منها المرأة في الاراضي الفلسطينية وفي العراق بشكل خاص في ظل دوامة عنف شديدة.

تقول امة العليم السوسوة في هذا الاطار ان التقرير لم يتجاهل قضايا رئيسية هي مثار جدل في العالم العربي، مثل الحجاب او الارهاب او صعود التيارات الاسلامية وجرائم الشرف وغيرها، الا انه اشار اليها في معرض الحفاظ على شموليته.

وتقول «التقرير لا يشكل مسحا شاملا لكل اوضاع المرأة في العالم العربي بل خطوة رئيسية في طريق وضع اليد على مكمن القضايا الرئيسية الخاصة بالمرأة».

وتشرح ان التقرير يقدم صورة متباينة للنجاحات والإخفاقات في مجال حقوق المرأة في مختلف الدول العربية مما يحول دون امكان تصنيف هذه الدول لجهة افضل اداء في مجال حقوق المرأة. الا ان النجاح الابرز يبقى في مجال التعليم والاخفاق الاكبر في مجال المشاركة السياسية، بحسب المسؤولة. وسوف يتم الاعلان الرسمي عن التقرير في صنعاء في السابع من ديسمبر المقبل، وكان يفترض ان يطلق من بيروت، إلا ان تدهور الاوضاع الامنية دفع بالمنظمة الدولية الى اختيار مدينة عربية اخرى «حتى لا نكون التزاما وعبئا اضافيا على الحكومة اللبنانية» كما تقول المديرة الاقليمية للبرنامج.