البابا يزور مسجد السلطان أحمد ويولي وجهه صوب الكعبة

شدد على «القيم المسيحية» لأوروبا.. وربط انضمام تركيا بالحرية الدينية

TT

في ثالث يوم من زيارته التاريخية الى تركيا، توجه بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر، امس، الى مسجد السلطان احمد، في اسطنبول، وأصبح بذلك البابا الثاني الذي يزور مسجداً بعد البابا الراحل يوحنا بولس الثاني الذي كان قد زار الجامع الأموي في دمشق عام 2001. وبعد دخوله المسجد الازرق، وفي حركة استثنائية، اتجه البابا صوب مكة المكرمة، ثم وضع يديه على صدره، وصلى لبضع دقائق.

وقبل زيارته المسجد، كان البابا قد زار متحف آيا صوفيا القريب، الذي كان في الاصل كنيسة ثم حوِّل الى مسجد عام 1453، قبل ان يجري تحويله في الأخير الى وضعه الحالي عام 1935. اما مسجد السلطان احمد، الذي يعرف بالمسجد الازرق نسبة الى لون حجارته، فقد شيده السلطان الذي يحمل اسمه، في القرن السابع، وهو احد اكبر المساجد في اسطنبول، وأحد المساجد النادرة في العالم الاسلامي التي تملك ست مآذن.

وفي وقت سابق امس، كان البابا قد زار كنيسة القديس جورجيوس، مقر البطريركية الارثوذكسية، واصدر بيانا مشتركا مع الزعيم الروحي للمسيحيين الارثوذكس البطريرك بارثولوميو الاول، شددا فيه على ان احترام الحرية الدينية يجب ان يشكل معيار دخول تركيا الى الاتحاد الاوروبي، ووجها دعوة الى المسيحيين الاوروبيين الى التمسك بـ«القيم المسيحية» لأوروبا. وجاء في اعلان مشترك صدر عن البابا والبطريرك امس في اسطنبول ان احترام الحرية الدينية يجب ان يشكل معيارا لدخول تركيا الى الاتحاد الاوروبي، وان المسؤولين في الاتحاد الاوروبي يجب ان «يأخذوا بالاعتبار كل الجوانب المتعلقة بالإنسان وحقوقه المشروعة لا سيما منها الحرية الدينية الشاهدة والضامنة لكل حرية اخرى». وكان رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان نقل الثلاثاء الماضي عن البابا دعمه دخول تركيا الى الاتحاد الاوروبي. لكن المتحدث باسم الفاتيكان الاب فيديريكو لومباردي اوضح في وقت لاحق ان «الكرسي الرسولي ينظر بايجابية ويشجع طريق الحوار والتقارب والاندماج في اوروبا» مع تركيا، «على قاعدة القيم والمبادئ المشتركة». ويشار الى ان البابا كان عبر قبل وصوله الى السدة البابوية عن معارضته دخول تركيا الى الاتحاد. ويشار الى ان مسيحيي تركيا يؤيدون انضمام بلادهم الى الاتحاد الاوروبي، آملين بان يساهم ذلك، في حال حصوله، في تحسين اوضاعهم. كذلك، ووجه الاعلان المشترك دعوة الى الكاثوليك والارثوذكس في اوروبا الى «توحيد جهودهم من اجل الحفاظ على الجذور والتقاليد والقيم المسيحية» مع البقاء «منفتحين على الديانات الاخرى». وفي ختام قداس اقامه في اسطنبول، دعا البطريرك بارثولوميو الاول في كنيسة القديس جاورجيوس، مقر البطريركية، جميع المسيحيين الى «تجديد وعي اوروبا لجذورها وتقاليدها وقيمها المسيحية والى تجديد حيويتها». وحضر البابا القداس لمناسبة عيد القديس اندرياس من دون المشاركة في احيائه نتيجة الاختلافات بين الكنيستين الكاثوليكية والارثوذكسية. وشدد البابا في خطابه على ان «الرسالة» المشتركة لجميع المسيحيين والقاضية بالتبشير بالانجيل «لا تشمل فقط الثقافات التي طالتها هامشيا رسالة الانجيل، بل ايضا الثقافات الاوروبية القديمة المتجذرة بعمق في التقليد المسيحي». وقال البابا ان «العلمنة اضعفت التمسك بهذا التقليد. في مواجهة هذا الواقع، نحن مدعوون معا، ومع كل الطوائف المسيحية الاخرى، الى تجديد الوعي الاوروبي لجذوره وتقاليده وقيمه المسيحية، وبث حيوية جديدة فيها». وشدد على اهمية «ضمان (الحرية الدينية) في الدستور واحترامها فعليا». وشدد على «شهادة الايمان» التي يقدمها المسيحيون «في مناطق مختلفة من العالم»، مشيرا الى «شهداء» الماضي الذين تكرم ذكراهم الكنيستان الارثوذكسية والكاثوليكية. من جهة اخرى، تحدث البابا على «المسؤولية العالمية» للبابا، وهي أبرز موضوع خلاف بين الكنيستين الكاثوليكية والارثوذكسية التي لا تعترف بمرجعية البابا. يشار الى ان الكنائس الارثوذكسية في العالم يجمعها اتحاد غير متماسك على عكس التسلسل القيادي الصارم في الكاثوليكية مع اعتبار البابا رئيسا للكنيسة التي يبلغ عدد اتباعها نحو 1.1 مليار. وحدث الانقسام بين الكنيسة الشرقية والغربية عام 1054 بسبب خلافات حول سلطة البابوية، وبدأ الحوار الهادف للم الشمل بشكل جاد عام 1965. وتم إحكام الاجراءات الامنية خلال زيارة البابا بشكل لم تشهده البلاد مع أي زائر أجنبي. واحتج عدد محدود من مؤيدي حزب اسلامي قومي ضد البابا خارج جامعة اسطنبول تحت حراسة مشددة من الشرطة. وتأتي الزيارة البابوية الى تركيا بعد اقل من ثلاثة اشهر على كلام له عن علاقة الاسلام بالعقل والعنف اثار موجة احتجاجات واسعة في العالم الاسلامي. وتظاهر عشرات الاشخاص احتجاجا على الزيارة قرب مقر البطريركية الارثوذكسية ومتحف آيا صوفيا، مطلقين هتافات مناهضة للبابا وصرخات «الله اكبر». ورفعوا لافتات كتب عليها «لن تتحول تركيا الى مستعمرة»، بينما كتب على اخرى حملت صورة البابا واردوغان «خذ طيب واذهب»، في انتقاد للاستقبال الحار الذي خص به اردوغان بنديكتوس السادس عشر. كما رفعت لافتات اخرى فيها «آيا صوفيا تركية وستبقى» و«آيا صوفيا مسجد منذ 1454».