«البولونيوم 210».. مادة سامة قوية يصعب اكتشافها قبل ظهور أعراضها

اكتشفتها بولندية عام 1898 ولا تضر المحيطين بمن يصاب بها

TT

يعد «البولونيوم 210» أحد العناصر الموجودة في الطبيعة، والقادرة على بث إشعاعات من نوع «ألفا» المضرة بالكائنات الحية عموماً، وبينها الإنسان. وتم اكتشافه من قبل ماري كوري البولندية الأصل في أواخر القرن التاسع عشر، وتحديداً في عام 1898.

وهو من العناصر النادرة جداً في الطبيعة، ويتم استخراجه اليوم إما مباشرة من الصخور المحتوية على عنصر اليورانيوم، حيث يُعطي كل طن متري من اليورانيوم حوالي 100 ميكروغرام من البولونيوم، أو من خلال عمليات فصل كيميائي لهذه المادة من مادة  اليورانيوم ـ 226.

وله أكثر من 50 نظيرا مشعا غير ثابت، أكثرها توفراً هو «بولونيوم-210». ويصدر أشعة «ألفا» بكميات عالية، حيث أن مليغراما واحدا منه يُنتج من أشعة ألفا ما تُنتجه 5 غرامات من مادة الراديوم. لكن من المعروف أن أشعة «ألفا» يُمكن التحكم في تسربها بصفة سهلة نسبياً، لذا فإنه نظرياً يُمكن وضعها في علبة زجاجية محكمة الإغلاق، مثلا، أو مظروف ورقي أو في داخل قطعة من الطعام، دون ان يتضرر من يحملها أو من حوله طالما لم تُستنشق المادة أو تُبلع. وتوجد هذه المادة المشعة في أجزاء الطبيعة القريبة من الإنسان بكميات ضئيلة، كما في التربة والهواء والمياه، بل تُوجد حتى في لفافات التبغ المزروع في بعض مناطق العالم. ولذا فإن أجسام الناس تحتوي على كميات ضئيلة جدا منها بصفة طبيعية.

وتعتبر مادة «بوليونيم ـ 210» عالية الإشعاع والسمّية إذا اُبتلعت أو اُستنشقت أو حُقنت في الدم. ومن الخطورة الصحية بمكان حملها أو التعامل معها دون احتياطات سلامة. وتعد كمية 1 ميكروغرام (جزء من ألف غرام) خطرة جداً، نتيجة التأثير المباشر لطاقة أشعة ألفا على أنسجة الجسم. وبحساب تقريبي فإن التأثير السمّي لغرام منها يُعتبر أكثر سمّية من غرام من السيانيد، بمقدار 250 مليون مرة، ما يعني أن قطعة بحجم ذرة غبار تعد عالية السمّية.

ولا توجد مادة مضادة لعلاج حالات التسمم بالبولونيوم ـ 210 ، لكن عندما تتواجد في الجسم بكميات عالية فإنها تتسبب في أضرار بالغة على أعضاء الجسم خصوصاً عند ابتلاعها أو استنشاقها، وربما تُؤدي إلى الوفاة.

ويجد الاطباء صعوبة في اكتشاف وجود المادة عندما يتعرض لها الانسان، والسبب في ذلك هو طبيعة إشعاعات «ألفا» التي تصدرها المادة، لأنها ذات مدى قصير في اختراق أنسجة الجسم، وحينما يتم ابتلاعها أو استنشاقها فإنها تتلف الأنسجة المحيطة بمكان تواجدها دون الخروج بشكل كاف الى مناطق خارجية من الجسم، مما يُصعب على الأطباء اكتشاف وجودها. ولهذا فإن الشخص الذي يتعرض للتسميم بالمادة، لا يؤثر بشكل ضار، في الغالب، على من هم حوله من الناس.

ومن هنا يبدو اختيارها كوسيلة قتل، فكرة ذكية، ولم يسبق استخدامها لهذه الغاية من قبل، كما تشير بعض المصادر، ولا يُمكن اكتشافها بأجهزة رصد الإشعاعات المعتادة. ولهذا فإن الأطباء عادة لا يكتشفون وجودها حينما تبتلعها الضحية أو يستنشقها، حتى حين بدء ظهور الأعراض المرضية عليه، إضافة لعدم تسببها في أذى للمحيطين بالشخص المعني. لكن ثمة آراء طبية تفيد بان الناس الذين يتعرضون لبول أو براز وربما إفرازات عرق، الشخص المعني، قد يتضررون هم ايضاً بانتقال أجزاء ضئيلة من المادة المشعة الضارة إليهم.

وعند مراجعة المصادر الطبية حول دراسات التسمم، لا يستطيع الانسان العثور سوى على إشارة لهذه المادة في احدى الدراسات الروسية الطبية الصادرة عام 1994.

والتأثير المباشر لهذه المادة على جسم الإنسان يحدث نتيجة لأشعة ألفا الصادرة بوفرة عن مادة بولينيوم ـ 210، حيث تُؤدي الطاقة الناجمة عن الأشعة هذه إلي تفتيت آلية عمل جينات الخلايا، ما يُؤدي إلي قتل الخلايا الحية أو تحويلها إلى خلايا سرطانية. ولذا تظهر الأعراض على مناطق الجسم التي تتميز بوجود خلايا تنقسم بسرعة في العادة، مثل خلايا نخاع العظم أو بصيلات الشعر أو بطانة أجزاء الجهاز الهضمي، أي ظهور حالة أنيميا الدم وضعف جهاز مناعة الجسم وتساقط الشعر وأعراض شتى في الجهاز الهضمي.