«دربكة ونارجيلة».. وصور نصر الله وفرنجية على أكشاك الكعك والمياه

ساحة الاعتصام تحولت إلى نزهة

TT

اختلط حابل الحياة العادية بنابل حملة اسقاط الحكومة اللبنانية في الاعتصام الذي دعت اليه المعارضة. وقضى المعتصمون ليلتهم الاولى في الساحات المحيطة بوسط بيروت التجاري والمستخدمة في الاحوال العادية مواقف للسيارات. أعدوا عدتهم لإقامة مفتوحة على كل الاحتمالات لتحقيق الهدف وتغيير الواقع السياسي الحالي. وفي حين فتحت الطرق بقي الانتشار الامني كثيفا، لاسيما قرب السراي الحكومية ومحيط بيت الامم المتحدة.

ولم ينج هذا الانتشار من بعض الانتقاد «الودي» عبر مكبرات الصوت. فقد قال المنادي: «نحن نحب الجيش ونتمنى ألا يقفل الطرق امام المعتصمين. انظروا الى اين يريدون اخذه. اوصلوه الى ان يغامر بشعبه ويذله. ألبسوا الزعران بذلات عسكرية ليوسخوا سمعته». عناصر الانضباط التابعون بغالبيتهم الى «حزب الله» تابعوا مهماتهم. وحرصوا على الاقتراب من «الوجود الغريب» لكل من يحاول اقتحام حميمية المعتصمين ليتأكدوا من غايته قبل ان ينصرفوا بعد تذكير الشباب بالوصايا المتعلقة بـ«آداب الاعتصام».

جمهور الخيم نقل عاداته ووسائل تسليته الى محل اقامته الطارئ لمواصلة النضال، مما أوحى أن الاقامة قد تطول. لذا لم يكن غريبا ان تحتوي الخيمة، الى جانب الفرش والوسائد وسجادة الصلاة وقناني المياه، على اركيلة وموقدا للفحم. في أي حال كانت رائحة التنباك المعسل تعبق في المكان. ومتوسط اعمار المدخنين كان يتراوح بين الثامنة عشرة والثانية والعشرين، مما دفع صحافية اجنبية كان تغطي الحدث الى انتقاد الاهمال الواضح للصحة لدى الجيل الجديد في لبنان. وبررت احدى الصبايا فقالت: «في هذا البلد لا أفق للحياة الكريمة. بتدخين او من دونه حياتنا في خطر».

«الدربكة» كانت ايضا حاضرة مما نقل الاجواء الجنوبية الى ساحات وسط العاصمة. غنى الشباب «جينا وجينا وجينا على بيروت جينا. جينا نسقط الحكومة والرجال يلاقونا».

حرص الباعة المتجولون على «تزيين» أكشاكهم بصور زعمائهم. ليطل الامين العام لحزب الله حسن نصر الله على عربة للكعك. وتتصدر صور رئيس «التيار الوطني الحر» النائب ميشال عون. كذلك حضر زعيم تيار «المردة» الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية على عربات لبيع المياه.

لوهلة بدت ساحات الاعتصام وكأنها مساحة مخصصة لـ«البيك نيك» كما في المدن الاوروبية. فالجميع افترش العشب الاخضر ليتمدد ويغفو في قيلولة منتصف النهار، او قام الى تأدية صلاته في ركن منعزل او قرب خيمته. ولا بأس بورق اللعب في استراحة قصيرة قبل مواصلة النضال. حنان رضا التي تعمل في التدريس، شاركت في الاعتصام برفقة تلميذاتها. وقالت لـ«الشرق الاوسط»: «أحضرت تلميذاتي الى وسط بيروت لنعتصم من أجل تغيير الحكومة. وليس مهما أن يعود الرئيس فؤاد السنيورة أم لا. نريد ان يتحسن الاقتصاد ليكفينا راتبنا حتى آخر الشهر». ولا تنفي حنان أن الزعماء الحاليين في الموالاة والمعارضة عاجزون عن تقديم ضمانات الى الشعب اللبناني، كذلك لا تنفي ان هؤلاء الزعماء بغالبيتهم تقاتلوا خلال الحرب الاهلية التي عاشها لبنان من 1975 حتى 1989. لكنها تقول: «ربما أخطأوا في الماضي. لكنهم حاليا يفكرون في مصلحة لبنان».

الطالبة غنوة شقير بدت متحمسة جدا للاعتصام، وقالت: «حتى لو كنت في الصين لجئت ركضا لأشارك في اسقاط الحكومة».

وماذا بعد؟ ما تتوقع غنوة وغيرها من هذه الخطوة؟ تجيب: «ستأتي حكومة نظيفة وشريفة. وسيضطر أهل السلطة الى التخلي عن الوصاية الاميركية ليتذكروا انهم لبنانيون».

بالطبع لا تملك هذه الشابة ورفيقاتها أية ثقافة سياسية تتعلق بالاجراءات الدستورية المرافقة لخطوة اسقاط الحكومة. كذلك هي حال بعض الشباب المشارك في الاعتصام، إذ قال الطالب الجامعي رامي حسون: «أتيت من طرابلس في شمال لبنان للمشاركة. واقول للسنيورة ان يخاف على مصلحة لبنان وينزل عن الكرسي. نريد رئيسا يتحلى بالحد الادنى من الأمانة الشرعية». رامي قضى ليلته في ساحة رياض الصلح، لم يستطع النوم إلا قليلا. طوال الليل كان يستمع الى خطابات ونقاشات بشأن ضرورة الاستمرار في الاعتصام. قاسم المصري الذي جاء من «بعلبك الأبية» كما قال، وهو ينتمي الى الحزب السوري القومي الاجتماعي. رفض السماح لنا بالتقاط صورة له ولرفاقه ورفيقاته وهم يدخنون النارجيلة. سمح فقط بتبادل الحديث. واشار الى ان الصبايا لا يمضين الليل في الخيم. وأوضح السبب قائلا: «نحن علمانيون. لا نؤمن بالتمييز الجسدي. لكن بعض التوتر ساد الليلة الماضية. وخفنا من حصول خلافات او اضطرابات أمنية. نحن نستطيع ان ندبر امرنا أما هنَّ فلا». يخاف قاسم من «الطوابير الخامسة» التي يمكن ان تندس «لأن لبنان مكشوف على مخابرات العالم». لكنه متأكد من ان التحرك الحالي سيقود الى تحقيق الاهداف الوطنية التي تجمع اللبنانيين ولا تفرقهم.

علي عمار من برج البراجنة في ضاحية بيروت الجنوبية، يؤكد انه منتمٍ الى «التيار الوطني الحر» ومنذ خمس سنوات. وصف ليلة الاعتصام الاولى بانها «كانت جيدة. غنينا قليلا وتسلينا. فالاقبال كبير على المشاركة، حتى اني أفكر في فتح جناح لبيع القمصان القطنية». يضحك ويضيف: «يجب ان يتغير شيء نتيجة الاعتصام. حتى لو قررت قياداتها الرجوع عنه قبل التغيير، نحن لن نستسلم».

ولكن ماذا لو اتقفوا على صيغة ما للعودة الى الحوار؟ يجيب علي: «نكون حينها قد وصلنا الى درجة اسفاف لا سابقة لها. او انهم يعتبرون الشعب اللبناني غبيا ومغسول الدماغ».

جورج صليبا من «التيار الوطني الحر» يؤمن ايضا بأن هدف الاعتصام هو الصمود حتى تسقط الحكومة. وماذا بعد؟

يجيب: «علينا ان نصمد ونرى كيف سيستثمرون صمودنا. نحن نؤدي مهمتنا. وبعد ذلك تقع المسؤولية على قياداتنا».

يتدخل زميله في الخيمة جورج عون، ويقول: «نحن نمهل الحكومة ونكتفي بالاعتصام السلمي حتى صباح الاثنين. بعد ذلك سنعلن العصيان المدني اذا لم تستجب لمطالبنا وتستقيل. سنعمل على إقفال المؤسسات العامة والمرافق الاساسية وسننجح». واذا رفضت الحكومة الاستقالة، ماذا ستفعلون؟

يقول: «المفروض على كل زعيم سياسي ان يقدر مواقف شعبه. ومن يحب وطنه يجب أن يضحي».