الأقصر: إزالة قرية «القرنة» تم بهدوء وسكانها نقلوا إلى قرى جديدة

تلبية لتوصيات «اليونيسكو» والقرار سيمكن علماء الآثار من الوصول إلى أكثر من 50 مقبرة

TT

بعد خمسين عاما من المناوشات والتخطيط للمعركة، لم تقع امس معركة «القرنة» التي كان يتوقع ان تواكب ازالة عشرات القرى المنتشرة عند سفح جبل طيبة في الاقصر بين المواقع الاثرية بصعيد مصر.

بيد ان مصير 10 آلاف من سكان القرنة تم حسمه بعد الاعلان الرسمي ان على الجميع مغادرة المنطقة لترك الموقع الفسيح الذي يضم الف مقبرة اثرية للسياح وعلماء الاثار. ودخلت الجرافات قرية مصرية قرب وادي الملوك امس في بداية خطة لاعادة توطين 3200 أسرة من أجل الاثار رغم تذمر اهالي القرية الذين يكسبون قوتهم من صناعة السياحة.

وهدمت الجرافات اجزاء من أربعة منازل غير مسكونة على ما يبدو لاظهار أن الحكومة جادة بشأن اخراج الناس.

ولكن باستثناء عدد قليل منهم قال سكان قرية القرنة انهم يعارضون بقوة خطة اعادة التوطين التي ستبعدهم عن الوصول الى السياح الذين يعتمد كثير من أهل القرية عليهم في كسب قوتهم. والقرنة هي أقرب قرية الى وادي الملوك الذي دفن فيه توت عنخ امون وغيره من الفراعنة. وتقع فوق مقبرة كبيرة بنى فيها الاثرياء والاشراف من العامة مقابرهم المزخرفة في الالف الثاني قبل الميلاد.

وفي مدينة الاموات المنسية هذه اقيمت في اقل من قرنين قرى عدة حيث تمتد بين المقابر وفوقها، منازل جميلة رغم المعارضة المستمرة للسلطات. ومن اعلى هضبة قبالة هذه القرية في صعيد مصر دعا محافظ الاقصر اللواء سمير فرج كبار المسؤولين والصحافيين لحضور عملية تطهير القرنة.

وقال فرج لوكالة الصحافة الفرنسية «ستغادرها 3500 اسرة الى حياة افضل. وهذه اضخم عملية نقل للاهالي منذ عملية انقاذ ابو سنبل في النوبة قبل 40 عاما».

وبعد استعراض اطفال كانوا يرتدون لباسا فرعونيا واكبته موسيقى وخطب حماسية للمسؤولين، اعطى المحافظ شارة انطلاق العملية وتشغيل الجرافات وآليات الهدم. وفي ربع ساعة تهاوت ثلاثة منازل خالية منذ فترة طويلة تحت وطأة الآليات. وفي حين وجه احد السكان من على سطح منزله كلاما نابيا، بدا آخرون مستسلمين وقد اعتراهم الحزن.

وقال وزير الاسكان احمد مغربي «نسعى الى الانتهاء من هذه القضية منذ مائة عام». وتم التوصل الى حل معقول وسلمي بكلفة 30 مليون دولار. وحاولت الحكومة المصرية بناء على نصيحة المهندس المعماري والمفكر حسن فتحي نقل الاهالي في عام 1948 ببناء قرية القرنة الجديدة على ضفاف النيل الا أن غالبيتهم عادوا شيئا فشيئا الى منازلهم القديمة. وقال قرويون امس انهم لن ينقلوا الا بالقوة هذه المرة حتى لو كانت منازلهم الجديدة التي تكلف بناؤها 180 مليون جنيه مصري نحو (31 مليون دولار) على بعد حوالي ثلاثة كيلومترات تحتوي على صرف صحي ومياه نقية جارية.

وقال رجل في منتصف العمر اشتكى بشكل مفصل من نظام توزيع المنازل هناك انعدام تام للثقة. موظفو الحكومة كلهم كذابون. انهم يعدون باشياء في العلن الا اننا لا نرى شيئا.

لكن رئيس المجلس الاعلى لمدينة الاقصر القريبة وهي مركز حركة السياحة في المنطقة قال ان الجميع وافقوا ما عدا نحو خمسة أو ستة أشخاص على نقلهم في اطار برنامج اعادة التوطين الذي سيمكن علماء الاثار من الوصول الى اكثر من 50 مقبرة في المنطقة وتلبية توصيات منظمة الامم المتحدة للعلوم والثقافة «اليونيسكو».

وهذه القرية الجديدة التي اقيمت في الصحراء اضافة الى قرية اخرى ستقام في ارض زراعية شمالها، لا تمتان بصلة الى السكن التقليدي الذي تعوده الاهالي في هذه التضاريس الصلصالية.

وقال الدكتور زاهي حواس المسؤول عن الآثار في مصر «ان يستعيد علم الآثار حقوقه، هنا كان احد احلام حياتي» مضيفا «ثمة هنا كنوز مخفية، لقد تعرضت مدافن القرنة لاضرار كبيرة». ويبدو اكيدا ان سراديب مدافن المنطقة الاثرية نهبه قديما سكان القرنة بطلب من سياح اجانب، وذلك سعيا الى استغلال الثروة التي خلفها الفراعنة. وبات كثير من هذه المدافن مأهولا في حين تم تحويل البعض الاخر الى مستودعات. وقال حسن عامر «ولدت في هذه المقبرة» مشيرا الى كهف مدفن مساحتة 50 مترا مربعا حفر في حائط صلصالي يتبع منزل اسرته في قرية قرنة المراعي التي يقطنها الف نسمة في الطرف الجنوبي من منطقة القرنة. واضاف عامر الذي اصبح استاذا في جامعة القاهرة انه «حزين لاختفاء كل هذا الارث»، وقال «سنقيم مدينة للاموات من دون ان نأخذ كثيرا في الاعتبار الاحياء وتاريخهم فيها». وسيتم الحفاظ على بعض النماذج من هذه العمارة التقليدية في صعيد مصر التي تقوم على الآجر المخلوط بالقش وتطلى بيوتها بالوان شعبية. وقال مغربي انه سيتم ابقاء ثلاثين من هذه المنازل «بالاتفاق مع اليونيسكو» في حين اشار المحافظ الى 15 منزلا فقط. ولاحظ نجيب امين الخبير المعروف «المشكلة انه لم يؤخذ في الاعتبار مفهوم المشهد الثقافي» مضيفا «يجب ان يبدأ في الاقصر او في غيره تفكير حقيقي في ادارة المواقع» الاثرية.