المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية يرفع إلى العاهل المغربي مقترح مشروع الحكم الذاتي

بعد مداولات دامت 6 أشهر واتسمت بالتكتم الشديد

TT

قال خليهن ولد الرشيد، رئيس المجلس الملكي لشؤون الصحراء، إنه رفع، الليلة قبل الماضية مقترح مشروع «الحكم الذاتي» الى العاهل المغربي الملك محمد السادس قصد التصديق عليه. ويهدف المشروع الى منح سكان المحافظات الصحراوية صلاحيات واسعة لتسيير شؤونهم بأنفسهم في ظل السيادة المغربية، معتبرا اياه حلا نهائيا، يجنب منطقة المغرب العربي وجنوب الصحراء «عدم الاستقرار».

وأوضح ولد الرشيد، الذي كان يتحدث أمس الى الصحافة بالرباط أن المشروع الذي صادق عليه أعضاء المجلس، بعد مناقشات جادة اتسمت بالكتمان لمدة ستة اشهر، يتضمن ثلاثة أمور أساسية؛ الأول يهم الحفاظ على جميع معالم السيادة المغربية على الصحراء بصفة واضحة لا تدع مجالا للشك. والثاني يتعلق بضمان الحقوق السياسية والثقافية والاقتصادية لكافة الصحراويين لتدبير شؤونهم بأنفسهم. فيما يتعلق الامر الثالث بتطابق مضامين المقترح مع الشرعية الدولية، وخاصة المعايير المرتبطة بتقرير المصير التي تعني مشاركة فعالة للمعنيين بالأمر.

وأكد ولد الرشيد في معرض جوابه عن سؤال لـ«الشرق الأوسط» أن مقترح المجلس الاستشاري يتحدث عن مفهوم «الحكم الذاتي» في الصحراء وليس عن مفاهيم تم تداولها من قبيل «المناطق الموسعة» أو «اللامركزية» او نظام الجهة، مشيرا الى أن هناك معيارا واحدا مطبقا في دول الاتحاد الأوروبي وفي أميركا، وهو نفس المعيار الذي سيطبق بالمغرب، ووصفه بالخيار الوحيد الممكن، انسجاما مع ميثاق الأمم المتحدة، بعد أن فشل عمليا «مبدأ الاستفتاء» انطلاقا من تحديد الهوية، والذي يستحيل تطبيقه، لكون سكان الصحراء والنسيج العائلي والقبلي غير مستقرين فقط في الصحراء الغربية، بل يمتد وجودهم الى اربع دول هي: المغرب والجزائر وموريتانيا ومالي، مبرزا أن إجراء الاستفتاء في هذه الحالة يتطلب التنقل عبر تلك الدول، وتغيير معالم حدودها، وهذا الأمر سيخلق نزاعات كثيرة لا طاقة للمنطقة بها.

وأضاف ولد الرشيد أن مقترح الحكم الذاتي سيكون نهائيا وغير قابل للتراجع لا من قبل الدولة المغربية أو من طرف سكان المنطقة، فلكل واحد اختصاصاته التي يجب أن تحترم الى الابد، ولا يمكن بعد مرور خمس أو حتى عشر سنوات المطالبة بـ«الاستقلال» على سبيل المثال من قبل سكان المحافظات الصحراوية، أو تغيير معالم الاتفاق مع تولي السلطة حكومة مركزية جديدة في الرباط، مبرزا أن الدول النافذة في العالم اقتنعت برجاحة هذا الحل لتجنيب منطقة شمال افريقيا ودول جنوب الصحراء والساحل مخاطر كثيرة، لن تهدد فقط المنطقة المعنية بهذا النزاع ولكن كذلك القارة الأوروبية، نظرا لشساعة مساحة الصحراء التي أضحت مرتعا خصبا لتنظيمات ارهابية عقدت تحالفات مع تنظيم القاعدة وتجار السلاح.

ووصف ولد الرشيد مرحلة الانتهاء من صياغة نص المشروع بـ«اللحظة التاريخية» التي لم يسبق أن أنجزت، لحل نزاع الصحراء الذي طال أمده، نافيا نعت المقترح بالمناورة الدبلوماسية أو تجريب أفكار لن تنفذ. وقال سيصبح هذا المشروع نموذجا يحتذى في العالم الافريقي والعربي والاسلامي لحل نزاعات مماثلة. وأضاف بهذا الخصوص «أنه عمل تاريخي جبار شارك فيه جميع الصحراويين الذين يمثلون ثلثي سكان الصحراء موجودين فوق التراب الوطني، في الوقت الذي يوجد به قرابة 25 في المائة من ساكنة الصحراء في مخيمات (تندوف) فوق التراب الجزائري. ويدخل المشروع في نطاق الاصلاحات الجريئة التي أنجزها المغرب في جميع المجالات وباعتراف المنتظم الدولي». وفي معرض تعقيبه على موقف الجزائر التي تعتبر نفسها غير معنية بنزاع الصحراء، وفي الوقت ذاته تضع مقترحات وتوصيات في المحافل الدولية تتجه صوب دعم جبهة البوليساريو الداعية الى استقلال المحافظات الصحراوية عن المغرب، قال ولد الرشيد إن موقف الجزائر يحمل في طياته تناقضا واضحا، فهي تقول إنها غير معنية بنزاع الصحراء، ومع ذلك تؤوي فوق ترابها مخيمات تضم «إخوانا لنا صحراويين» محرومين من جميع الحقوق الأساسية لحقوق الإنسان حسب تعريفات المواثيق الدولية، فهم ممنوعون من التنقل ومن حيازة جوازات سفر ومن الاختيار بين الرجوع الى المغرب او المكوث هناك في وضع كارثي، مبرزا أن تنقلهم يحتاج الى قرار من طرف الدولة الجزائرية، وهذا في نظره يتنافى والقول إن الجزائر غير معنية بنزاع الصحراء. كما أنها (الجزائر) لا تترك محفلا دوليا إلا وتتطرق فيه للمشكل من زاوية عدم الحل، ذلك انها تتحدث عن اقتراحات غير قابلة للتنفيذ من قبيل الاستفتاء. أما مبدأ «تقرير المصير» فهو متضمن في مقترح الحكم الذاتي الذي أقدم عليه المغرب بكل جرأة وشجاعة.

وأضاف ولد الرشيد أن الدعم الجزائري لصالح جبهة البوليساريو ناتج عن وجود أزمة خانقة سياسية وذاتية في صفوف قيادة الجبهة، تفاقمت حدتها منذ الاعلان عن تأسيس المجلس الملكي لشؤون الصحراء، داعيا أعضاء البوليساريو الالتحاق بأرض الوطن للمساهمة في تنمية المنطقة وإلغاء الأفكار القبلية عن المشروع، والقطع مع نزعة التشكيك، كما يفعل بعض الصحراويين في المغرب، فالماضي الأليم تم طيه في المغرب بأكمله ولا يمكن التحجج بخروق سابقة لرفض حل نهائي عادل يضمن جميع الحقوق. واعلن ولد الرشيد ان المجلس الملكي أجرى خلال اعداده مشروع الحكم الذاتي اتصالات مع جبهة البوليساريو، وينتظر الآن أن يطلعوا عليه، مشيرا الى استعداد المجلس من اليوم التباحث مع الجبهة التي اصبحت في نظره عاجزة عن تقديم أي طرح بديل ومقبول لحل النزاع ينهي معاناة من وصفهم اهلنا في مخيمات تندوف، مشيرا في هذا الصدد الى ان الاسباب القديمة التي دفعت الجزائر الى تأييد البوليساريو والانفصال قد اختفت الآن من قبيل الحرب الباردة والصراع الآيديولوجي في العالم العربي والنزاع على الحدود مع المغرب.

وكشف ولد الرشيد انه يجري اتصالات هاتفية، كما يتوصل بمكالمات في المغرب من الصحراويين المقيمين في تندوف ومن خارجها، مراهنا على ان اللاجئين الصحراويين سيعودون الى المغرب اذا ما سمح لهم بذلك، مناشدا الجزائر، السير في هذا الاتجاه باعتبارها جارة للمغرب ومعنية بالنزاع وبناء المغرب العربي، فالمغرب يحبذ هذا الوضع لانه يتيح حل المشكل عن طريق التفاوض.

وعاد ولد الرشيد ليؤكد الطابع الشمولي لمشروع الحكم الذاتي، قائلا انه لم يترك صغيرة ولا كبيرة الا وقدم عنها الجواب والحل اللازم، مضيفا ان المشروع بعد ان رفع الى العاهل المغربي يعني اننا دخلنا مرحلة جديدة، معربا عن قناعته ان المراحل الآتية ستكون سريعة، وان الدولة المغربية سوف تتحرك في اتجاه اخراج المشروع. ونفى ولد الرشيد وجود خلافات بين اعضاء المجلس الملكي الاستشاري، لانه ليس حزبا او جمعية، وانه شخصيا لم ينفرد باتخاذ القرارات او السفر وحده الى الخارج، لكنه اشترط في معاونيه صفة الكفاءة والقدرة على انجاز المهام الموكولة اليهم، اذ لم يؤسس المجلس لغاية السياحة.