فتحي يكن.. من يمين سيد قطب إلى يسار حسن نصر الله

خرج من «الجماعة الاسلامية» وخالف إجماع الطائفة

TT

أسعد هرموش، رئيس المكتب السياسي للجماعة الاسلامية في لبنان، النسخة الاخوانية المحلية، كان واضحا وكاشفا لكثير من الغموض، حينما قال لصحيفة الديار اللبنانية، التي استغربت ميلان الجماعة الاخوانية إلى قوى 14 آذار، ومطالبها بالمحكمة الدولية وبرفض التمديد، موحية الصحيفة بأن في ذلك نفحة طائفية، قال هرموش إن ذلك يأتي: «تأميناً ‏للاستقرار الداخلي، وضرورة المحافظة على نوع من التوازن والتماسك داخل الشريحة الإسلامية ‏السنية» واضاف يجب أن لا ينكر علينا ذلك، حيث أن المصلحة تقتضي بذلك كما بتقديرنا.‏ فالمصلحة دعت الطائفة الشيعية إلى التفاهم بين أمل وحزب الله، كما المصلحة ‏المسيحية دعت إلى قيام تفاهم بين الأحزاب المسيحية اللبنانية وقرنة شهوان والقوات.

قطب الجماعة الاخوانية البارزة في لبنان، يضع اصبعه في هذا اللقاء الذي تم معه في 28 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على حالة الفرز الطائفي السياسي التي تضرب لبنان هذه الايام، ويشير الى دخول سني قوي على مشهد الصراع اللبناني الداخلي.

لكن، وفي ظل هذه المناصرة الواضحة من قبل الجماعة الاسلامية لفؤاد السنيورة وحكومته، وآخر مظاهرها استقبال رئيس الحكومة بعد يوم واحد من خطاب السيد حسن نصر الله الغاضب، وفدا من المكتب السياسي للجماعة الاسلامية برئاسة نائب الامين العام إبراهيم المصري.

وقبل ذلك كان اسعد هرموش على منصة الخطباء والمعزين برفقة سعد الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع وامين الجميل، عشية تشييع الوزير بيير الجميل.. لكن في ظل كل هذا، فإن موقف الجماعة ظل محلا للالتباس، بسبب مواقف رمز من رموز الجماعة التاريخيين، وهو الشيخ فتحي يكن، الذي كان من الواضح انحيازه لمعسكر المعارضة بقيادة حزب الله، وكان من تجليات هذه المناصرة قيام الشيخ يكن بامامة المتجمهرين من انصار حزب الله وامل امام السراي الحكومي يوم الجمعة الفائت، بعد فتوى من امين عام الحزب السيد حسن نصر الله، تجيز ذلك لجمهوره من الشيعة. فمن هو فتحي يكن؟ ولماذا اتخذ هذا الموقف؟

قبل ان نعرف فتحي يكن، لنتعرف على لمحة سريعة على نشأة الجماعة الاسلامية. المتداول أن الجماعة برزت بشكلها الحالي في 1964، والعمل الاسلامي الاخواني، في لبنان، ليس بعيدا عن العمل الاخواني في الجارة سوريا، او حتى مصر، لأنه كان من المشهور ان لقاءا اخوانيا، او لنقل «دوليا» عقد في لبنان، برعاية الاباء الروحيين المؤسسين للجماعة في لبنان، واستضافة مرشد الجماعة الاول في حينها المصري حسن الهضيبي، وذلك اثناء زيارة الهضيبي إلى لبنان 1953، وانعقاد المكتب التنفيذي لقادة الإخوان المسلمين في «بحمدون» وحضره الرمز الاخواني الاول في سوريا الدكتور مصطفى السباعي واللبناني محمد عمر الداعوق والعراقي الشيخ محمد الصواف والاردني «المراقب العام» محمد عبد الرحمن خليفة، والذي توفي قبل ايام.

إذن وحسب كتابات تؤرخ لنشأة العمل الاسلامي في لبنان، فوجود الاخوان قديم، وهو جزء من الحضور الاخواني العام في المنطقة، عزز ذلك بعض الظروف الخاصة مثل لجوء مرشد الجماعة في سوريا مصطفى السباعي الى لبنان 1952، إبان حكم الحاكم العسكري السوري أديب الشيشكلي واستطاع، كما ترى مصادر اخوانية «تأصيل الفكر الإسلامي الملتزم» وصياغة دراسات فكرية و«حركية»، لكل من «جماعة عباد الرحمن» التي تشكلت في بيروت وكان أسسها محمد عمر الداعوق، عام 1950، ولدى مجموعة من الشباب بطرابلس أبرزهم الدكتور فتحي يكن.

هذا التثقيف، وأحداث سياسية أخرى، أدت الى انصهار التيارات الاخوانية في وعاء الجماعة الاسلامية، وإن كان البعد الطرابلسي لم يخف عنها، خصوصا وان طرابلس هي المعقل الرئيس لجماهير التيار الاخواني و«عزوته»، ففي أزمة 1958 أنشأت جماعة «عباد الرحمن» البيروتية الطابع، معسكراً للتدريب وأقامت محطة إذاعة «صوت لبنان الحر» في شمال لبنان، واستمرت حتى الشهور الاخيرة من الازمة، بينما اكتفت الجماعة في بيروت بدور اجتماعي إغاثي، مما أدى، كما يرى راصدون اخوانيون، أوائل الستينات إلى أن يستقل العمل الإسلامي في الشمال عن «عباد الرحمن» تحت مسمى الجماعة الاسلامية، وكان أول أمين عام لها هو فتحي يكن، إضافة إلى بقية المؤسسين ومنهم، إبراهيم المصري.

الشيخ او الدكتور فتحي يكن له محطات طويلة مع العمل السياسي الاسلامي في لبنان، خصوصا بعد انخراط الجماعة في اللعبة السياسية ونجاحها في ايصال بعض مرشحيها الى الندوة البرلمانية. ففي انتخابات 1992 حصلت الجماعة الإسلامية على ثلاثة مقاعد في المجلس النيابي، اقتعدها الدكتور فتحي يكن وأسعد هرموش وخالد الظاهر، وفي انتخابات 1996 لم تحصل الجماعة إلا على مقعد مثله خالد الظاهر.

لكن للشيخ يكن أوجه أخرى، تتجاوز لبنان، فهو من «كبار» الرموز الحركية في العمل الاسلامي السياسي، وبعض اصداراته الحركية مثل «قوارب النجاة في حياة الدعاة» و«مشكلات الدعوة والداعية» و«كيف ندعو إلى الإسلام؟» و«الموسوعة الحركية» وغيرها، كل هذه الادبيات والكتب حفظت لفتحي يكن مكانة بارزة في تثقيف الاجيال الجديدة من شباب الحركية الاسلامية. ولاينسى المتابع، كيف كانت كتيبات فتحي يكن محل ترويج، واشادة من قبل الموجهين والمثقفين والتربويين من الاسلاميين الحركيين في السعودية.

تغير الأمر بعد ذلك، بسبب اندلاع المواجهة بين الحركيين الاسلاميين السعوديين ذوي النزعات الاخوانية مع الحكومات الخليجية وبعض الجماعات السلفية الجديدة الموالية، التي فرغت نفسها لملاحقة هذه الادبيات الحركية و«فضح» الجانب السياسي الصريح فيها، ومطالبة المتعاطفين معها والمشجعين لها بابداء موقف صريح منها، خصوصا بعد «الانشطار العظيم» الذي اصاب جماعات الاخوان المسلمين، و«نصف الاخوان» مثل التيارات السلفية الحركية او «السرورية» في السعودية والكويت. وكان فتحي يكن، وادبياته، محل استهداف من قبل هذا الهجوم السلفي المضاد.

ومما ضاعف الهجوم على القطب الاخواني اللبناني هو «مناوراته» السابقة في محاولة كسب «الاحباش» في لبنان، وهم فريق سني محلي يناصب العداء للسلفيين والحنابلة ويكفر بن تيمية، ويضم له الشيخ بن عبد الوهاب وايضا سيد قطب، وهو كما تبين لاحقا، منضو في الحلف السوري، وحاول السوريون الاستفادة منه في اختراق الاسلام السني في لبنان، واشتهر الاحباش بهجومهم على دار الفتوى السنية، واثارة الشغب، والامساك بمساجد سنية كثيرة في عهد الوصاية السوري.

الشيخ فتحي يكن اشتهر بزيارة مثيرة لعراب «الاحباش» ووالدهم الروحي الشيخ عبد الله الهرري في الرابع عشر من سبتمبر (أيلول) 2004. وكال فيها الهرري هجوما على السلفية والوهابية وابن تيمية، فكان تعليق الشيخ فتحي يكن، حسب النص الحرفي للمقابلة ان قال «حاشا أن تكون هذه الحركة (الوهابية) حركة سلفية، نحن نعتبر انفسنا سلفيين (...)، اما الحركة الوهابية فأحدثت في الامة بالفعل فجوة كبيرة وفتن لها اول وليس لها آخر».

لكن هذا التقرب من الشيخ يكن لم يرض اعداء دار الفتوى والسلفيين والاخوان في لبنان، فأصدر «الاحباش» بيانا تحذيريا من فتحي يكن، قالوا فيه انه قد حصل اجتماع بين الهرري والشيخ يكن من اجل ان يبين الهرري ليكن «خطر الفكر المتطرف الذي يكفّر البشرية جمعاء ويستحل دماءها وأموالها المتمثل بما قاله الكاتب المصري المعروف سيّد قطب، والذي كفّر كلّ إنسان لا ينتمي إلى جماعته بما يشمل رعاة الغنم ومؤذني المساجد».

وأضاف البيان التحذيري «استمر اللقاء نحو ساعة لم يتكلم فيها الدكتور فتحي بكلمة واحدة تعارض ما قاله الشيخ عبد الله الهرري»، وتابع «وقد أصدر فتحي يكن بعد اللقاء بيانًا عبر مكتبه الإعلامي زعم فيه أنه لم يكن بين المجتمعين في هذا اللقاء أي خلاف متعلق بالأسس والأصول».

ويضيف باستغراب «لكن بعد أسبوع من ذلك صرّح فتحي يكن في المجلة التابعة لحزبه المسماة «الأمان» بأن فكر الشيخ الهرري وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (مخالف لِما أجمع عليه السلف الصالح وعدول هذه الأمة وفقهاؤها) مدافعًا عن سيد قطب وناعتًا له بالشهيد ومنتقدًا».

وهكذا، لم يكسب الشيخ فتحي يكن تعاطف واقتناع هذا الفريق «الشارد» عن الصف السني، ولم يكسب رضا الصف السني الاصلي، ووجد القائلون باغراقه الحركي على حساب الاصول السنية المتبعة ذريعة اخرى للبرهنة على موقفهم ضده.

الشيخ يكن خرج من صفوف الجماعة او اخرج منذ ان تم «تجميد» عضويته في مجلس شورى الجماعة، حسب رواية اسعد هرموش او الموافقة على استقالته بعد طلبه ذلك حسب رواية اخرى، او اخراجه من الجماعة بحسب روايات أخرى، وكون فتحي يكن منذ ذلك الوقت ما أسماه «قوى ‏العمل الاسلامي»، وهي جبهة مختلطة من الدكتور يكن وتلاميذه وبقايا تنظيم التوحيد في طرابلس بقيادة الشيخ بلال شعبان، وايضا بعض السلفييين القلة مثل داعي الاسلام الشهال وهاشم منقارة.

بعد ذلك، ولأول مرة كما قالت جريدة البلد اللبنانية، دخل فتحي يكن معقله طرابلس ليس كممثل للجماعة الاسلامية بل بصفته مسؤولاً عن «قوى العمل الاسلامي» في لبنان وليس أميناً عاماً سابقاً لـ«الجماعة الاسلامية» كما جرت العادة بعد «الطلاق» بين الطرفين، وكان حضور فتحي يكن حينها مع «قوى العمل الاسلامي» لرعاية احتفال ديني بالمولد النبوي الشريف».

حاول الشيخ يكن خلق فريق جديد، اعتمادا على رصيده التاريخي في الجماعة الاسلامية، وايضا بسبب طموحه الشخصي كونه من المؤلفين المعروفين في الادبيات الحركية الاسلامية.

وحسب ملاحظة مفكر سني سياسي فإن مشكلة الدكتور يكن، حسبما يرى، هي في اقتناعه العميق بقدراته في رسم المسارات النظرية والسياسية للسنة في لبنان وربما خارج لبنان.

ويبدو ان سورية جار لبنان الكبير، والملقي بظله على هذا البلد، قد تنبه لأهمية استثمار كل هذه المعطيات في شخصية الشيخ يكن.

ففي 21 سبتمبر (أيلول) الماضي، استقبل الرئيس السوري بشار الاسد، فتحي يكن في دمشق، ونشرت الخبر وكالة الانباء السورية، وبحسب نص الخبر فإن الرئيس الاسد استعرض مع الدكتور فتحي يكن «رئيس جبهة العمل الاسلامي» (الاسم الاخير لتنظيم يكن) الاحداث في لبنان. وأوردت «سانا» ان اللقاء تناول «تداعيات الحرب الاسرائيلية على لبنان والانتصار الذى حققته المقاومة اللبنانية، وذكر البعض بأن هذه الحفاوة السورية جاءت بعد حديث يكن عن البعد الجهادي في «جبهة العمل الاسلامي».

لكن وبحسب مصدر لبناني حكومي، تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن علاقة الشيخ يكن بدمشق، فإن يكن رفض دعما ماديا من اجل جبهته، واكتفى بالدعم السياسي.

وبعد، فإن «مبادرة» الدكتور فتحي يكن الاخيرة، من اجل الوساطة بين الرئيس السنيورة والنائب سعد الحريري وقوى المعارضة، ومن ثم قيامه بإمامة صلاة الجمعة في جمهور حزب الله المتجمهر امام السراي الحكومي، تأتي في سياق التطور الخاص بمسيرة ورؤية فتحي يكن، يبدو انه ابتعد بمسافات ليست قصيرة عن حزبه الاصلي، الجماعة الاسلامية، ومن خلف هذه الجماعة الطائفة السنية برمتها، التي يبدو انها لاتشاطر الشيخ يكن رؤيته ولا تحالفاته في ظل هذه المناصرة التامة للسنيورة والحريري، والتي رسخها المفتي رشيد قباني مؤخرا بالقول «ان اسقاط الحكومة خط أحمر».

وفتحي يكن، المعتمدا على رصيده، وعلى حسه الفردي المغامر، هو ابن الثالثة والسبعين، ولد في 9 فبراير (شباط) 1933، والذي يحاول توظيف انتمائه الماضي، وتوقده الفردي السياسي الحاضر، يراهن كثيرا على موقعه داخل الذاكرة السنية اللبنانية , وهو «الشيخ» السني العتيد.