باحث سعودي يبتكر «نظرية علمية» لتفادي أزمة نقص المياه العذبة

أستاذة في جيولوجيا المياه: الفكرة ستكون تجربة رائدة إن تم الأخذ بها

TT

طرح باحث سعودي فكرة نظرية علمية عن «تحلية المياه» في الوقت الذي يشهد فيه العالم مستقبلا فترة تخوف من مشكلة نقص المياه العذبة عالمياً، وأورد الباحث حلولاً علمية من ابتكاره قام بتطويرها بعد أن استشعر بدوره أن العالم مقبل على مشكلة صعبة جداً تتمثل في نقص المياه العذبة التي تشكل العنصر الوحيد لاستمرارية الحياة على الأرض في ظل تدني نسبة موارد المياه العذبة المتوفرة حول العالم من 2.5 في المائة إلى أقل من 1 في المائة من مجمل نسبة المياه الموجودة على سطح الأرض.

وأرجع الباحث سبب عنايته بتطوير الفكرة وأساليب تجريبها إلى ما لمسه من إشارات توحي بأن العالم مقبل على ما وصفه بـ«أزمة مياه متزايدة وخانقة متعددة الأخطار»، مشدداً في الوقت نفسه على ضرورة التعامل بجدية مع فكرته من قبل الجهات المعنية في بلاده والمتخصصين في مجال المياه على حد سواء، ومحذراً من أن التأخير بالنظر إلى الدراسة بشكل سريع سيؤدي إلى فوز آخرين بتجريبها ثم تطبيقها، وأضاف «قد نخسر السباق ونحن أصحابه».

وأكد محمد بن عبد الرزاق العبد الكريم وهو من أبرز المهتمين في مجال المياه ورجل أعمال أن ما يميز الفكرة التي قام بها كلفتها السهلة، إذ إن كلفة التجربة الأولى لا تزيد عن مليون دولار فقط، مشيراً إلى أن «حقائق كثيرة ستظهر خلال العمل بها وتركيز البحث العلمي عليها».

ويوضح العبد الكريم أن الفكرة التي ابتكرها حديثاً، ضمن عنايته بأفكار سابقة متعددة عن المياه، تتلخص في توفير سفينة صغيرة وقويّة وملئها بعدد من أكياس نسيج النايلون شديد القوة ذات سعة ألفي متر مكعب لكل كيس من الماء المحلى، موصلة بضاغط هواء كهربائي قوي يكبس الهواء في أنبوب طويل إلى حد الأكياس لفتحه، كي يظهر الكيس على سطحه الخارجي عدد من أنابيب البلاستيك القصيرة البارزة التي لها صممات في داخل الكيس تمنع خروج الماء منه، في الوقت الذي تسد فتحتها الخارجية طبقات أغشية الأسموزي بإحكام.

ويتابع العبد الكريم بأن يكون داخل هذا الكيس مقدار من الماء المحلى لزيادة وزنه فإذا أُلقي الكيس في ماء البحر متدلياً من السفينة فان المرشحات الاسموزية سوف ينفذ منها قليل من الماء المحلى إلى داخل الكيس الذي يزيد وزنه ثم سرعة نزوله تدريجياً حتى إذا وصل إلى العمق المطلوب، وهو الذي يقابل ضغط الماء فيه نفس الضغط الجوي المستعمل في عمليات التحلية النسيجية على اليابسة وهو ألف بار أو ما يقاربها حينئذ يفتح قليل من الهواء خلال أنبوب الضاغط إلى داخل الكيس فيستقر الواء فوق مائه.

وبحسب العبد الكريم فالماء المحلى في الكيس يزداد بالتزامن مع زيادة الضغط على الهواء المحصور فيه، مضيفا «فيتسرب شيء منه عبر الأغشية إلى الخارج فينظفها ويطرد ما تراكم فيها أو حولها من أملاح ويبعدها، ويمد الكيس بالهواء مرّات فإذا امتلأ بالماء المحلى تنغلق صمامات الأغشية الداخلية لوصول الماء الضاغط عليها، لتبدأ السفينة في سحب وقطر هذا الكيس بحبل مجاور لأنبوب النفخ».

وحول كيفية استكمال عملية التحلية لفت العبد الكريم إلى أن الكيس يتم ربطه بعد الانتهاء لتتجه به السفينة إلى رصيف محضّر سلفا على الساحل ليربط الكيس ويفك أنبوب النفخ وحبل السحب وتعود السفينة إلى الموقع السابق العميق لتنزل كيسا آخر عليه نفس المواصفات، يملأ بالماء المحلى ويقطر الى الرصيف أو المرسى وتكرار العملية حتى يجمع العدد المطلوب من الأكياس.

ويزيد الباحث السعودي بأنه يمكن إيصال أي كيس إلى جهة تحتاج ماءه بحراً، وتجمع الأكياس الفارغة بعد سحب مخزونها من الماء وتعاد إلى السفينة، مؤكداً أن العملية سهلة ويمكن استمرارها وتكرارها في كل السواحل السعودية أو غيرها.

وأكد العبد الكريم بأنه يمكن تحضير أي عدد من هذه الأكياس لتخزين كميات غير محددة من الماء المحلى احتياطاً لأي طارئ في أعماق مياه البحر او في المراسي الساحلية نفسها، حيث يكون الدليل عليها غاطسة حبل القطر وأنبوب النفخ المصاحب له اللذان يمدهما بالون هوائي ظاهر فوق سطح الماء وعلى البالون تفاصيل وتسلسل ومعلومات عن محتويات أي كيس.

وأبان الباحث السعودي أن من أبرز أهداف الفكرة العلمية التي تضمن عدم إحداث أي تلوث للبيئة هو توفير الماء للبشر «إذ يمكن إجراء عملية تنقية إضافية لهذا الماء المنتج بهذه الطريقة حتى يكون صالحاً للاستهلاك البشري كما هو الحال في التحليات الأخرى، وذلك خارج المرسى على الساحل»، لافتاً إلى أن العملية لا تحتاج إلى خبرة معقدة ومكلفة ولا عمالة كثيفة ولا أموال طائلة، مؤكداً أنه يمكن إنشاؤها وتنفيذها خلال عدة أسابيع أو أقل «مع البساطة في كل شيء»، وأضاف: «التجربة ستكون في متناول الجميع من الشعوب الفقيرة وغيرها».

ويصل العبد الكريم إلى أن التجربة الأولى ـ في حال تطبيقها ـ ستحدث صدى عالمياً واسعاً للسعودية، مشيراً إلى أن الشركات الوطنية الكبرى في السعودية سيكون بإمكانها إجراء هذه العملية بسهولة، «وخصوصاً شركة أرامكو التي لها خبرة واسعة في عمليات النفط المعقدة في السواحل البحرية وتحت ماء البحر».

بدورها ذهبت الدكتورة فوزيّة الرويح أستاذة جيولوجيا المياه بجامعة الكويت إلى أن الفكرة التي توصل إليها الباحث السعودي والتي تتركز على الفروقات بين تراكيز الأملاح وبين التحاليل المائية، ستكون تجربة رائدة إن تم الأخذ بها، مضيفة بأن التجربة ستحسب لصالح دول الخليج على وجه الخصوص، ومؤيدة بدورها الإعلان عن هذه التجربة وضرورة تبنيها ودعمها.

وفي تعليق لـ«الشرق الأوسط» على الفكرة، ربطت الدكتور فوزية الرويح مدى نجاح تجربة الفكرة العلمية من عدمها بالنتائج الكمية والكيفية للتجربة في حال القيام بها.

وأوضحت في هذا الصدد أن نجاح التجربة «مرهون بالنتائج التي يتم الحصول عليها من ناحية نوعية المياه وكميتها التي يحصل عليها الباحث».

وأكدت الدكتورة فوزية أن الابتكار النظري السعودي الذي قام به محمد العبد الكريم يعد قابلاً للتجريب في دول الخليج التي تعتبر دولاً جافّة، مضيفة «إن وجدت الفكرة من يتبناها ويدعمها فإنها ستكون تجربة رائدة»، لافتة في الوقت نفسه إلى أن تجاوز تجريب العملية بنجاح سيؤدي بدوره إلى تنمية الموارد المائية في الدول الخليجية.